العدد 32 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري كانت في السادسة من عمرها عندما اعتدى والدها عليها أول مرة. الطفلة الآن في التاسعة من عمرها، وما زال الأب يعتدي عليها. لكن الأم، لسبب ما، أحضرت طفلتها أخيرا إلى الطب الشرعي لعلّ أحدهم يخبرها بما تستطيع أن تفعل بابنتها وبنفسها شريطة عدم التعرض للأب. هذه القصة المستلة من ملفات الطب الشرعي الحديثة جدا، تحمل من المفارقات ما يختزل ويلخص واقع حالات الاغتصاب أو الاعتداء الجنسي بشكل عام. المفارقة الأولى: أن الاعتقاد السائد هو أن الانتهاك الجنسي يأتي من الغرباء، لذا نبدأ في تربية الأولاد، والبنات في صورة خاصة، منذ الصغر على ألا يتحدثوا إلى غرباء، وعلى ضرورة أن تحافظ البنت تحديدا، على نفسها فتحتشم في لبسها وسلوكها ولا تخرج على الضيوف من أصدقاء أبيها أو أخوتها. لكن "معظم" حالات الاعتداءات الجنسية والاغتصاب منها تقع من الداخل؛ من الأسرة الصغيرة، أو الممتدة أو على الأقل، من البيئة المعروفة لدى الضحية مثل الحارة والشارع والبقالة. كلمة "معظم" ليست مستخدمة جزافا هنا، فليس ثمة إحصاءات في الأردن توثق لمثل هذه الحالات، بالرغم من أن الإحصاءات العالمية تشير إلى أن الجاني في ثلثي حالات الاغتصاب يكون معروفا للضحية. هذا ما تقوله أرقام وزارة العدل الأميركية ومكتب التحقيق الفدرالي لعدد من السنوات. أما في الأردن، فالأرقام الوحيدة المتوافرة هي تلك المشار إليها في تقارير الأمن العام السنوية. في العام 2006 سجلت 87 حالة اغتصاب، مقارنة بنحو 121 حالة سجلت في 2003، فيما سجلت 629 حالة هتك عرض في 2006 مقابل 705 حالات سجلت في 2005. إلا أن هذه الأرقام لا تعكس أنماط الاغتصاب أو الهتك من حيث مدى قرابة الجاني من الضحية. إنعام العشا، مديرة الأنشطة والبرامج في المعهد الدولي لتضامن النساء تقول: «لا نستطيع أن نعطي أرقاماً عن هذا الموضوع، لأن كل مؤسسة من مؤسسات المجتمع المدني تتعامل مع حالات منفردة، فأي رقم نقدمه سيكون مضللا ولن يعكس الواقع بأمانة.» وتقترح العشا أن يصار إلى وضع قاعدة بيانات بكل الحالات التي تتولاها المراكز المعنية، بالإضافة إلى وحدة حماية الأسرة في الأمن العام. سبب آخر يحول دون وضع تصور رقمي لحالات الاغتصاب وهتك العرض في الأردن في إطارها الاجتماعي، وليس الجرمي، يتعلق بالمحاذير الاجتماعية و«التابوهات» التي تتعلق بالجنس في المجتمع، وعدم رغبة الضحية نفسها في «فضح» نفسها والتسبب بالتالي في «خراب بيتها». تتحدث العشا عن حالة تتناولها حالياً : «اكتشفنا أن طفلة في الصف التاسع في مدرسة في أطراف عمّان، تتعرض للاعتداء من قبل أخيها.» العشا وفريقها حاولوا التأكد من الطفلة بالواقعة كي يحصلوا على غطاء قانوني للتدخل، إلا أن الفتاة «التزمت الصمت فلا هي أكدت ولا نفت.» هذا الصمت ما يزال يشكل حافزا لدى العشا لمتابعة الأمر وعدم السكوت عنه، وإن كانت تقر بالمحاذير الكبيرة التي تواجهها إن اختارت التدخل وتحويل الأمر للشرطة أو الطب الشرعي. في الإطار نفسه تقول الطبيبة الشرعية إسراء طوالبة إن «الحالات التي تصلنا ويكون الجاني فيها من العائلة قليلة جدا مقارنة بالحالات التي يكون الغاصب فيها غريبا.» وتعلل من خلال مشاهداتها بأن حالات الاعتداء أو الاغتصاب من داخل الأسرة لا تصل إلا بعد أن وقوع خلاف حاد في الأسرة، «فتسعى عندها الأم إلى الانتقام من الأب مثلا، بأن تفضح ما كان يفعله ببناته أو أولاده، أو تسعى البنت مثلا إلى النجاة بنفسها بعد أن تتفكك الأسرة.» وتروي أن مراهقة عمرها 17 سنة جاءتها وقد اعتاد عمها اغتصابها منذ كان عمرها 11 عاما. وعندما سألت طوالبة «لماذا سكتّ طوال هذه الفترة؟» ردت الفتاة بأن والديها انفصلا الآن وأنها «لم تكن ترغب في خراب بيتها». تتطرق طوالبة الى الأم التي علمت بانتهاك زوجها لابنته طوال 3 سنوات، بأنها فقط تريد أن تعرف كيف تتصرف من الآن فصاعدا من دون أن تفضح الأب من خلال مخافر الشرطة. تشرح طوالبة «وجهة نظر الأم هي أن الأب هو المعيل للعائلة، فإن فضح أمره أو سجن فمن يعيل الأسرة؟ وماذا ستفعل ببناتها الثلاث اللواتي سيوصمن بالعار طوال حياتهن وسيظل يُشار إليهن بأنهن من اغتصب أباهن طفولتهن.» وتزيد طوالبة، من خلال مشاهداتها، أن الضحية في معظم الأحيان تكون غير مدركة للخطأ الذي وقع، وبخاصة إذا بدأ الاعتداء عليها في سن صغيرة. تقول: «هؤلاء فتيات يعتقدن أن الأمر عادي إلى أن يكبرن عندها يكون الهم الوحيد هو اتقاء الشر، وليس فضح الجاني.» وفي هذا الإطار تروي طوالبة أن فتاة عمرها 21 عاما اعتاد عمها اغتصابها منذ كان عمرها 11 عاما. وتقول «عندما كبرت الفتاة أدركت أن هناك غشاء اسمه البكارة يحدد ما إذا كانت الفتاة عذراء، وهي الآن في سن الزواج، وتريد أن تطمئن على نفسها.» لكن الفتاة لم ترغب في التبليغ عن عمها تجنبا «للفضيحة» وذهبت من غير رجعة. محامي الجنايات زياد النجداوي يستذكر واقعة يعتبرها غريبة، كانت الضحية فيها طفلة لم تتم الخامسة عشرة. الطفلة تعرضت لاعتداء من قبل والدها، ولم يكشف أمرها للقضاء إلا عندما ذهبت إلى المستشفى لإنجاب طفل تبين أن والدها هو الأب البيولوجي له. يقول النجداوي إن الفتاة وأمها أسقطتا حقهما في القضية، لكي يخلصا الأب من عقوبة الإعدام، إلا أن المحكمة و»لفظاعة الجريمة» قضت بسجنه 15 عاما. لهذه النماذج دلالتان: الأولى: صعوبة توثيق حالات الاغتصاب والهتك وضبط الجناة. والثانية: السكوت عن المحظور، فتظل الضحية في خطر ويظل الجاني مطمئنا لمواصلة سلوكه. فإن اختارت الضحية البوح صارت ضحية مرتين: الأولى بالانتهاك، والثانية بالوصمة الاجتماعية. ومن المفارقات أنها قد تكون ضحية للمرة الثالثة من خلال ما صار يعرف بجرائم الشرف. الصحفية رنا الحسيني، التي تابعت العديد من القضايا تروي لـ«ے»: «في إحدى الحالات كان أخ يعتدي على أخته بأن يضع لها منوما في الشاي، وكان يهددها بالقتل إذا أخبرت أهلها. فعندما حملت منه حاول قتلها بقطع رسغها، لكنها لم تمت. وعندما كبر بطنها حاول أهلها التخلص من الموضوع بتزويجها لرجل كبير فطلقها بعد 6 أشهر، فما كان من أخيها الآخر إلا أن قتلها بداعي الحفاظ على الشرف.» وتتوقف الحسيني عند أحكام السجن التي تلقاها الإخوان. «الأول حُبس 13.5 سنة بتهمة الاغتصاب ومحاولة القتل، والثاني سجن 7 أعوام ونصف العام.» وفي حادثة أخرى تروي الحسيني أن فتاة عمرها 18 سنة كانت تتعرض للاغتصاب من قبل زوج أختها، «فلما شعرت أن أهلها قد يقتلونها سلمت نفسها للشرطة، وعندما أخرجها أبوها بتعهد عدم إيذائها، كان أخوها بانتظارها في المنزل ليقتلها رميا بالرصاص.» الغاصب فرّ ولم يُعرف له طريق، والقاتل حُكم بالسجن 6 أشهر، وهو حكم القتل في جرائم الشرف. من العوامل التي تزيد من صعوبة توثيق حالات الاغتصاب توثيقا دقيقا، أو قد تفضي في كثير من الحالات إلى تهرب الجاني من العقوبات المشددة في هذه القضايا، ما يتعلق بتعريف الاغتصاب قانونيا. محامي الجنايات زياد النجداوي يشرح أن الاغتصاب قانونيا لا يتحقق إلا إذا توافرت الشروط التالية: أن يقع من ذكر على أنثى (غير زوجته)، أن يكون مقرونا بالإكراه والتهديد والحيلة والخداع، أن يكون مقرونا بفض غشاء البكارة. الشرط الأخير، كان طوق نجاة لأحد المتهمين، كما تشير محاضر المحاكم الأردنية. ففي العام 2006 نجا طالب جامعي من عقوبة الإعدام، واكتفت المحكمة بإصدار حكم عليه بالسجن 15 سنة في قضية اعتداء على طفلة لم تتجاوز عامين ونصف العام، وكان داعي النجاة أن الجاني فض بكارة الطفلة بإبهامه، فاعتبرت القضية قضية هتك عرض مقرون بفض البكارة، فلم تصنف قضية على أنها اغتصاب! **
براءة ودناءة وخِشية من إفلات الجاني
محمد شما
في ساعات الصباح الأولى من يوم 17-5-2008، خرجت الطفلة صبحية 4 سنوات، من منزلها في سحاب، فالتقطها شاب في الخامسة والعشرين من عمره وذهب بها إلى موقع "دار البيطرة" بالقويسمة، وهي بناية شبه مهجورة، وأغراها بوعد بإعطائها نصف دينار. عماد إسماعيل، والد لسبع بنات من بينهن صبحية، يقول إنه في ذلك اليوم: "أخي اتصل بي في العمل وقال إن إحدى بناتك السبع مفقودة، هي صبحيه، على الفور اتصلت بزوجتي التي كانت آنذاك برفقة والدها في المستشفى، طلبت منها على الفور المغادرة والذهاب إلى المنزل بحثا عنها". هنا، بدأت ملك والدة صبحيه عملية البحث عن صبحيه داخل المنزل المكون من غرفتين، فلم تجدها حتى بعد أن جابت أرجاء الحي: " قال لي زوجي أن أتحرك على الفور إلى مركز أمن القويسمة، وهناك وجدت صبحيه. كانت ثيابها مغبرة وملطخة بالدماء، وفي حالة يرثى لها، فقد كانت غائبة عن الوعي. رفضت استلامها، وقدمت شكوى للوقوف على ما حدث معها". نقلت صبحية إلى مستشفى البشير، حيث خضعت لعملية جراحية لإيقاف نزيفها وتقطيب جراحها التي خلفها ذلك الشاب الذي عرف في ما بعد أنه من أهل حيها. "وضع إبرة في لحمي، وأعطاني نصف دينار." تقول صبحية ببراءة، غير مدركة لما حدث لها. وتضيف "استردها مني. بعد ذلك هربت من قبضته، ونقلت إلى المستشفى". تنص المادة 298 على أن "كل من هتك بغير عنف أو تهديد عرض ولد - ذكراً كان أو أنثى - لم يتم الخامسة عشرة من عمره، أو حمله على ارتكاب فعل هتك العرض، يعاقب بالأشغال الشاقة المؤقتة. ولا تنقص العقوبة عن خمس سنوات إذا كان الولد - ذكراً كان أو أنثى - لم يتم الثانية عشرة من عمره". "بدي ياه يكون محبوس بالسجن"، تقول الطفلة صبحية في حديثها عن الجاني. لكن عائلة صبحية التي تنتظر الإجراءات القضائية ليعاقب الجاني على فعلته، تطالب بضرورة أن يلقى الجاني العقوبة القصوى، "الإعدام ليكون عبرة لكل يعتدي على الأطفال" على ما تقوله والدة صبحية. لكن العقوبة تبقى أسيرة ظروف الحادث، وهنا لا تبدي الدكتورة منال التهتموني الناشطة الاجتماعية من معهد العناية بالأسرة في مركز نور الحسين أي تفاؤل من القوانين، وهي فضفاضة بحيث يفلت منها مجرم مثل مغتصب صبحية. |
|
|||||||||||||