العدد 31 - كتاب | ||||||||||||||
تواصل مسار الخط البياني للرقم القياسي لأسعار المستهلك في اتجاه تصاعدي، وبوتيرة متسارعة، خلال الأشهر الخمسة الأولى من هذا العام، ليسجل نسبة ارتفاع في الأسعار في المتوسط (12.66 بالمئة) قياساً بالفترة نفسها من العام 2007 المرتفعة بدورها. النسبة العامة السابقة التي حددتها دائرة الاحصاءات العامة على أساس معادلة لاسيير مرتفعة وثقيلة في حد ذاتها، وهي الأكثر ارتفاعاً مقارنة بما تحقق منذ سنوات طويلة، وبالتحديد منذ 1991. وعلى ما تعكسه النسبة العامة السابقة من مخاطر وأعباء على القدرات الشرائية وتدهور المستويات المعيشية للقطاعات الأوسع من المواطنين أصحاب الدخل المحدود المتدني، والمتوسط، فإن التداعيات الفعلية لدرجة شدة الغلاء (التضخم) الزاحف بسرعة في فروع ومفاصل الاقتصاد والأسعار تظهر، بصورة أوضح، عندما نلاحظ أن معدلات التضخم القطاعية تزيد كثيراً عن النسبة العامة، وإلى أكثر من الضعف في بعضها التي بلغت (44.3 بالمئة) لمجموعة سلع وخدمات الوقود والإنارة، (17.7 بالمئة) لمجموعة النقل، و(32.8 بالمئة) لمجموعة سلع الألبان ومنتجاتها والبيض، و(26بالمئة) لمجموعة الحبوب ومشتقاتها، و(28 بالمئة) لمجموعة الفواكه، وتشكل في معظم مكونات عناوينها سلعاً وخدمات أساسية، وبما يؤكد شدة وطأة تداعيات ارتفاع معدلات أسعارها بنسب تزيد كثيراً على النسبة العامة البالغة (12.66 بالمئة). الجدير بالإشارة أيضاً أن نسبة الغلاء (التضخم) العامة كان من الممكن أن تكون أعلى لولا حدوث انخفاض ملموس في أسعار مجموعة من الخضار خلال شهر أيار 2008 بنسبة عالية وصلت الى (14 بالمئة)، (5.8 بالمئة) بالنسبة الى مجموعة اللحوم والدواجن. على أن من المرجح أن انخفاض النسبتين الأخيرتين يرجع إلى أسباب موسمية ليس من المضمون استمرارها، إن لم نتوقع عودة ارتفاعها في ضوء الصعوبات والعقبات والمشاكل المتزايدة التي تواجه الزراعة والمزارع، وإمكانية المزيد من التوسع في تصدير منتجاتها. ولأن الزيادات التي تحققت في رواتب وأجور الموظفين والعاملين في وزارات الحكومة ودوائرها، وفي بعض مؤسسات القطاع الخاص لم تكن في مستوى درجات الغلاء المتصاعد، ولأن بعض العاملين في القطاع الخاص لم يرتفع أجرهم إطلاقاً وكذلك عدم ارتفاع دخول مهنيين وحرفيين وكسبه بمعدل التضخم نفسه، فإن النتيجة الطبيعية المتوقعة ستكون مجسمة في تدهور كبير في القدرات الشرائية، وفي مستويات معيشية القطاع الأوسع من المواطنين فيما يستفيد وتتراكم ثروات حلقة ضيقة من الوسطاء والمستوردين وكبار الملاكين العقاريين. موجات الغلاء المتتابعة والمتصاعدة في الأردن لا تحدث من باب الصدفة، بل لها أسباب وعوامل تدفع بها، وإذا كان هناك أسباب من خارج الأردن تؤثر في تفاقهما أو ما يسمى «بالتضخم المستورد»، إلاّ أن اشتداد وتسارع مستويات الغلاء في بلادنا ترجع في معظمها لأسباب وعوامل داخلية تتصل بمجمل التوجهات والسياسات الاقتصادية والمالية والنقدية الانفتاحية، ومنها تحرير وحرية الاقتصاد والنشاط الاقتصادي، وفتح المعابر الى السوق المحلية، وهي التوصيات والسياسات التي طلبتها وما يزال يطلبها كل من صندوق النقد، والبنك الدوليين، التي تبلورت في البنود المدرجة «ببرامج التصحيح الاقتصادي!!». إن فرض ضريبة المبيعات والمبالغة في رفع نسبتها العامة لتصل إلى (16 بالمئة)، وتوسيع نطاق سريانها لتطال سلعاً وخدمات أساسية الى جانب إصرار البنك المركزي على ربط سعر صرف الدينار بالدولار الأميركي المتدهور في قيمته، واستمرار تركز النمو والنشاط الاقتصادي في قطاعات خدمية وسيطة مقابل إهمال او تراجع إنتاج العديد من فروع ونوعيات الانتاج الزراعي (النباتي، والحيواني) وأيضاً ضعف التطور والنمو الصناعي، الذي سار في محاذاته انسحاب الحكومة من المشاركة الفعالة في ملكية وإدارة الاقتصاد، وتنازلها عن دورها في تحديد الأسعار أو حتى التأثير بها، وعدم مواجهة مراكز ومواقع اقتصادية لفعاليات من القطاع الخاص كانت كلها أسباب محلية داخلية لتشوهات واختلالات في الإنتاج وفي إدارة الاقتصاد، وفي فلتان الأسعار المتزايد التي تصب جميعها في تفاقم واتساع أزمتي الفقر والبطالة. |
|
|||||||||||||