العدد 32 - أردني
 

السّجل - خاص

تشكل الجرائم الاقتصادية في الوقت الراهن تحديا جديدا للدول على اختلاف أنظمتها وللسياسة الجنائية المعاصرة سواء على المستوى الوطني أو الإقليمي أو الدولي، وتأتي أهمية هذا التحدي من أن الاقتصاد يعد عاملا أساسيا في تكوين الأنظمة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

ويعرف القانونيون الجريمة الاقتصادية بأنها كل فعل أو امتناع يخالف، قواعد المنافسة وتحديد الأسعار. إلا أن هذا التعريف الذي يربط بين القانون الجزائي الاقتصادي وقانون المنافسة والأسعار راجع لما كان يعتمده بعض المشرعين، كالمشرعين الفرنسي لسنة 1945 والتونسي لسنة 1970 في تسمية القانون المتعلق بتنظيم المنافسة والأسعار بأنه القانون "المتعلق بزجر المخالفات في الميدان الاقتصادي"، إلا أن كلا المشرعين قد ألغيا هذا القانون (فرنسا سنة 1986 وتونس 1991) وعوضاه بقانون يحمل تسمية جديدة، وهي قانون المنافسة والأسعار، أي أن الحجة المستمدة من موقف المشرع سقطت، إذ إن المشرع نفسه قد رأى تجاوز القانون الجزائي الاقتصادي لميدان المنافسة والأسعار وهو ما دفع بالبعض إلى اعتماد معايير أخرى.

وتشير أبحاث إلى علاقة الفقر بالجريمة، إذ إن الجريمة الاقتصادية شغلت اهتمام العلماء والمفكرين والمصلحين الاجتماعيين ونسبوا إليها كثيراً من الأمراض والعلل الاجتماعية وفي مقدمتها ممارسة الجريمة وقد اعتقد بعضهم أن الأمراض الاقتصادية والاجتماعية في بعض البلدان المتطورة كأميركا مثلاً هي المسؤولة إلى حد كبير عن الجريمة وعن تزايد معدلاتها. وقد أسهم عدد كبير من علماء الاقتصاد وآخرون غيرهم، بمن فيهم علماء الاجتماع، بدراسات متعددة لتوضيح اثر العوامل الاقتصادية وعدم المساواة الاجتماعية في تشكيل العوامل الأساسية للانحراف والجريمة.

وفي إطار علاقة الفقر بالجريمة أكد "روبرت ودسن R. wodson» أنه حيث تكون معدلات الجريمة مرتفعة تكون البنية الاقتصادية ضعيفة، ويتمثل هذا الضعف في إهمال المشاريع الاقتصادية الحيوية ونمو البطالة وتزايد معدلات الخراب وتدمير الأشياء والممتلكات بسبب الافتقار إلى الخدمات العامة والدعم المالي، ويوضح راي جيفري Ray Jeffery أهمية العوامل الاقتصادية في الدافع إلى ارتكاب الجريمة بقوله "أن المدخل الأساسي للسيطرة على الجريمة ومحاولة منعها أو ضبطها له صلة قوية بما أصبح يعرف اليوم بالتحليل الاقتصادي للجريمة".

وتوضح بعض الدراسات التي أجريت في بلدان عربية أهمية العوامل الاقتصادية والاجتماعية ان الدافع إلى ارتكاب الجريمة فالدراسة تشير إلى أن التخلف الاجتماعي والاقتصادي والجهل وتدني المستوى التعليمي للسكان من أهم العوامل التي ساعدت على انتشار الجريمة.

وتبرز أهمية العوامل الاجتماعية والاقتصادية في الدافع إلى ارتكاب الجريمة من أن المنظمة العربية للدفاع الاجتماعي تولي أهمية خاصة للوقاية من الجريمة بقدر الأهمية التي توليها للجانب العلاجي، ويتمثل الجانب الوقائي عادة في توفير الظروف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الملائمة، التي تشجع الفرد على الإبداع والابتكار وتبعده عن الرذيلة والجريمة، وقد تزايد هذا الدليل لدى المنظمة بعد أن تبين لها أن المنطقة العربية أصبحت مركزاً عالمياً رئيسياً من مراكز الاستثمار والاقتصاد والمال، وهذا أدى بدوره إلى بروز أنواع جديدة من جرائم كالنصب والاحتيال، عن طريق المشروعات الوهمية وعن طريق تهريب العملة وعن طريق انحرافات بعض العاملين بالحكومة بالرشوة والاختلاس، تعاطي العملات والتلاعب بالتصدير والاستيراد..

وقد حاولت كثير من الدراسات التي أجريت في الآونة الأخيرة أن تبين أن الفقر هو السبب الأساسي في الجريمة وربما تكون الدراسات التي قام بها «وليام بونجر W.Bonger» من أهم الدراسات الحديثة التي تتبنى هذا الاتجاه. وقد حاول أن يثبت – عن طريق البحث والدراسة – أن الحالة العقلية للمجرمين ترجع إلى الانحطاط الاقتصادي من ناحية والى التفكك الطبقي من ناحية أخرى،غير أن الدراسات التي قام بها بونجر اقتصرت على المجتمعات الأوروبية فقط، ولذلك فإنه ليس من السهل تعميمها على مجتمعات أخرى تتمتع بخصائص اقتصادية واجتماعية مختلفة. وقد حاولت إحدى البحوث الحديثة أن تبين أن أغلب الجانحين وغيرهم من المنحرفين ينتمون إلى طبقة الفقراء والعمال غير المهرة.

الجرائم الاقتصادية ظاهرة عابرة للأنظمة
 
26-Jun-2008
 
العدد 32