العدد 31 - حريات
 

عاكف المعايطة*

في المحاكم الشرعية، يصادف المحامون أزواجاً يقول الواحد منهم «أنا لا أريد زوجتي أن تعمل، وهذا حق لي». وفي الحقيقة، فإنه يقصد الإضرار بها، ما يعني، بلغة القانون، التعسف في استعمال الحق، هذا إن كان له حق!!

يعدّ كثير من الأشخاص أن المرأة كائن تابع للغير، قاصدين أنها تابعة للرجل الزوج، أو الأب، أو الأخ، ويتناسى هؤلاء أن المرأة صانعة الرجال منذ الصغر، ويتجاهلون أيضا أنها مربية ومعلّمة وأستاذة جامعة.

موضوع عمل المرأة، كان مثار جدل وخلاف داخل المحاكم الشرعية. فقبل تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم 61 لسنة 1976، كانت المرأة التي تعمل خارج البيت دون موافقة زوجها، تعدّ في نظر القانون ناشزة، أي خارجة عن طاعة زوجها، بذلك تحرم من بعض الحقوق الزوجية.

وفي اجتهادات لمحكمة الاستئناف الشرعية في ذلك الوقت، أي قبل التعديل الأخير، كانت تعتبر أن الزوجة المسجل في قسيمة عقد زواجها مهنة معينة، لا يحق للزوج مطالبتها بعدم العمل لأنه، ابتداءً، قبل بعملها.

نشطت المنظمات النسائية ومنظمات المجتمع المدني وحقوق الإنسان للدفاع عن حق العمل للمرأة بصفته حقاً طبيعياً لها وليس منحة من أحد. لذلك وقع تقدم في القانون المعدِّل لقانون الأحوال الشخصية ما زال بحاجة لتطوير.

القانون المعدل لقانون الأحوال الشخصية رقم 82 لسنة 2001 نصّ في المادة رقم 68 منه «تستحق الزوجة التي تعمل خارج البيت نفقة، بشرطين: الأول أن يكون العمل مشروعاً، والثاني موافقة الزوج على العمل صراحة أو دلالة، ولا يجوز له الرجوع عن موافقته إلا لسبب مشروع ودون أن يلحق بها ضرراً».

من الرجوع إلى نص المادة السابقة نجد أن المشرع حرص على وصاية الرجل على المرأة عندما ذكر عبارة «موافقة الزوج»، مع العلم أن المطالبات التي كانت تعبر عنها منظمات المجتمع المدني في المؤتمرات والندوات وورش العمل بهذا الخصوص، كانت تهدف إلى إلغاء وصاية الرجل على المرأة.

مع ذلك، فقد وسّع المشرع من الصلاحيات المعطاة للمرأة بالعمل، ضمن سياق النص، وفي هذا حماية ضمنية للمرأة العاملة نجدها في مثل عبارة «موافقة الزوج صراحة أو دلالة»، فالفقرة هنا لا تشترط الموافقة المكتوبة والمعلنة، وإنما أخذت بمفهوم الدلالة، أي ظاهر الحال, وأضاف «ولا يجوز له الرجوع عن موافقته». ويعدّ هذا حماية لها، حسب المفهوم المتداول في المحاكم الشرعية.

المادة الأصلية في قانون الأحوال الشخصية التي جرى تعديلها، كانت تنص على أنه «لا نفقة للزوجة التى تعمل خارج البيت بدون موافقة الزوج». ويتضح من النص حجم الإجحاف الذي يلحق بالمرأة جراء هذه المادة لأن الزوج يستطيع أن يعلن في أي وقت أنه لا يوافق على عمل زوجته، حتى لو كانت معلّمة مدرسة تعمل منذ سنين في هذه المهنة. وهذا ما حاولت محكمة الاستئناف الشرعية معالجته في اجتهادها بأنه لا يحق للزوج مطالبة زوجته بعدم العمل عندما يكون مسجلاً في قسيمة عقد زواجها مهنة معينة.

إن الجهود المبذولة لإلغاء وصاية الرجل على حق العمل للمرأة، تجد سندها في الاتفاقيات والمواثيق الدولية، وفي التشريعات الوطنية النافذة.

ففيما يخص حقوق المرأة العاملة ضمن الاتفاقيات والمواثيق الدولية والإقليمية، نجد أن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ينص في المادة 23/1 على أن «لكل شخص الحق في العمل وله حرية اختياره ضمن شروط عادلة مرضية، كما أن له الحماية من البطالة». وتشير الفقرة الثانية من المادة نفسها، إلى أنه لكل فرد دون تمييز الحق في أجر متساو للعمل . ولقد ورد في الميثاق العربي لحقوق الإنسان المادة 31 «حرية اختيار العمل مكفولة والسخرة محظورة». أما المادة 32 من الميثاق، فتنص على: «تضمن الدولة للمواطنين تكافؤ الفرص في العمل والأجر العادل والمساواة في الأجور».

أما على صعيد التشريعات الوطنية، فقد كفل الدستور الأردني حق العمل للمرأة عندما نص في الفقرة الأولى من المادة السادسة: «الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات». هذا النص، يؤكد أن العمل أحد حقوق المرأة الأساسية. وتأكيداً على مكانة العمل وأهمية توفيره لسائر الموطنين، رجالاً ونساء، تنص الفقرة الثانية من المادة الدستورية نفسها: «تكفل الدولة العمل والتعليم ضمن حدود إمكانياتها وتكفل الطمأنينة وتكافؤ الفرص لجميع الأردنيين». لقد جاء نص الفقرة السابقة واضحاً وصريحاً عندما ذكر عبارة «لجميع الأردنيين «، إذ لم يفرق بين رجل وامرأة. وورد أيضاً في الدستور الأردني، المادة 23/1، أن العمل حق لجميع المواطنين، وعلى الدولة أن توفره للأردنيين بتوجيه الاقتصاد الوطني والنهوض به.

وبالرجوع إلى قانون العمل الأردني، نجد أن المادة الثانية من القانون تعرف العامل بأنه «كل شخص ذكراً كان أو أنثى يؤدي عملاً لقاء أجر ويكون تابعاً لصاحب العمل وتحت إمرته». معنى ذلك أن قانون العمل اعتبر العمل حقاً للمرأة عندما ذكر عبارة «أو أنثى». كذلك نجد أن قانون العمل وفر أشكالاً من الحماية للمرأة العاملة، وفق ما نصت عليه المادة 27/أ/1 لجهة عدم إنهاء خدماتها في حالة الحمل، وكذلك حقها في إجازة الأمومة.

إن المواثيق والاتفاقيات الدولية التي يصادق عليها الأردن تصبح واجبة الاحترام والتطبيق، وإذا ما أضفنا إليها الدستور، وهو يسمو على سائر القوانين والأنظمة، إضافة إلى تشريعات العمل نفسها، نجد أنها تكفل جميعها حق العمل للمرأة، وهذا تأكيد واعتراف بأن هذا الحق جزء اصيل وأساسي من حقوق الإنسان.

لذلك كان على المشرع حماية حق المرأة في سائر التشريعات الوطنية الأخرى، وإنهاء أي شكل من أشكال التحفظات على عمل المرأة التي ينطوي عليها قانون الأحوال الشخصية الأردني المعمول به.

القانون المعدل لقانون الأحوال الشخصية رقم 82 لسنة 2001 الذي جرى بموجبه تعديل المادة رقم 68 من القانون الأصلي والخاصة بعمل المرأة، ذهب باتجاه تأكيد حق المرأة في العمل، لكن اشترط في الوقت نفسه موافقة الزوج على العمل. صحيح أن المشرع عدّل المادة المذكورة وأصبحت أكثر قبولاً مما كانت عليه في القانون السابق، لكن كان على المشرع أن ينص صراحة على حق المرأة في العمل دون شروط أو موافقة أحد، تمشياً مع النصوص الدستورية والاتفاقيات الدولية، ويعزز هذا التوجه مصادقة الأردن على اتفاقية إلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة وعدم إيراد أي تحفظات حول عمل المرأة، وبالتالي ينبغي تعديل أي نص قانوني يتضمن تمييزاً بين الرجل والمرأة أينما ورد في التشريعات الوطنية.

(*) محامٍ. باحث، ومستشار اللجنة الوطنية لشؤون المرأة.

حق العمل للمرأة من المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان
 
19-Jun-2008
 
العدد 31