العدد 32 - أردني
 

حسين أبورمّان

18 عاماً مضت منذ بداية مرحلة الانفراج السياسي العام 1989، وحتى تشكيل حكومة نادر الذهبي، تعاقب خلالها 11 رئيساً للوزراء، شكلوا ما مجموعه 16 حكومة. لا فرق مهماً إذاً في متوسط عمر الحكومات خلال هذه الحقبة مقارنة مع الحقب السابقة.

ركائز التنمية السياسية تتمثل أساساً في تشريعات الديمقراطيةK وفي طليعتها تلك التي طالها تعديل أو تغيير، مثل قوانين: الانتخاب، والأحزاب، والمطبوعات، والاجتماعات العامة. تتبع مسار الإصلاح السياسي، يكشف أن السنوات 1989– 1993 كانت بمثابة العهد الذهبي لمرحلة التحول الديمقراطي، وفرسان هذه المرحلة، هم: زيد بن شاكر، مضر بدران، وطاهر المصري.

أما المرحلة اللاحقة، فقد اتسمت بالتراجع والنكوص عما تحقق، وأبطالها رؤساء وزارات طال بهم المقام في الدوار الرابع أكثر من غيرهم، وهم: عبد السلام المجالي، علي أبو الراغب، ومعروف البخيت.

حكومة المجالي فرضت نظام الصوت الواحد العام1993بقانون مؤقت، ووضعت قانوناً للمطبوعات والنشر.يعتبر الأكثر تقييداً للحريات. حكومة أبو الراغب غيّبت البرلمان لما يزيد على سنة ونصف السنة، وأصدرت ترسانة من القوانين المؤقتة، وحين عدلت قانون الانتخاب، عمقت جوانبه السلبية. فيما عادت حكومة معروف البخيت بالبلديات للانتخاب الكامل لمجالسها البلدية وأقرت كوتا للنساء بما لا يقل عن 20 بالمئة، لكنها فرضت" الصوت الواحد" في انتخاباتها، وأشرفت على أقل انتخابات بلدية ونيابية نزاهة منذ العام 1989. أما الحكومات الأخرى، لا سيما حكومة فيصل الفايز، فكانت أمامها فرصة لإنجاز إصلاح سياسي، لكنها لم تفعل.

عودة الحياة البرلمانية العام 1989، ترافقت مع أجواء إيجابية. فقد أشرفت حكومة انتقالية برئاسة زيد بن شاكر على إجراء انتخابات اتسمت بدرجة عالية من النزاهة، وعلى أساس نظام يسمح للناخب باختيار عدد من المرشحين يساوي أو يقل عن عدد المقاعد المخصصة لدائرته. هذا النظام الذي ترافق مع وجود دوائر كبيرة (محافظات ودوائر العاصمة)،أفرز بنية نيابية تعددية، ونواباً ذوي رؤى وتوجهات سياسية، ما أعطى مجلس النواب الحادي عشر نكهة سياسية غير مسبوقة و..غير متبوعة.

على مشارف انتخابات العام 1993، وقعت نكسة حقيقية لمسار التحول الديمقراطي في عهد حكومة عبد السلام المجالي باعتماد قانون الصوت الواحد. القانون الانتخابي ا، جاء لعدة أسباب ربما أهمها الخشية من تشكل عقبة أمام توصل الأردن لمعاهدة سلام مع إسرائيل.

أبرم الأردن اتفاقية وادي عربة للسلام مع إسرائيل في تشرين الأول/أكتوبر 1994. مجلس النواب الأردني أقر الاتفاقية بأغلبية 55 صوتاً من أصل 80 نائباً هم أعضاء المجلس.

المحطة اللاحقة ذات الصلة بقانون الانتخاب، شهدت انتكاستين؛ الأولى تأجيل الانتخابات النيابية لأكثر من سنة ونصف السنة بين الموعد الاعتيادي في تشرين الثاني/نوفمبر من سنة إجراء الانتخابات (2001)، إلى 17 حزيران/يونيو 2003.

الانتكاسة الثانية تمثلت في سن قانون انتخاب جديد مؤقت) القانون رقم 34 سنة 2001، الذي "مزّق" ما تبقى من دوائر كبيرة إلى دوائر أصغر،تكاد تكون فصّلت على مقاس عشائر أو عائلات بعينها. هذا أضعف من الأثر الإيجابي لتبسيط إجراءات الاقتراع واستخدام البطاقة الشخصية كبطاقة انتخاب، وتخصيص كوتا نسائية من ستة مقاعد.

حكومات لاحقة، لا سيما حكومات فيصل الفايز ومعروف البخيت، وعدت بتنمية سياسية و"قانون انتخاب ديمقراطي"، وأنشأت لذلك حكومة الفايز وزارة للتنمية السياسية، لكن هذه الحكومات استهلكت ولايتها دون فعل، وحينما بقي لحكومة البخيت أن تشرف على انتخابات المجلس الخامس عشر قبل رحيلها، أجرت انتخابات مشوبة بعدم النزاهة واستخدام "المال السياسي"، وشراء الأصوات، وأفرزت أضعف مجلس منذ العام 1989 من حيث نفوذ المعارضة المنظمة التي اقتصرت على ستة نواب لجبهة العمل الإسلامي.

قانون الأحزاب السياسية

واحد من أهم معالم الإنفراج الديمقراطي إثر عودة الحياة البرلمانية، هو صدور قانوني الأحزاب السياسية، والمطبوعات والنشر، انسجاماً مع توجه الميثاق الوطني.

صدر أول قانون للأحزاب في الأردن العام 1955 لكنه دخل طور التجميد مع حل الأحزاب السياسية العام 1957، باستثناء جماعة الأخوان المسلمين. بقي الوضع على هذا الحال إلى أن سُمح للأحزاب "السرية" القائمة أن تشترك في انتخابات 1989، ثم صدر قانون أحزاب رقم 32 لسنة 1992، في عهد حكومة الشريف زيد بن شاكر، بالاستناد إلى مسودة وضعتها حكومة سلفه طاهر المصري.

رخصت بموجب القانون المشار إليه خلال الفترة من 1992 إلى أواخر العام 2007، ما مجموعه 45 حزباً سياسياً، استقر عددها بسبب عمليات اندماج بين عدد منها على 35 حزباً.

كثرة الأحزاب السياسية لم يكن مؤشراً إيجابياً، فما عدا جبهة العمل الإسلامي الذراع السياسي لجماعة الأخوان المسلمين، فإن الأحزاب الأخرى إما صورية أو محدودة التأثير، ولم يصل ممثل لأي منها إلى برلمان 2007

المنظور الرسمي للأحزاب، يضعها على هامش الحياة السياسية وليس أداتها المحركة. قاد ذلك التفكير الحكومي نحو تعديل قانون الأحزاب بغية تقليص عددها، بدعوى توفير أرضية لنشوء عدد محدود من أحزاب فاعلة. لذلك قامت حكومة البخيت بإعداد مشروع قانون جديد للأحزاب، استهدف رفع عدد الأعضاء المؤسسين من 50 عضواً في قانون 1992، إلى 250 عضواً على أن يكونوا من خمس محافظات على الأقل، بنسبة لا تقل عن 10 بالمئة لكل محافظة، لكن مجلس النواب السابق رفع العدد إلى 500 مؤسس.

ألزم قانون الأحزاب الجديد رقم 19 لسنة 2007 الأحزاب القائمة بتصويب أوضاعها ضمن مهلة عام، وهو ما أدى إلى هبوط عدد الأحزاب إلى 14 حزباً، من ضمنها حزبان جديدان.

التطور الرئيسي الذي جاء في القانون الجديد هو أنه نص على تمويل الأحزاب من خزينة الدولة، وعلى حق الأحزاب في استخدام وسائل الإعلام للتعريف ببرامجها، لكن هذا لم يفعّل في عهد الحكومة التي أعدّت القانون، وأقر في عهدها.

المطبوعات والنشر

تعرض قانون المطبوعات أكثر من غيره من قوانين البناء الديمقراطي للتغيير والتعديل. ففي الفترة من العام 1993، سنة صدور قانون المطبوعات الليبرالي رقم 10 لسنة 1993، والذي صدر في عهد حكومة الشريف زيد بن شاكر، وحتى عام 2007، صدرت ثلاثة قوانين مطبوعات، وخضع الأخير منها إلى ثلاثة تعديلات.

شهدت الصحافة الأردنية محطة قاسية العام 1997، بصدور قانون المطبوعات المؤقت رقم 27 لسنة 1997، المعدٍّل لقانون 1993، في عهد حكومة عبد السلام المجالي. فقد توسع القانون المؤقت في المحظورات، وغلّظ العقوبات، ونص على زيادة كبيرة في رأسمال الصحف اليومية والأسبوعية، وتوقفت بنتيجة ذلك 13 أسبوعية عن الصدور دفعة واحدة. كما عطل القانون المؤقت ما نص عليه قانون 1993 من تخفيض لحصة الصناديق الرسمية في رأسمال الصحف إلى ما لا يتجاوز 30 بالمئة.

لكن محكمة العدل العليا، قررت، حين النظر بدعوى الصحف الأسبوعية المتضررة، وقف العمل بالقانون المعدٍّل من منطلق عدم دستوريته، بقرار عدل 226/97.

لجأت عندئذ حكومة المجالي الثانية وهي الحكومة نفسها التي أصدرت القانون المؤقت، إلى تقديم قانون جديد للبرلمان يتضمن كل مثالب القانون الذي قضت المحكمة وقف العمل به. صدر القانون الجديد يحمل الرقم 8 لسنة 1998، ودخل حيز التطبيق في عهد حكومة فايز الطراونة التي وعدت أمام ضغط الرأي العام لشدة قسوته أن تكون مرنة في تطبيقه، وهو موقف سياسي يعتمد الأهواء ولا سند تشريعياً له.

المطالبات بتعديل القانون، تواصلت في عهد حكومة عبد الرؤوف الروابدة، فأمر الملك بتعديل القانون في لقاء مع الصحفيين، فأعدت الحكومة مشروع قانون معدٍّل رقم 30 لسنة 1999، لتخليص القانون من أكثر مواده المقيدة لحرية التعبير. وتمثلت أبرز التعديلات بإلغاء مادة المحظورات الشهيرة المكونة من 14 بنداً، منها المس بالقضاء، تحقير الديانات والمذاهب، الإساءة للوحدة الوطنية، إهانة رؤساء الدول والبعثات الدبلوماسية، والتحريض على الإضرابات والاعتصامات.

وفي عهد حكومة أبو الراغب، اقتصرت تعديلات قانون المطبوعات عام 2003، على تعديل مادة واحدة استهدفت تحسين إجراءات التقاضي في قضايا المطبوعات.

أما في عهد حكومة البخيت، فقد أجريت تعديلات على قانون 1998، بددت فرصة إجراء نقلة نوعية في وضع حرية الصحافة والإعلام وإعادة هيكلة هذا القطاع. هذا برغم أن هذه التعديلات والتي جاءت في القانون المعدٍّل رقم 27 لسنة 2007، أدخلت تحسينات على بيئة حريات التعبير والصحافة، إلا أنها افضت إلى تغليظ العقوبات، والتي زاد بعضها 30 ضعفاً، إضافة إلى استحداث عقوبات مالية جديدة تصل إلى 20 ألف دينار.

الاجتماعات العامة

يعد الحق في الاجتماع من الحقوق الدستورية الأساسية للمواطنين. المادة 16 من الدستور التي نصّت في فقرتها الأولى على أن "للأردنيين حق الاجتماع ضمن حدود القانون" هي نفسها أكّدت في فقرتها الثانية، حق الأردنيين في تأليف الجمعيات والأحزاب السياسية، ما يؤكد الصلة الوثيقة بين الفقرتين.

كان هناك قانون اجتماعات قديم صدر العام 1953، يفي بغرض تنظيم عملية الترخيص للاجتماعات العامة، وكان قانوناً ديمقراطياً، يكتفي بشرط إعطاء إشعار قبل 48 ساعة" من أجل عقد اجتماع.

لكن حكومة أبو الراغب لم تتردد في إصدار قانون جديد مؤقت للاجتماعات ضمن ما يزيد على 211 قانوناً مؤقتاً أصدرتها في فترة حل البرلمان 2003/2001. القانون المؤقت أقر كقانون دائم في مجلس الأمة السابق في عهد حكومة فيصل الفايز، محتفظاً باشتراطات القانون المؤقت؛ «الحصول على موافقة خطية مسبقة» من الحاكم الإداري لعقد اجتماع عام أو تنظيم مسيرة.

وفي خطاب ألقاه في الذكرى الثانية والستين للاستقلال، في ايار/مايو الماضي، أشار الملك عبد الله الثاني إلى أنه طلب من الحكومة إنجاز حزمة من التشريعات من بينها تعديل قانون الاجتماعات لتيسير عقد الاجتماعات العامة. الحكومة استجابت بـ «سلق» تعديلات شكلية على القانون ودفعت بها إلى مجلس الأمة، إذ إن هذه التعديلات لا تطال جوهر الإشكالية التي تطالب منظمات المجتمع المدني بمعالجتها، وهي إلغاء الموافقة الخطية المسبقة كشرط لعقد اجتماع أو تنظيم مسيرة.

الأداء الحكومي منذ عام 1993، يؤشر إلى أن الحكومات أغدقت بالتصريحات والوعود الوردية بالإصلاح السياسي، لكن تنمية سياسية حقيقية لم تقع على أرض الواقع. حسب وصف أحد العسكريين القدامى، فإن الأردن ما زال في وضع "خطوة تنظيم".

بعد عقد ونصف العقد من تعثر الإصلاح السياسي: الحكومات الأطول عمراً تتمادى في أداء غير ديمقراطي
 
26-Jun-2008
 
العدد 32