العدد 32 - بورتريه
 

محمود الريماوي

حازم نسيبة، سليل أسرة مقدسية عريقة، وتحتفظ بيت المقدس بموقع القلب في شخصيته. فقد أمضى فيها شبابه الأول، وشهد فيها وقوع نكبة العام 1948، وكان في تلك الأثناء نائباً لمدير الإذاعة، وكانت آخر نشاطاته يوم الخامس عشر من أيار.

عرف وما زال باعتداله وأكاديميته.كان والده زكي نسيبة من أعيان القدس وعضواً منتخباً في بلديتها، وقد لعب الأب دوراً توفيقياً بين القوى السياسية آنذاك وعلى الأخص بين حزب الدفاع (النشاشيبي)، والمجلسيين بقيادة الحاج أمين الحسيني.

ذلك أثر في شخصية الفتى حازم حينذاك، كما أثرت فيه التطورات اللاحقة، حينما رفض الحاج أمين موقف «الحياد» الذي كان يلتزم به الأب، فخاض الحاج أمين حملة لترشيح عضو في المجلس البلدي بدلاً من زكي نسيبة، وهو ما تم بنجاح وبفارق خمسين صوتاً.

يقر حازم نسيبة(86عاماً)، بأن هوى الأب، والابن تحول بعدئذ الى حزب الدفاع، الذي كان منتشراً في المدن، مقابل نفوذ الحاج أمين في مناطق الريف.

يجادل حازم نسيبة بأن سياسية الحاج أمين كانت وطنية، لكنها لم تكن بعيدة النظر.وبخاصة لجهة رفضها لكل المشاريع السياسية المطروحة.بينما كان حزب الشعب أنضج سياسياً، وإن لم يتمكن هذا الحزب من تعبئة الناس لقبول قرار التقسيم مثلاً.

يحاجج حازم نسيبة الفكرة الشائعة حول أن الاستيلاء على فلسطين كان مقدراً ومقرراً حتى لو قبل العرب به.ينفي وجاهة هذه الفكرة دون أن يقلل من اندفاع الأطماع الصهيونية، يدلل على ذلك بأن قرار التقسيم كان يقضي بنشر قوات دولية لعشر سنوات وبخاصة في القدس، وأن مجرى الأحداث ربما كان تغير مع إعلان دولة عربية الى جانب الدولة اليهودية، قبل أكثر من ستين عاماً.

رافق حازم نسيبة، تطورات القضية الفلسطينية، وقيام وحدة الضفتين التي عمل إثرها مديراً للمطبوعات في القدس، ويفخر بأنه لم يكن يحجب شيئاً مما تنشره صحف الدفاع وفلسطين. في العام 1954 كان رئيساً للوفد الأردني في لجنة الهدنة الأردنية - الإسرائيلية المشتركة. ثم تولى بعدئذ وتباعاً مناصب رفيعة في الحكومة الأردنية، وعرف بصداقته الوثيقة مع المرحوم وصفي التل، فكان وزيرا في العام 1962 في أول حكومة يشكلها التل.وساهم في التحضيرات للإعلان عن نشوء منظمة التحرير في القدس في العام 1964 وهو أول من قدم الشقيري للراحل الملك الحسين، وكان الشقيري حينها موظفاً حكومياً في السعودية ثم مندوباً لها في الأمم المتحدة.

لا يبدو متفائلاً على المدى القريب بإحراز تسوية، فما يريده الإسرائيليون برأيه هو تصفية القضية عبر كنتونات يطلق عليها دولة فلسطينية. ويرى ضرورة الاحتفاظ بمنظمة التحرير كمرجعية وهيئة سياسية عليا، وهو أمر يتقدم في رأيه على الاحتفاظ بالسلطة التي باتت هيكلاً خاوياً.

تمثل القدس وأكناف القدس، جرحاً لا يسعى حازم نسيبة لإخفائه.لقد تضخمت عمليات التهويد وتغيير المعالم، لكنه يرى في بقاء خمسة ملايين فلسطيني على أرضهم التاريخية فشلاً للمشروع الإسرائيلي (يشير الى محاولة موشي دايان في العام 1968 تهجير نحو سبعين ألفاً من أبناء مخيم الشاطىء في قطاع غزة الى الأردن وقد تنبه شخصياً للأمر وكان وزيراً ودعا الحكومة لإحباط هذا المخطط وهو ما تم حينها).

يرى أن الخلافات بين فتح، وحماس تستعيد ذلك الخلاف القديم بين النشاشيبي، والحسيني. وأن من المهم تمكين الناس من الصمود. رئاسته لمنتدى بيت المقدس في عمان، تحمل هذه الرسالة بتقديم اشكال مختلفة من المعونات، لا الاقتصار على تنظيم الندوات والملتقيات مع أهمية ذلك في تبصير الأجيال الجديدة بمكانة القدس وعروبتها.

يقر بتراجع مكانة القضية الفلسطينية في العالم العربي، ويرى ذلك مؤشراً بالغ السلبية، ويدعو للاستفادة من أداء الصهاينة بتحريم كل أشكال الاقتتال وشق الصفوف، وإقامة حياة ديمقراطية، والتحرك على الساحة الأميركية. يتفاءل بالمناسبة بالمرشح الديمقراطي باراك أوباما، ويرى فيه نموذجاً لجيل جديد من الساسة الأميركيين، ورغم حداثة سنه وتجربته، فإن نسيبة يراه متفهماً للقضية الفلسطيينة (من أصدقائه الأستاذ رشيد الخالدي)، أما مخاطبته للأيباك بما تمت مخاطبته بها، فهي من مألوف الحملات الانتخابية. والمهم في نظره هو المنظور العام لهذا المرشح القابل للحوار والرافض لعسكرة السياسة الخارجية.

أما أميركا الجمهوريين، فيراها تتبع سياسة عمياء مدمرة تلحق الضرر بأميركا نفسها، وفي رأيه أنه كان يمكن تفادي الحرب على العراق وحتى الحملة على أفغانستان، والاستعاضة عن ذلك بجهد استخباري للرد على تحدي الحادي عشر من أيلول/سبتمبر، بينما كان يمكن الحوار مع صدام حسين الذي عرض آنذاك كل أشكال التنازلات.وفي قناعته أنه كان هناك تأثير صهيوني على دائرة صنع القرار في واشنطن.

يتحدث حازم نسيبة في السياسة بعيداً عن أي نشاط سياسي له. وفي مقابلة نشرت معه قبل أشهر في مجلة أفكار، ذكر أن السياسة لم تعد تشغله.وقد غلبت على حياته المهنية صفة الدبلوماسي والأكاديمي بأكثر من صفته السياسية (عمل سفيراً في مصر، وتركيا، وايطاليا، والنمسا، وسويسرا، قبل أن يمثل الأردن في الأمم المتحدة). عاش أجواء سياسية في بواكير حياته جعلت منه عضواً في حركة القوميين العرب أثناء دراسته في الجامعة الأميركية ببيروت كحال كثرة من السياسيين الأردنيين، ثم عضواً في حزب البعث في مرحلة تأسيسه في القدس، وكان قريباً من عبدالله الريماوي آنذاك.. لم يدخل في مساجلات ومنازعات مع أي فريق حزبي أو سياسي.ولم يكن قريباً من مخاض استئناف التحول الديمقراطي في الثمانينيات (في كتابه تاريخ الأردن السياسي المعاصر بين عامي 1952 و1967) الصادر في العام 1990 يعتبر أن الفترة التي يغطيها كتابه اتسمت جميعها بـ«المرونة والحركة، والانفتاح»، دونما إشارة الى مرحلة الأحكام العرفية وأوامر الدفاع، بل مع تفضيل تلك الحقبة على الحياة التي سادت في أنظمة ديمقراطية وشهدت تداولاً للسلطة على أيدي أحزاب.علماً بأن المؤلف يذكر في مقدمته للكتاب أن لـ«الأردن شأنه شأن غيره من سائر بلدان العالم أخطاء كثيرة وإنجازات كبيرة». يذكر أن الكتاب يتضمن فصولاً مهمة عن الهدنة.

لحازم نسيبة مؤلفات أخرى منها : فلسفة القومية العربية باللغة الإنجليزية. وفلسطين والأمم المتحدة بالإنجليزية.نحن والعالم. وترجم الى الإنجليزية كتاباً للزعيم المغربي علال الفاسي الحركات الاستقلالية في المغرب العربي، وكتاب للباحث اللبناني صبحي محمصاني بعنوان «فلسفة التشريع في الإسلام». يعكف حالياً على كتابة سيرة سياسية ذاتية ويمارس أنشطة رياضية في نادي السيارات الملكي، بعدما ترك تدخين الغليون منذ ستة عشر عاماً. أما الأصدقاء المجايلون فيستفقدهم حازم نسيبة و«الشطر الأكبر منهم انتقل الى الرفيق الأعلى»، يقول ذلك بشيء من الأسى والخفر..

حازم نسيبة: سياسة أقل، دبلوماسية أكثر
 
26-Jun-2008
 
العدد 32