العدد 5 - ثقافي
 

هوليود،، لمن لا يعرف عنها الكثير، هي عاصمة صناعة السينما في أميركا الشمالية، وصناعة السينما في هوليود هي الأقدم والأقوى والأكثر انتشاراً وهيمنة في العالم منذ بداية تاريخ السينما وحتى حاضره، أما بوليود فهي عاصمة صناعة السينما في الهند، الصناعة الأقوى والأقدم في قارة آسيا، وقد سميت بوليود بهذا الاسم في محاولة طموحة لا تتسم بالتواضع لتوأمتها مع هوليود أو للتدليل على مدى ضخامتها وتأثيرها، على الأقل في قارة آسيا وبعض الدول العربية التي كان يتوافر فيها جمهور غفير من محبي الأغاني والرقصات الهندية، وكذلك بعض الدول الأوروبية التي توجد فيها جاليات هندية. تنتج هوليود ما بين خمسمئة إلى ستمئة فيلم سينمائي روائي طويل في العام الواحد، إضافة إلى أعداد لا تحصى من أفلام روائية قصيرة وأفلام تسجيلية طويلة أو قصيرة وأفلام رسوم متحركة وأفلام تلفزيونية، وتنتج بوليود تقريباً العدد نفسه، أو ربما أكثر، من الأفلام الروائية الطويلة، إضافة إلى الأفلام من بقية الأنواع الأخرى. وترتبط بصناعة هذه الأفلام في هوليود وبوليود صناعات رديفة تتعلق بموسيقى وأغاني الأفلام وملابس عليها صور النجوم وألعاب للأطفال وبرامج فيديو وعطور ومستحضرات تجميل وأشياء كثيرة أخرى لا مجال لذكرها هنا.

فماذا عن عمّان؟ عمان أيضاً تطمح لإضافة الأحرف الثلاثة، الياء والواو والدال، إلى اسمها، تمهيداً لقيام صناعة سينمائية فيها، تجعل منها عاصمة للسينما في منطقة الشرق الأوسط، على الأقل، وهي بدأت تخطو خطواتها الأولى، نحو هذا الهدف، وثمة مؤشرات كثيرة ومتنوعة تدل على هذا الأمر، أولها صدور القانون الخاص بتأسيس الهيئة الملكية للأفلام، قبل نحو خمس سنوات، وهو القانون الطموح إلى أبعد حد و الذي تضمن أهدافاً تتعلق بإنشاء صناعات بصرية سمعية وإلكترونية خاصة بمختلف الوسائط السمعية البصرية من أفلام وأشرطة مدمجة وشرائط موسيقية وغير ذلك من مستلزمات هي من استحقاقات الحصول على لقب صناعة سينمائية.

وهكذا، ومنذ تأسيس الهيئة، بتنا نسمع كثيراً عن وجود أفلام سينمائية أردنية، وإن تكن قصيرة، ومنتجة بتقنيات الفيديو غير السينمائية،وهي أفلام روجت لها الهيئة في البداية، عبر برنامج تلفزيوني بثه التلفزيون الأردني، وعرضت الأفلام فيه، وجرى فيه التعريف بصانعي هذه الأفلام وجلهم، أو كلهم، من جيل الشباب الهواة مبتدئي الخبرة، وقد أطلق معدو البرنامج عليه عنوان ”مش سحب أفلام” وهو عنوان، على الرغم من عاميته التي يشوبها بعض الابتذال، يسعى للتأكيد على أنه سيعرض فعلاً أفلاماً أردنية. تلا ذلك خطوة ثانية للترويج لهذه الأفلام وكذلك الجهة الرسمية الداعمة لإنتاجها (مع ملاحظة أن الدعم كان يقتصر على إعارة كاميرا رقمية لمن لا يمتلكها أو السماح باستخدام شاشة الكمبيوتر لعمل المونتاج الإلكتروني لمن لا يمتلك كمبيوتر)، وتمثلت هذه الخطوة أولاً بعرض هذه الأفلام في المدارس والأندية في المحافظات والمدن الأردنية، وثانياً في مرحلة لاحقة، بتنسيق عرض هذه الأفلام ضمن المهرجانات السينمائية التي تقيمها الدول الأوروبية، مجتمعة أو منفردة، في ربوع عاصمة الأردن.

بعد أن صارت هذه الأفلام حقيقة واقعة، وبغرض زيادة أعدادها سنوياً وإدغام المزيد من أعداد الشباب الطامح في سيرورة إنتاجها، تبين للمعنيين أن ثمة ضرورة لتأهيل الراغبين في إنتاج الأفلام من الأردنيين عن طريق إقامة ورشات لتعليم كتابة السيناريو والإنتاج والمونتاج وغيرها، و هي ورشات استقدم للإشراف عليها خبراء من أميركا كانوا يقومون بتعليم تلاميذهم خلال أيام، تعليمهم كيف يكتبون السيناريو، وكيف يستخدمون برامج المونتاج، وكيف ينتجون، وذلك كله تمهيداً لافتتاح معهد دولي للسينما جرى الإعلان عن أنه سيقام في مدينة العقبة. (في انتظار تأسيس هذا المعهد، هب الغربيون للمساعدة في تهيئة المناخ والأسس لتهيئة جيل شاب يستطيع القـــيام بمــهمة إنجاح صناعة سينمائية أردنية، فأعــلنت أكثر من دولة غربية، مثل: اســـتراليا والدانمارك، كل على حدة، عن تأســـيس معهد لتدريس السينما في عمان).

ساهم الغزو الأميركي للعراق في تحقيق هدف ثانٍ من مستلزمات خلق مناخ سينمائي في الأردن، وهو جلب الاستثمارات السينمائية الأجنبية لتصوير الأفلام الطويلة في الأردن. في الأصل فإن الترويج للأردن سينمائياً يعتمد على ما يتوافر في الأردن من مناطق وبيئات ومعالم تاريخية تستهوي صانعي الأفلام، وبالفعل فقد حصل هذا الأمر سابقاً، إذ أقدم المخرج دافيد لين قبل أكثر من أربعين عاماً على تصوير بعض أحداث فيلمه” لورنس العرب” في مناطق العقبة ووادي رم، كما أقدم المخرج الأميركي سبيلبرغ على تصوير بعض مشاهد من أحد أفلام سلسلة” تابوت العهد الضائع” في منطقة البتراء، لكن معظم الأفلام السينمائية الأجنبية التي جرى تصويرها في الأردن في السنوات الأخيرة، أو كلها حسبما نعلم، وهي أفلام تحدثت عن الجوانب المختلفة للغزو الأميركي للعــراق، ما كانت معنية بالبيـــئة الأردنية إلا بقدر ما أنها يمكن أن تكون شبيهة بالبيئة العراقية (كمثال، أذكر أنه يوجد قرب منزلي في شمال عمان مصنع قديم مهجور، نوافذه مهشمة، وهو محاط بسور شبه متهدم مرصع بالأسلاك الشائكة وقطع الزجاح المكسور، وأمامه قطعة أرض ترابية مليئة بالحجارة ومختلف أنواع الخردة، وهذا المكان الخراب ظل على مدى أسبوع تقريباً مسرحاً لتصـــوير فيلم أميركي له علاقة بالحرب على العراق، فـــهو مكان طبيعي جاهز لمثل هذا الفـــيلم)، وهذا يعـــني أن إنــــتاج هذه الأفلام في ربوع الأردن هو عملية يمكن أن نطبق عليها المثل الـــقائل” مـــصائب قوم عند قوم فوائد”. على كل حال، وبغض النظر عن الدوافع، فإن تصوير هذه الأفلام في الأردن يمهد لتصوير أفلام أجنبية أخرى قد تستفيد من البيئة الطبيعية في الأردن، وهي ستفيد بالتأكيد في بناء خبرات أردنية في مجال مختلف فروع إنتاج الأفلام، تضاف إلى خبرات لا يستهان بها تشكلت عند الفنيين والتقنيين والمخرجين الأردنيين والتي اكتسبوها من ممارستهم وعملهم في صناعة المسلسلات التلفزيونية،وهي صناعة تطورت بشكل ملحوظ في الأردن، وبخاصة مع الإنتاج المتزايد للمسلسلات التاريخية والملحمية من قبل شركات القطاع الخاص الأردنية والتي تحقق في العديد منها مستوى رفيع من الجودة الفنية والتقنية، هذا مع العلم بأن عدداً لا بأس به من المخرجين والفنيين الأردنيين هم من أصحاب التخصص الأكاديميين الذين درسوا السينما، وتخرجوا من معاهد سينمائية وجامــــعات عربية وأجنبية، وهم على الرغم من نجاحهم في مجال الدراما التلفزيونية، وهو نجاح أوصل بعضهم لتحقيق المســـلسلات، في سابقة أولى من نوعها، لصالح دول عربية عريقة في إنتاجها، مثل: مصر وســـورية، إلا أن حلمهم وطموحهم الحقيــــقي كان وما يزال هو أن يحصلوا على فرصة لإنتاج أفلام سينمائية أردنية، وهي فرصة لم تتحقق، بطبيعة الحال، حتى الآن (آخر فيلم سينمائي أردني صوـــر بتقـــنيات سينمائية وليس بتقنيات الفيديـــو كان فيلم” حكاية شرقية” الذي عمل فيه مجاناً الفنيون والتقنيون والممثلون جميعهــــم رغبة الذين شاركوا فيه منهم في دعم التجـــربة، وكان ذلك في عام 1992.

هذه الملاحظات لا تنفي وجود خبر سار يؤشر على بداية حركة أو مرحلة سينمائية (الأصح استخدام تعبير فيديو سينمائية)، جديدة في الأردن، والخبر هو تمكن المخرج الأردني الشاب أمين مطالقة، الذي درس الســينما في أميركا، وسبق له قبل ذلك وأثناء دراسته أيضاً أن أخرج مجموعة من الأفلام القصيرة، من إنجاز فيلمه الروائي الطويل الأول المعنون” الكابتن أبو رائد”، الذي قام بتصويره في الأردن هذا العام(2007)، وجرى دعمه ومساعدته، ومن ضمن ذلك مساعدته في الحصول على التمويل للفيلم، أو بعض التمويل، بواسطة الهيئة الملكية للأفلام.

ثمة تعبير يستخدم في عالم صناعة السينما هو “الفيلم الذي ينتج فيلماً”. والمقصود بهذا التعبير أن الفيلم الناجح يشجع على إنتاج فيلم جديد. ونحن نأمل أن يكون فيلم” الكابتن أبو رائد” والذي لم تتح فرصة مشاهدته بعد، من نوع الفيلم الذي ينتج فيلماً.

ملاحظة لا بد منها: من ضمن الحراك السينمائي في الأردن الذي نشأ في السنوات الأخيرة، تجدر الإشارة إلى تعاونية عمان للأفلام التي تأسست قبل عدة أعوام بجهود فردية، وأقامت الورشات التدريبية، وكانت السباقة في إنتاج عدد من الأفلام القصيرة، التي شاركت بها في المهرجانات السينمائية الدولية، وكذلك الهيئة الخاصة الأحدث التي تعمل تحت شعار ”أفلام بلا ميزانية” وتهدف لتشجيع الأردنيين على إنتاج أفلام سينمائية.

أخيراً: نعود إلى ما بدأنا به، وهو التساؤل حول إمكانية أن تصبح عمان عاصمة سينمائية تحت مسمى” عمانيود”.

طموح لصناعة سينما أردنية: من هوليود إلى بوليود إلى عمان – عدنان مدانات
 
06-Dec-2007
 
العدد 5