العدد 32 - كتاب | ||||||||||||||
قبل أن يضع أي صاحب قرار سياسة حكومية يجب أن يسأل ويجيب عن السؤال التالي: ما هي الفائدة المرجوة من هذه السياسة أو القرار؟ لذلك يقع في تصنيف السياسات القابلة للسؤال تعليمات البنك المركزي الأردني المتعلقة بإقراض البنوك العاملة في المملكة لقطاع العقار، أكثر القطاعات نشاطا في المملكة، حيث تحدد التعليمات نسبة ما يمكن أن يقرضه أي بنك لقطاع العقارات، بما لا يزيد على 20بالمئة من مجمل قروضه( الـ20بالمئة تشمل المباني التجارية والصناعية والفنادق والمباني المخصصة للسكن وغيرها). من تخدم مثل هذه السياسات؟ لا أحد، ولكن قد يستفيد منها أصحاب المشاريع الضخمة أكثر من أصحاب المشاريع الصغيرة، فمع محدودية النسبة يكون لدى البنك وازع أكبر للإقراض لجهة واحدة، ومع تقنين المنافسة بهذا الشكل يجد المواطن أو صاحب المشروع الصغير نفسه مستبعدا من العملية الاقراضية. وهو ما تؤكده الأرقام، ففي حين انخفض عدد معاملات تداول العقار، ازداد حجمها، وأصبحت البنوك أكثر انتقائية وبالتالي ذهبت القروض إلى أولئك العملاء القليلي الخطورة جدا وبأسعار فائدة أعلى مما هو متوقع حتى للمشاريع الضخمة. والعكس ممكن أيضا، فقد تقوم البنوك بإعطاء الأولوية للمشاريع الكبيرة وترفض طلبات من هم بأمس الحاجة للاقتراض بهدف البناء، لأن نسبة الإقراض محددة من قبل البنك المركزي. فمع نسبة 20بالمئة من محفظة التسهيلات تملأ الكثير من البنوك الصغيرة والمتوسطة الحجم هذه الكووتا بسهولة. والآن، فلنفترض أن هناك مشروعاً استثمارياً لبناء فندق مثلا يحتاج إلى التمويل ببضع ملايين. سيحتكره أو يتحكم به بنكان أو ثلاثة في الأردن من البنوك التي لم تصل إلى نسبة 20بالمئة، وبالتالي ستفرض عليه أسعاراً للفائدة أعلى مما كان سيحصل عليه لو لم يكن هناك مثل هذا القيد، وهو ما حصل فعلا مع بعض المستثمرين. ولقد أصر البنك المركزي على عدم تخفيض أسعار الفائدة بحجة محاربة الغلاء، وهو ما لن يستطيعه لأن الغلاء مستورد، ولا علاقة له به غير أن هذا الإصرار يزيد من كلفة الاستثمار لأن المقترض في الأردن يدفع نسبة فائدة أعلى مما كان من الممكن لو أن البنك المركزي خفض سعر الفائدة ليشجع على الاستثمار وتخفيض الغلاء من خلال تقليل تكاليف الانتاج في الأردن. إذاً، سعر الفائدة مرتفع أصلا وبهذه الكوتا سيرتفع سعر الفائدة أكثر على المستثمرين. يشكّل القطاع العقاري مجال الاستثمار الرئيسي، والمستقطب الأكبر للاستثمارات الأجنبية المباشرة، في المملكة، ولهذا السبب لا بد من العمل على زيادة حصته من حجم القروض التي تقدمها البنوك للقطاعات كافة. بل لماذا هذا التدخل الصارخ من الأساس في اقتصاديات السوق؟ أهو الخوف من أزمة «ائتمان عقاري» كما حصل في أميركا. لقد ولى زمن النقود السهلة والأردن الآن لم يعد ما كان عليه قبل سنتين، فلا خوف من مثل هذه الظاهرة. |
|
|||||||||||||