العدد 32 - كتاب
 

يعتبر التحرش الجنسي أحد أشكال التمييز الجنسي، وبخاصة ضد المرأة، من المظاهر التي بدأت تنتشر، بشكل كبير في مجتمعنا، وبخاصة مع التغيرات التي طرأت على دور المرأة وازدياد مشاركتها في الحياة العامة، كالاقتصاد والتعليم وغيرهما من الأنشطة العامة وبالرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه للتحرش الجنسي يمكن القول إن هنالك أشكالاً متعددة من السلوكيات التي يقوم بها شخص ما تهدف الى إخضاع الطرف الثاني جنسياً أو الحصول على متعة جنسية.

إن أكثر أشكال التحرش خطورة هي تلك التي تتم في أماكن العمل والتعليم، لأنها تتم في إطار علاقات قوة/سلطة، مثل ربط التعيين في وظيفة أو الترقية أو إعطاء حقوق المرأة مقابل حصول الرجل على متعة جنسية ما من المرأة، وفي أغلب الأحيان يكون الرجل في موقع القوة مثل المدير، أو المسؤول، أو الأستاذ الجامعي، الذي يستطيع أن يستغل أو يستخدم سلطته للحصول على المتعة تحت تهديد وقف إعطاء المرأة حقوقها الوظيفية أو التعليمية.

وبالرغم من عدم وجود دراسات وبيانات حول هذه الظاهرة في الأردن، إلاّ أن هناك مؤشرات على ازدياد انتشار التحرش بشكل كبير في الأماكن العامة. ومن المعروف كذلك أن المؤسسات العامة لا تتهاون مع الذين يثبت عليهم التحرش بالنساء، ولكن هنا تكمن المشكلة، بأن التحرش يحدث، بشكل خاص، لذا فمن الصعوبة بمكان أن تستطيع المرأة إثبات التحرش، وفي هذه الحالة تصبح كلمتها ضد كلمته، وفي أغلب الحالات، فإن الثقافة الذكورية السائدة في المؤسسات العامة، والخاصة، عادة ما تتعاطف مع الرجل، وحتى عندما تشكل لجان للنظر بالموضوع، فإنها في أغلب الحالات تتعاطف مع الرجل وتضع اللوم على المرأة.

إن الآثار المترتبة على التحرش الجنسي على المرأة قد تكون مدمرة، ليس فقط على المستوى النفسي، بما تنطوي عليه هذه الممارسة من إهانة للمرأة، وإنما أيضاً على المستقبل التعليمي، والمهني لها، ومن ثم على مستقبلها برمته.

مما لا شك فيه، أن هذه الظاهرة ليست منتشرة فقط في الأردن، وإنما هي ظاهرة عالمية، لكن ما يفاقم الوضع بالأردن هو شيوع الثقافة الذكورية وتقبل هذا النوع من الممارسات، أو غض الطرف عنها، أو وضع اللوم على المرأة الضحية. ومن جانب آخر هنالك غياب القوانين والتشريعات التي تجرم هذا النوع من السلوك، وتضع التعليمات لتنفيذه.

إن المشكلة قد تكون أكثر انتشاراً في القطاع الخاص، وبخاصة في المؤسسات الصغيرة التي تلعب دوراً اضافياً في ثني المرأة عن العمل في هذه المؤسسات، لقد آن الأوان لأن تلتفت الحركة النسائية، والمؤسسات التشريعية الى هذه الظاهرة، وأن تضع على أجندتها بند التعامل مع هذه الظاهرة من خلال الدفع باتجاه تشريع يُجرم التحرش الجنسي، ومن خلال تطوير أخلاقيات للعمل والتدريس، أو وضع مدونات سلوك تنظم العلاقة بين الجنسين في المؤسسات العامة والخاصة من أجل إنصاف المرأة وإفساح المجال لها لممارسة حقوقها وتطلعاتها المشروعة، والعبء الأكبر في ذلك يقع على عاتق الحكومة.

موسى شتيوي: التحرش الجنسي بين الثقافة الذكورية والقانون
 
26-Jun-2008
 
العدد 32