العدد 1 - اقتصادي | ||||||||||||||
أكبر تحد يواجه الاقتصاد الأردني والحكومة هو التغير العالمي في أسعار النفط، وذلك لما لتنامي أسعار هذه السلعة من مدلولات سلبية على عملية الإنتاج والتضخم في الأردن. الخطوة الأولى لوضع أي استراتيجية للتعامل مع هذا المتغير المهم الذي يؤثر عكسياً في أسعار غالبية السلع وقدرة القطاع المنتج على تشغيل العمالة، وأثره على الدخل الحقيقي للفقراء، هو معرفة توجه أسعار النفط المستقبلية وكيفية التعامل معها.
ففي ظل توقعات شتاء بارد، واحتمال تصعيد النزاع بين تركيا وأكراد شمال العراق، ارتفع سعر برميل النفط مؤخراً في سوق التجارة بالسلع في نيويورك ليزيد على 90 دولاراً. غير أن هنالك أسباباً أخرى لا بد من ذكرها، كالطاقة الإنتاجية للدول المنتجة خارج منظمة أوبك، وهو سبب هام.
تصريح أوبك في بداية شهر تشرين الأول/ اكتوبر بعزمها على زيادة معدل الإنتاج بخمسمائة ألف برميل يومياً لم يؤثر في الأسعار بشكل يذكر. السبب هو أن الدول المنتجة للنفط خارج نطاق أوبك تشكو من تقادم آلياتها ومؤسساتها المنتجة للنفط وشح التحديث فيها. كما أن كلفة استخراج النفط آخذة في الارتفاع بشكل عام بعد نضوب الآبار قليلة الكلفة والحاجة المتزايدة الى الحفر لأعماق أكثر في المتوسط للوصول الى النفط.
أيضاً هنالك عامل آخر سيساعد على استمرار ارتفاع الأسعار، وهو التوقعات بتصعيد النزاع بين أميركا وإيران، وبأن الضربة قادمة، سواء على شكل حصار اقتصادي أو مواجهة عسكرية، مما سيؤدي إلى انقطاع الانتاج الإيراني لفترات غير معلومة، ومن ثم تراجع العرض مما سيؤدي لا محالة الى ارتفاع أسعاره عالمياً كون إيران أحد أكبر الدول المصدرة للنفط في العالم.
كما أن ارتفاع أسعار النفط لفترة طويلة من الزمن، أدى الى إتجاه كثير من المضاربين، وبخاصة المحافظ الاستثمارية الضخمة للاستثمار فيه في الأسواق العالمية مما زاد من الطلب عليه، ولا سيما مع انخفاض الدولار أمام عملات هذه المحافظ مما جعل الاستثمار فيه أقل كلفة من السابق.
كل هذه الأسباب بالإضافة إلى تنامي الطلب منذ سنين نتيجة دخول دول كبرى مثل: الصين، والهند، إلى سوق المنافسة العالمية، وحاجة كلا هذين الاقتصادين العملاقين إلى الطاقة لرفع إنتاجهما وحصد ثمار التصدير يؤدي إلى ارتفاع الطلب متزامناً مع انحسار العرض، ومن ثم استمرار ارتفاع أسعار النفط الخام.من ناحية أخرى، لاحظ المستهلك في عدد من الدول المتقدمة مثل الولايات المتحدة، هبوطاً في أسعار البنزين (على المضخة) مؤخراً على الرغم من ارتفاع أسعار النفط إلى معدلات غير مسبوقة، وذلك لأن شركات تنقية ومصافي البترول خفضت هوامشها الربحية للجالون الواحد بما يعادل 78 %، لذلك أصبح المستهلك في أميركا ينفق أقل على البنزين مما كان ينفق في الربع الأول من هذا العام. لكن هناك توقعات بأن تعود هذه الشركات إلى رفع هوامشها الربحية، الأمر الذي يؤدي إلى ارتفاع الأسعار للمستهلك،غير أنها لن ترتفع كثيراً على الرغم من التوقع بإرتفاع الأسعار إلى 100 دولار للبرميل قبل نهاية العام.
ولقد صاحب ارتفاع أسعار النفط في العالم المتقدم وجود حوافز لترشيد استهلاك الطاقة مثل: الإعفاءات الجمركية، والضريبية على السيارات ذات المحرك الصغير، وعلى المصانع التي ترفع من كفاءة استهلاكها للوقود، وتفعيل مصادر الطاقة الأخرى: النووية، والطاقة الناجمة عن الريح، وبعض المحاصيل الزراعية.
وينبغي أن يؤخذ بالاعتبار ارتفاع أسعار الوقود بما يزيد على 70 % سنوياً منذ عام 2005، وارتفاع سعر النفط من 23 دولاراً للبرميل منذ الربع الأول لعام 2003، قبل غزو العراق بأسابيع، إلى معدلاته الحالية، إلا أن التشريعات، وحسن التجهيز في الدول المتقدمة قد ساعدتا في تقبل المستهلك للأسعار المرتفعة.
يجب أن تبنى أي استراتيجية جديدة للتعامل مع أسعار النفط في الأردن على توقعات باستمرار ارتفاع أسعاره عالمياً، والعجز المترتب عليه في الموازنة الذي قد يقارب المليار دولار، وأثر ذلك في ميزان المدفوعات؛ وأن تتضمن هذه الاستراتيجية ترشيد استهلاك النفط من خلال الحوافــــز الفاعلة، ووضع الخــــطط لتحسين سُبل المواصلات العامة ذات الكلف المتدنية من ناحية استخدام الطاقة، ورفع كفاءة تكرير النفط التي تشكل جزءاً لا يستهان به من الكلفة النهائية للمستهلك، وطلب المساعدات من الدول التي تتــــسبب في عدم استقرار هذه السلعة الهامة وارتفاع أسعارها.
*مستشار اقتصادي |
|
|||||||||||||