العدد 31 - ثقافي
 

موفق ملكاوي

بداية تراجيدية تلك التي ارتضتها الحكومة لمهرجان الأردن للثقافة والفنون، الذي تنطلق فعالياته مطلع تموز (يوليو) المقبل.

المهرجان الذي أثار حتى الآن ردود أفعال قوية من قبل نقابات وأحزاب وتيارات سياسية، سبقه تخبط حكومي واضح في اتجاهين؛ الأول جاء على خلفية ضبابية الرؤية حول مصير مهرجان جرش الذي قيل إن المهرجان الجديد جاء على أنقاضه، والثاني حول المهرجان الجديد نفسه والجهات المشاركة في تنظيمه.

البداية كانت مع قرار مجلس الوزراء القاضي بـ "إلغاء مهرجان جرش للثقافة والفنون، والاستعاضة عنه بمهرجان وطني يقام سنويا" باسم "مهرجان الأردن".

ورغم القرار الواضح بشأن الإلغاء، الذي تبين في ما بعد أنه خطأ دستوري، كون مهرجان "جرش" جاء بإرادة ملكية لا يلغيه قرار مجلس وزراء، إلا أن التخبط الحكومي تواصل حين تم التأكيد من قبل وزيرتي السياحة والثقافة، وأكثر من مرة، على أن "جرش لم يلغ" رغم تأكيدات سابقة بعكس ذلك.

الحكومة شكلت لجنة تنسيقية ضمت وزراء الثقافة والسياحة والبلديات، والعين عقل بلتاجي وزير السياحة الأسبق، وأمين العاصمة عمان، والأمين العام لوزارة الثقافة، والمدير العام لهيئة تنشيط السياحة وعدداً من الشخصيات الأردنية. مهام عمل اللجنة تحددت بوضع الإطار العام والتصورات اللازمة لإقامة "مهرجان الأردن" في موسم الصيف الحالي كمرحلة انتقالية ليصبح مهرجانا سنويا دائما اعتبارا من العام 2009.

بداية سلسلة المشاكل جاءت للمهرجان مع خبر نشرته "العرب اليوم" للزميل سلامة الدرعاوي، كشف فيه أن الحكومة أسندت إلى الفرنسي موريس ليفي تنظيم فعاليات المهرجان.

وكشف أن ليفي يترأس شركة فرنسية متخصصة بالعلاقات العامة (ببليسيز)، وأنه كان رئيسا للهيئة المشرفة على احتفالات إسرائيل بمرور 60 عاماً على تأسيسها، فضلا عن دعمه اللامحدود وتعاطفه مع إسرائيل.

النفي الحكومي جاء سريعاً ومتلعثما على لسان وزيرة السياحة مها الخطيب، التي نفت أن تكون شركة ببليسيز تشرف على التنظيم.

لكنها أقرت بدور للشركة «اقتصر على المساعدة في التعاقد مع عدد من الفنانين العرب والأجانب»، مبينة أن الشركة سبق أن نجحت في تنظيم فعاليات كبرى في الأردن مثل المنتدى الاقتصادي العالمي.

نفي آخر جاء على لسان المدير العام لهيئة تنشيط السياحة نايف الفايز الذي قال إنه لا علاقة لشركة (ببليسيز) بالمهرجان، وأن الحكومة تعاقدت مع شركة دولية تدعى «لي اوسترو دي سور»، وأن هذه «الشركة تمتلك مكتبا في عمان، وتعنى بالتعامل مع الفنانين والمطربين».

إلا أن الأمر أخذ أبعادا أكثر إثارة بعد دخول النقابات على خط المواجهة مع الحكومة «في التصدي لإقامة مهرجان الأردن».

النقابات ولجان مقاومة التطبيع والأحزاب أدارت معركتها مع الحكومة على المهرجان بدعوى «مقاومة السقوط في التطبيع»، وهو ما جذب الرأي العام إليها، خصوصا وأن وسائل إعلامية استثمرت «المعلومات القليلة» التي توافرت حول ليفي، في قصص صحفية شبه يومية، مشكلة «صحافة إثارة لم تتقص الخبر، بل لجأت إلى المتداول».

شبهة التطبيع تداولتها الفعاليات الحزبية والنقابية، مع أنها «شبهة لم تتحدد على أساس وثائق تثبت ذلك، بل على أساس الإغراق في الحكاية حتى الوصول إلى تصديقها».

التخبط الحكومي وعدم وضوح الرؤية بالنسبة إلى المهرجانين، أسهما وبشكل كبير في إضعاف الموقف الحكومي، خصوصا أن أحد الأعضاء في اللجنة التنسيقية للمهرجان الجديد ، وطلب عدم الكشف عن اسمه، اعترف لـ«السّجل» بأنه فوجىء بالسرعة التي تقرر بها المهرجان، وفوجىء أكثر بتسميته عضوا في لجنته التنسيقية.

الحديث بالنسبة إلى «جبهة رفض المهرجان» يتعدى موقف المقاطعة، تجاه محاولة الإسقاط.

لجنة مقاومة التطبيع النقابية دعت المثقفين والكتاب والفنانين العرب إلى مقاطعة المهرجان تحت لافتة مناوأة التطبيع. ويكشف رئيسها المهندس بادي رفايعة عن خطوات أخرى تصل إلى حد الاعتصام أمام الأماكن المحتضنة للفعاليات.

مجلس النقباء أصدر بيانا دان فيه الاستعانة بالشركة الفرنسية، فاتحا الباب أمام خطوات أخرى «للوقوف في وجه أي دور للشركة الفرنسية في المهرجان».

نقابات عدة، وروابط ثقافية دخلت على خط المواجهة ، في معركة أشبه ب «معركة كسر عظم»، سوف تتحدد على إثرها طبيعة العلاقة المستقبلية بين الحكومة والنقابات.

النقابات لجأت منذ البداية إلى التصعيد، وأقصت خيار الحوار مع الحكومة من أجل الوقوف على حقيقة المشهد.

سياسي فضل عدم ذكر اسمه، قال إن «النقابات لم تتحر المصلحة الوطنية» في معركتها هذه، وإنما سعت خلف «رفع شعبيتها ومصداقيتها المتدهورتين أصلا في الشارع الأردني».

وقال إن «أي إجراء يتخذ طابعا تصعيديا من قبل النقابات من الممكن أن يؤثر على طبيعة العلاقة مع الحكومة التي سوف تلجأ إلى حفظ هيبتها وحماية مصالحها بكل طريقة ممكنة».

إلا أن المعركة الدائرة بين الحكومة و«جبهة رفض المهرجان» تستحق النظر اليها من زاوية مختلفة.

أصوات همس تدور بعيدا عن وسائل الإعلام تلقي باللائمة على شخصية متنفذة يحملها «الرفضويون» مسؤولية إخراج فكرة المهرجان الجديد، والتعاقد مع الشركة الفرنسية، «واستقدامها مع العلم الكامل بتاريخها المتعاطف مع الصهيونيين».وبهذا فإن المعركة وإن كانت تدور حول المهرجان، إلا أنها تتصل بطريقة أو بأخرى، برئيس الديوان الملكي باسم عوض الله.

المعركة تختصر سنوات عديدة ظلت فيها هذه الشخصية «مثار جدل في صالونات عمان السياسية ومحل هجمات متعددة المصادر»، خصوصا ما بات يعرف بالمعركة بين الليبراليين الجدد والمحافظين القدامى منهم والجدد.

شخصيات سياسية عديدة دخلت على خط المعركة لمصلحة النقابات من بينها ليث شبيلات من باب محاولة إضعاف عوض الله وخطه الليبرالي الذي يمثله، خصوصا أن الحكومة تبدو عاجزة عن الدفاع عن نفسها أمام الخط الرافض.

المعركة تتعدى المهرجان نحو التغيرات السياسية والاجتماعية التي شهدها الأردن خلال السنوات القليلة الماضية، التي اعتمدت فرض الانفتاح و»اللبرلة».

وأياً تكن دوافع المعركة الدائرة، أو الأطراف التي تتصارع فيها، إلا أن الأيام المقبلة سوف تشهد طرفا خاسرا، فأبواب الحوار تبدو مغلقة بين الطرفين اللذين يريد كل منهما تسجيل الهدف الأول، والركض لتحية الجماهير.

إلا أن خاسرا ما تحدد مسبقا، وهو الموسم السياحي الذي لاعتبارات إقليمية عدة، عولت عليه الحكومة وكذلك القطاع الخاص كثيرا هذا الصيف.

مصدر في الحكومة الأردنية ، قال إن «انتقاد النقابات للشركة الفرنسية ومالكها أمر يدعو إلى السخرية».

وأكد المصدر وجودا فاعلا لشركة (ببليسيز) في المهرجان، متسائلاً: أين كان موقف المنتقدين عندما نظمت الشركة ذاتها المنتدى الاقتصادي العالمي في البحر الميت!.

وانتقد المصدر ما اسماه «مزاجية» في التعامل مع القضايا المختلفة، مبينا أن الموسم السياحي بأكمله «على كف عفريت نتيجة الاتهامات غير المسؤولة من بعض الكتاب».

وقال: «كل الذين كتبوا ضد المهرجان اعتمدوا على مقال رأي لأحد الكتاب، وهو الذي لم يتحر حقيقة ما يكتب عنه».

“مهرجان الأردن”: تخبط يؤسس لجبهة رفض
 
19-Jun-2008
 
العدد 31