العدد 32 - اقتصادي
 

جمانة غنيمات

جاءت نتائج مسح مؤشرات الفقر مفاجئة بالمقارنة مع الظروف الصعبة التي تشير إلى تزايد أعداد الفقراء وتعمق حالة الفقر لدى كثيرين نتيجة تدني المداخيل وارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير خلال العام الجاري والذي سبقه.

نتائج تحديث مؤشرات الفقر لعام 2006 التي أعلنتها دائرة الإحصاءات العامة تخالف توقعات عامة بتزايد هذه المشكلة واتساع حلقتها بعد أن أكدت الأرقام تراجع معدل الفقر ليبلغ 13 بالمئة نزولا من 14.1 بالمئة . المثير في الموضوع أن مدير عام دائرة الإحصاءات العامة لا يملك تفسيرا علميا يشرح هذه النتائج.

الخروج بهذه النتائج يعيد حالة التشكيك بالأرقام الرسمية ومدى صدقيتها في عكس الواقع ومطابقتها له.

فالمتتبع لقضية الفقر في الأردن يرى أن هذه النتائج لم تولد من برامج طبقت أدت نتائجها إلى تقليص الفقر لا سيما أن العديد من الأفكار والخطط المتعلقة بمعالجة هذا المحور لم تر النور.

مقترحات كثيرة لم تجد طريقها للتنفيذ، ومنها وضع سياسة اجتماعية وطنية شاملة للربط بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية، تطوير مهارات العاملين في مجال مكافحة الفقر، تطوير فهم واضح لأسباب الفقر ومكوناته، إعادة هيكلة صندوق المعونة الوطنية.

من المقترحات والأفكار التي حفظت في الأدراج أيضا، تقديم معونة وطنية للفقراء المتعطلين عن العمل لحين التحاقهم بسوق العمل، ربط الاستفادة من المعونات النقدية بالتعليم الأساسي والرعاية الصحية، توسيع برامج التجمعات الريفية والخدمات في المناطق الريفية.

تعتبر هذه النتائج مفاجئة وغير منطقية لكل من يقرا أو يسمع عنها لا سيما في هذه المرحلة الصعبة التي يعاني فيها غالبية الأردنيين من تراجع المستوى المعيشي لهم ولعائلاتهم.

ما ينبئ بغير هذه النتائج أن الحكومات المتعاقبة أطلقت العديد من الأفكار والتصريحات حول خططها لمعالجة الفقر وتقليصه، لكن الإجراءات الحكومية على ارض الواقع لم تتضمن أي خطط تنفيذية فلغاية الآن لم توضع قاعدة بيانات حقيقية توفر معلومات دقيقة حول الفقراء وتساعد في وضع حلول واقعية لهذه المشكلة كما أن مشاريع جيوب الفقر التي كان يفترض ان تنتهي في 2007 لم تستكمل لغاية الآن.

كما أن هيئة التكافل الاجتماعي التي تأسست منذ أكثر من عامين لتكون مظلة لجميع المؤسسات المعنية بهذه الظاهرة لتنسيق جهود مكافحة الفقر ما تزال متعطلة وغير فاعلة.

صحيح أن المسح الذي قامت به الدائرة كان عام 2006 أي قبل بداية، فورة أسعار النفط، وبدء الدول بإنتاج الوقود الحيوي من الذرة، وأيضا كانت قبل ارتفاع المواد الأساسية مثل الأرز لكن أرقام المسح تظهر أيضا أن الإنفاق زاد بنسبة 9.5 بالمئة فيما نما الدخل ثلث هذه النسبة تقريبا، إذ بلغت نسبة الزيادة فيه قبل اخذ حوالات الأردنيين من الخارج 1.5 بالمئة .

بعض النتائج التي وردت في المسح تستحق التوقف عندها، فمثلا تؤكد النتائج إن النمط الاستهلاكي للأسرة تغير لصالح السلع غير الاستهلاكية، إذ انخفض من 40بالمئة وصولا إلى 37 بالمئة ، فهل معنى ذلك أن الأسر خفضت كمية طعامها، في سبيل توسيع إنفاقها بنسبة 4 بالمئة على السلع غير الغذائية.

من الممكن القول أن نسبة الإنفاق على الغذاء تراجعت، ولا يعني ذلك أن تقليل الكميات كون هذه النتائج تتناقض وترتيب الحاجات الأساسية، كما وضعها ماسلو، الذي يرى أن حاجات الفرد مرتبة ترتيبا تصاعديا على شكل سلم بحسب أولويتها للفرد يأتي في مقدمتها الغذاء.

المسح وبرغم انه خلص إلى نتائج غير متوقعة، إلا أنه أثبت أمراً آخر يحسه المواطن وهو زيادة الفجوة بين الأغنياء والفقراء، إذ يتضح أن حصة أفقر عشر بالمئة من الأردنيين من الدخل بقيت ثابتة خلال الفترة 2002- 2006 عند معدل 2.6 بالمئة .

أما الأغنياء(الذين يحصلون على الحصة الأكبر من الناتج المحلي الإجمالي) فارتفعت حصتهم من الدخل والإنفاق عن العام 2002 التي بلغت على التوالي 30.2 و 26.8 بالمئة ، ما يعني أن أوضاعهم تحسنت عما كانت عليه في بداية هذه الفترة بعكس الفقراء الذين ساءت ظروفهم.

تراجع معدلات الفقر قد يبدو للوهلة الأولى بحسب النتائج الرسمية عامل طمأنة للحكومات التي كانت هذه المشكلة تلاحقها، لكن المفاجأة ستكون اكبر لو أجرت الحكومة مسحا الآن لوجدت أن عدد الفقراء ارتفع بشكل كبير بسبب متوالية ارتفاع الأسعار، إذ يتوقع خبراء أن يبلغ معدل التضخم نهاية العام الحالي 14 بالمئة في حال بقيت الظروف العالمية والإقليمية على حالها حتى نهاية العام.

المشكلة ليست في انخفاض معدل الفقر أو ارتفاعه ، بل كيف سيتقبل الناس النبأ الذي يأتيهم في أصعب الظروف ليبشرهم أن نسبة الفقر تراجعت، ليعرفوا أن الأرقام لن تنطق بلسان حالهم الذي يقول إنهم فقراء أو يتشبثوا للبقاء فوق خط الفقر.

السؤال المهم: إذا لم يكن هذا الرقم حقيقيا، فكيف يمكن وضع خطط ووضع خطط رؤيا لمعالجة مشكلة الفقر التي تتسع في ظل تنامي معدلات التضخم، لا سيما أن أموالا كثيرة ستنفق لتنفيذ هذه الخطط لتوضع في رصيد ملايين الدنانير التي أنفقت خلال سنوات مضت من دون تحقيق نتائج.

نتائج مسح الفقر “مضللة”، وتتنافى مع الواقع الاقتصادي الصعب
 
26-Jun-2008
 
العدد 32