العدد 32 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

بدأ راديكالياً وانتهى واقعياً.

ولد عبد المجيد الذنيبات في الجديدة بمحافظة الكرك من عائلة فلاحية.

لم يعرف والديه اللذين قضيا واحدا تلو الآخر قبل أن يكمل سنته الأولى، وهما في مدارج الأربعين.

نشأ نشأة ريفية قاسية زاد اليتم من قساوتها، في بيت شقيقته المتزوجة.

التحق الفتى الأسمر ذو الابتسامة الهادئة والغامضة في آن، بكتّاب القرية، وحين افتتحت أول مدرسة فيها العام 1951، خضع لفحص مستوى أهله لدخول الصف الثاني الابتدائي.

يؤكد رفيق طفولة له أنه «كان شخصاً عادياً، لا ميزة له غير اليتم، لكن أخواله كانوا من الطرابيش «يقصد سوريين»، والمثل الدارج آنذاك :اللي أخواله من الطرابيش.. محظوظ».

التحول الجديد في حياته بدأ حين انتقل إلى العاصمة وأقام في منزل شقيقه في جبل النظيف لدراسة الأول ثانوي في مدرسة رغدان.

لم تترك عمان أثراً بالغاً في نفسه نظراً لمحافظته، والمرة الأولى التي أقنعه فيها قريب له بدخول سينما، نام فيها طوال وقت عرض الفيلم.

حين كان يسير في الشوارع استرعى انتباهه متسول مقعد اعتاد أن ينفحه قرشاً كل يوم هي نصف مصروفه الذي يتقاضاه من أخيه، ويشتري بالقرش الآخر شطيرة فلافل.

وكثيراً ما دلف إلى دار الإخوان المسلمين، أول طلوع جبل الحسين حالياً، مستمعاً إلى محاضرة أو لاعباً لكرة التنس.

قفل عائداً إلى الكرك في السنة التي تلت ليكمل دراسته الثانوية في مدرستها، وقدم التوجيهي في العام 1962 وحاز المركز الثالث على مستوى المحافظة.

أهله معدله لبعثة لدراسة التاريخ في تونس، لكن البعثة أعطيت لشخص غيره بقدرة قادر، فتحول لدورة إعداد معلمين وعينه مدير التربية والتعليم داوود المجالي معلماً للغة العربية في مدرسة قريته .

زميله في التدريس مصلح الجوابرة أعاره كتاب "في ظلال القرآن" لسيد قطب، وأذهله أسلوبه ولغته وطريقته المختلفة عن تفاسير أخرى قرأها.

.. ذات نهار قائظ من العام 1964 انطلق والجوابره الى الكرك بحثا عن «الإخواني جمال الحوامدة»، وقد نضجت لديهما فكرة الانضمام إلى الجماعة. «لم يكن في الكرك من أعضاء الجماعة آنذاك سوى ثلاثة صرت رابعهم» يقر الذنيبات. ويضيف: «لما سألت عن السبب قيل لي أن الكثيرين من الكركيين يعتبرون أنفسهم مع الإخوان دون أن ينتظموا في الجماعة، نظراً لانحسار العمل السياسي الحزبي منذ نهاية الخمسينيات، وتصاعد المد الناصري الذي كان يشن حملات شعواء على الإخوان».

انتسب لجامعة دمشق العام 1964 وحاز على شهادة الليسانس في الحقوق. أمضى بضع سنين متدربا في مكتب المحامي ميخائيل زريقات الذي كان كفيفاً.وكان منظرهما معا.. وهو يقود أستاذه ذهابا وإيابا إلى بيته مرورا بالسوق، معلماً من معالم المدينة الجنوبية.

تزوج من ابنة عمه في العام 1966، لكن ابنته الوحيدة منها توفت في حادث سير، فتزوج فيما بعد من سيدة أخرى أنجب منها ثلاثة أبناء أكبرهم محمد.

صار نائبا للشعبة ذاتها في العام 1968، وانتظم في العمل الفدائي في معسكرات تدريب الشيوخ تحت لافتة حركة فتح في منطقة العالوك. لكن قيادة الجماعة رأت أن من المصلحة أن يترك المعسكرات ويعود إلى الكرك لإكمال دوره في الدعوة والتنظيم.

مفصل مهم طرأ على مسيرته في العام 1972 فقد ترشح الشاب المتحمس للتغيير، لمنصب رئيس البلدية في مواجهة الباشا دليوان المجالي الذي اعتاد أن يفوز بها بالتزكية لأربعين عاماً. وأصر على خوض الانتخابات بغض النظر عن النتيجة، رغبة منه في كسر الكثير مما جرى عليه العرف والعادة.

في الليلة السابقة للاقتراع زاره عدد كبير من وجوه الكرك على رأسهم الباشا المجالي الذي كان حضوره لبيت أحد الناس مدعاة للاستغراب، فهو من «يؤتى إليه ولا يأتي إلى بيت أحد». «وأقسمت الجاهة أن لا تشرب القهوة أو الماء الا بواحد من اثنين: إما أن أنضم لكتلة الباشا مكان أحد أعضائها وأصير نائبا للرئيس أو انسحب لوجه الله ووجه الجاهة الكريمة، فاخترت الانسحاب». يستذكر الذنيبات.

وجد الراديكالي حامل لواء التغيير، أن اللحظة لم تنضج بعد، فغير تكتيكه في السنة التالية، مع ما في ذلك من تحول من الراديكالية الى الواقعية السياسية، فقد رشح وزملاؤه شيخ عشيرة لمنصب رئيس البلدية هو المرحوم حمدي الحباشنة.. وفاز بها. ويسترجع قائلا بفخر» لقد كسرنا التابو!». في أعقاب الفوز الإسلامي في انتخابات 1989 بـ 22 نائباً من أصل 26 مرشحاً دخل خمسة وزراء من الجماعة في الحكومة التي شكلها مضر بدران، كان مفترضا أن يكون أحدهم لولا أنه دخل و في تنافس على حقيبة العدل مع ماجد خليفة نجل المراقب العام للجماعة محمد عبد الرحمن خليفة،فآثر الانسحاب لصالح الأخير.

صار الذنيبات نائبا للمراقب العام العام 1993، وكان له موقف مؤيد للمشاركة في الانتخابات في ظل قانون الصوت الواحد الذي اعترضت عليه الجماعة.

تكرر الجدال بشأن المقاطعة أو المشاركة في انتخابات 1997، وكان صوت الداعين للمقاطعة في مجلس الشورى هو الأقوى. فيما انكفأ صوته وصوت من لف لفه.

«حين قيمنا قرار المقاطعة بعد مرور أربع سنوات عليها فوجئنا بأننا خسرنا كثيرا».يقول الذنيبات.

انتخب العام 1994 مراقبا عاما ويرى أن انتخابه لهذا المنصب تطور طبيعي، فيما يذهب خصومه للقول إنه «حاز المنصب لأنه من أصول شرق أردنية، وفق العرف أو القانون غير المكتوب داخل الجماعة، ودفعته التناقضات والخلافات الموجودة بين أخوان عمان وصويلح «الصقور والحمائم»، والتي لم تكن ظاهرة إلى السطح كما هي الآن، الى المركز الأول باعتباره شخصية لينة وحيادية وتفتقر للروح القتالية والأهم أنها غير محسوبة على طرف دون الآخر.. إنه اشبه بالرئيس المصري الأول محمد نجيب».

اختير عيناً بعد نكسة انتخابات مجلس النواب الأخيرة، ، ما فتح عليه عش دبابير الإخوان الذين طالبوه بالاستقالة. لكنه رفض الاستقالة متمسكا بالعرف السائد داخل الجماعة، فلم يطالب احد اسحق الفرحان بالاستقالة من «الأعيان» في برلمان 1989 وعبد اللطيف عربيات في برلمان 1993.

ثارت مؤخرا خلافات بين الذنيبات وأمين عام حزب جبهة العمل الاسلامي زكي بني ارشيد، ولا يخفي الذنيبات تحفظه على بني ارشيد ، «ويرى أن ثمة حدة وغلظة في خطابه وخروج عن الثوابت الإخوانية، ويؤكد على ضرورة محاكمته على شكاوى وردت بشأنه». لكن بني ارشيد رفض التعقيب لـ «ے» على رأي الذنيبات فيه قائلاً:«هذا الأمر لا مصلحة لي في الخوض فيه».الجماعة في قلبه ولا يرى نفسه إلا داخلها، بحسب ما يقول. غير أن ما يتبقى لم يقل بعد.

عبد المجيد الذنيبات: هل هو محمد نجيب الإخوان!
 
26-Jun-2008
 
العدد 32