العدد 32 - اقتصادي | ||||||||||||||
جمانة غنيمات تشي نتائج استطلاع المائتي يوم الذي أجراه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية بان أكثر ما يقلق الأردنيين ويشغل بالهم في هذه الفترة هو حالة انفلات الأسعار غير المسيطر عليها، ويدلل على ذلك الخط التصاعدي الذي اتخذه مؤشر التضخم منذ بداية العام، إذ بلغ معدله خلال الأشهر الخمس الأولى من العام الحالي 12.7 بالمئة. نتائج المسح تؤكد أيضا، أن أولويات المواطنين هي أولويات اقتصادية، إذ جاءت مشكلة ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة على رأس المشاكل التي يعاني منها المواطنون بعد القفزات الكبيرة التي لحقت بمعدلات الأسعار. بات معروفا إن التضخم الحاصل في الأردن هو تضخم مستورد نتيجة ارتفاع أسعار النفط الخام الذي لامس سعره خلال الأسبوع الماضي 140 دولاراً للبرميل، وبسبب ارتفاع أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية، في وقت فقد الدولار 38 بالمئة من قيمته أمام العملات الأخرى، مما اثر على مستويات الأسعار محليا كون الدينار مرتبطاً بالأخضر منذ العام 1995، إذ إن نسبة كبيرة من قيمة المستوردات تدفع بالدولار باليورو. المشكلة ليست في التضخم القادم من الخارج، بل في ضعف البدائل التي قدمتها السلطة التنفيذية للتخفيف من الأثر الكبير على شرائح واسعة تضررت من ارتفاع الأسعار، ولم تقدر على مواجهته لتدني مستويات مداخيلها التي يقل لدى 75 بالمئة من القوى العالمة عن 200 دينار شهريا. يرتبط بموضوع الأسعار والتضخم وأثره السيء على مستويات معيشية العائلات بشكل مباشر، وعلى سبيل المثال إخفاق الحكومة في معالجة موضوع ربط الرواتب والمداخيل بمعدلات التضخم، برغم أنها قررت بداية العام الحال تزامنا مع رفع الدعم نهائيا عن المشتقات النفطية زيادة رواتب العاملين والمتقاعدين من أجهزة الدولة عسكريين ومدنيين مبالغ تراوحت بين 40 و 50 ديناراً. تجنب الفشل في هذا الجانب كان يتطلب إجراء دراسات واقعية تقيس معدل التضخم الحقيقي المتوقع للعام الحالي، وتحويل النسب إلى رقم مطلق تنعكس قيمته على رواتب هذه الفئة. أيضا، كان يتوجب على وزارة المالية المسؤول المباشر عن هذه المسألة وضع قاعدة بيانات موضوعية تحدد الشرائح التي تقل مداخليها عن 300 دينار، وتحدد آلية لائقة تعوضهم فيها عن الارتفاعات المتلاحقة في الأسعار، لا سيما أن معدلات التضخم بلغت مستويات غير مسبوقة منذ 17 عاما لتصل 12.7 بالمئة خلال الخمسة اشهر الأولى من العام الحالي. نتائج الاستطلاع تشير بطريقة ما إلى أن السياسات فشلت في تحسين المستوى المعيشي للمواطنين، كما أنها لم تفلح في تجسير الفجوة بين مداخيل الأفراد ونفقاتهم البالغة 1330 دينارا سنويا، والتي تضاعفت نتيجة الزيادة الكبيرة التي شهدتها أسعار السلع والخدمات الأساسية. كذلك، لم تسهم السياسات الاقتصادية في إعادة توزيع مكتسبات التنمية بعدالة بل على العكس، فقد اتسعت الفجوة بين الأغنياء والفقراء ليصبح 10 بالمئة من الأغنياء يتمتعون ب 30 من الناتج المحلي الإجمالي، فيما تقتصر حصة أفقر 10 بالمئة على 3 بالمئة من الناتج الإجمالي. ما عمّق الفجوة الطبقية ووسع دائرة الفقر. لذلك ظلّت نتائج البرامج الاقتصادية متواضعة على مستوى اقتصاد «الماكرو». فاقم ذلك ضعف الرقابة وغياب الرؤى الإصلاحية بعيدة المدى. كذلك، أثرت الظروف الصعبة خلال هذه الفترة على الطبقة الوسطى، في وقت ظلت معدلات الفقر والبطالة تراوح مكانها عند نسب 14.3 و 14.1 بالمئة، لتسقط أسرة كثيرة تحت خط الفقر نتيجة معدلات التضخم الخيالية. أما بخصوص عجز الحكومة عن توفير العمل للمواطنين، فهو من أهم المؤشرات على نجاح الخطط الاقتصادية ويستخدم في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة لمعرفة مدى نجاح السياسات المالية والنقدية، إذ تعبر قدرة الاقتصاد على توليد فرص العمل عن مدى متانته وقوته وقدرته على مواجهة التحديات. تفسير العجز الحكومي عن توليد فرص العمل يرتبط بنوعية الاستثمار التي تمكنت المملكة من استقطابها، وتركزت في قطاعات غير مشغلة للأردنيين مثل: العقار والسوق المالي، وضعف القدرة على إنشاء مشاريع توفر وظائف ذات قيمة مضافة عالية تناسب إمكانيات وثقافة المتعطلين عن العمل من الأردنيين الذين تصل نسبتهم. أيضا تشير مسألة فشل الحكومة في حماية محدودي ومتدني المداخيل، كما أكدت نتائج الاستطلاع ، إلى أن شبكة الأمان الاجتماعي التي نفذتها الحكومة وخصص لها 300 مليون دينار في موازنة 2008 لم تنجح هي الأخرى في تحقيق الأمان لشرائح واسعة من المجتمع انزلقت تحت خط الفقر البالغ 504 دنانير سنويا بحسب أرقام رسمية ويتجاوز 500 دينار للأسرة شهريا تبعا لدراسات غير حكومية. ويصب في هذا الأمر أيضا، عدم مقدرة الحكومة على تحسين رواتب الموظفين والعاملين في القطاع العام والقوات المسلحة التي تعاني أصلا من الانخفاض الكبير. يبقى القول إن تحقيق أي إنجاز يذكر لتحسين المستوى المعيشي للمواطن بشكل مستدام يتطلب توافر سياسات اقتصادية من نوع آخر تركز على تحسين نوعية الاستثمار والإنفاق في أوجه ترتقي بالتدريب والتأهيل وتوفر فرص عمل ذات قيمة مضافة. |
|
|||||||||||||