العدد 31 - اقليمي | ||||||||||||||
معن البياري أن تناقش لجان في البرلمان العراقي (275 عضواً) حتى الآن أربع مسودات لاتفاقية «التعاون طويل الأمد» مع الولايات المتحدة، وهذا أحد أسمائها الإعلامية، فذلك يؤشر إلى الأهمية الخاصة للجدل الذي يثور منذ أسابيع بشأن هذه الاتفاقية، فهي أساسا تتعلق بمستقبل العراق على الصعد السياسية، والعسكرية، والاقتصادية. يُذكر أن الحكومة العراقية الراهنة هي من طلبت من واشنطن التفاوض بشأن اتفاقية من هذا القبيل، للخروج من صيغة طلبها السنوي تجديد وجود «القوات متعددة الجنسيات» في بلادها، المفوضة بموجب قرار لمجلس الأمن الدولي. ويفيد التأشير إلى هذا مع التذكير بأن الاحتلال الأميركي للعراق من نوع خاص، ليس فقط لأن قوى عراقية عارضت نظام صدام حسين طويلا لم تمانع في أن يكون الصيغة الأنسب للخلاص من النظام المذكور، بل أيضا لأن انتهاء هذا الاحتلال في الظروف القائمة، ومنها التشظي الأهلي الواسع وهشاشة البنيات الأمنية والسياسية في هذا البلد، ليس مضمونا أن يتحقق به السلم العام والاستقلال الوطني والتحرر السياسي. ولأن الحال هو على هذا النحو ، فإنه من الطريف بعض الشيء قول مساعد وزيرة الخارجية الأمريكية ديفيد ساترفيلد إن 88 اتفاقية أمنية بين أميركا ودول في العالم يمكن أن يضاف العراق إليها. وكذلك قول نائب رئيس لجنة الأمن والدفاع في مجلس النواب العراقي عبد الكريم السامرائي، إن المجلس يحتاج إلى وقت كاف للاطلاع على اتفاقيات تعاون أمني بين دول عدة في العالم، للاستعانة في تمرير ما يمكن ،وعدم تمرير ما لا يمكن في الاتفاقية قيد التفاوض بين بغداد وواشنطن، والمتوخّى أن يتم التوصل إليها في 30 يوليو تموز المقبل، ليصار إلى تنفيذها في أول 2009، فلا يكون هناك ما يدعو للطلب من الأمم المتحدة تجديد التفويض الممنوح للقوات الأجنبية المتواجدة في العراق. والبادي أن ما لا يمكن تمريره في مسودات الاتفاقية، المأمولة عراقيا وأميركياً، كبير وكثير، كما تسرب ونشرته صحف أميركية أولا ثم عربية. ومن فرط ما تحققه الولايات المتحدة فيه من هيمنة واسعة على العراق، فإنه جعل الإجماع واسعا بين القوى العراقية في الحكومة وخارجها على رفضه، من «حركة الاستقلال الوطني «المستجدّة، التي أنشأها قبل أيام أحمد الجلبي الذي قال إن ما تيسر نشره ينزع سيادة العراق، إلى التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر الذي وصف الاتفاقية بأنها مذلّة، وواجه ما شاع من بنودها برفض كامل أتبعه بالإعلان عن تشكيل مجموعات خاصة من جيش المهدي لمقاومة الاحتلال، مرورا بجبهة التوافق وحزب الدعوة الذي ينتسب إليه رئيس الحكومة نوري المالكي، وليس انتهاء بالمجلس الأعلى للثورة الإسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم. وإذا كانت حكومة المالكي عند توقيع ما اعتبر إعلان مبادئ يمهد للاتفاقية المطلوبة في أغسطس آب العام الماضي، توخت «تنظيم» التواجد العسكري الأميركي، بما يمكّن من عدم توصيفه احتلالا، فإنها لم تكن تتطلع إلى أن تبيح الاتفاقية إقامة نحو 40 (قيل 50 وقيل أكثر ) قاعدة عسكرية في العراق، ولا أن يكون للطيران العسكري الأميركي السيطرة التامة على الأجواء العراقية، ولا أن يكون للقوات الأميركية غير المحدّدة العدد والعتاد حرية الحركة، ولا أن يتمتع جنود هذه القوات وعناصر الشركات الأمنية بالحصانة من أي مساءلة قانونية من القضاء العراقي، مع حقهم في إجراءالاعتقالات والمداهمات. إن أي مطالعة أولى لمثل هذا الذي تسلل للنشر مما تفاوض عليه الجانبان الأميركي برئاسة السفير رايان كروكر والعراقي برئاسة نائب رئيس الوزراء برهم صالح ،تكفي لتوقع مساحة الرفض الواسعة في العراق، الذي كان بارزا فيها موقف المرجعية الشيعية (السيستاني). ولا غضاضة في الذهاب هنا إلى أنه في محلّه قول هاشمي رفسنجاني أن ما تهيؤه الاتفاقية قيد التفاوض هو احتلال دائم في العراق، وقد سمع نوري المالكي في طهران الأسبوع الماضي من المرشد علي خامنئي أن عليه التفكير في الخلاص من الاحتلال الأميركي، لا التأقلم معه. لقد كان لافتاً أن المالكي سارع في عمان إلى تدارك تصريحاته فيها أيضا، عن طريق مسدود وصلت إليه المفاوضات مع الجانب الأميركي بشأن الوصول إلى «اتفاقية التعاون طويلة الأمد»، بعد ساعات فقط على إطلاقها، وذلك في قوله لاحقا إن المفاوضات جارية للوصول إلى ما هو مقبول من الطرفين. وقد استجاب في هذا لما وصل إليه من واشنطن أن مفاوضيها سيتحلون ببعض المرونة، وأدرك أن الإسناد الإيراني له والدعمين الأردني والخليجي لمواقفه لا يكفيان ليشرب حليب السباع، والاستقواء في التصريحات على الإدارة الأميركية التي تستعد للرحيل، وهو الذي يجد نفسه غير مطالب بتقديم انتصار ثمين لها كالذي تتطلع إليه في اتفاقية من شقين، عسكري بشأن تنظيم وجود القوات ونشاطها وصلاحياتها، والآخر شامل يتعلق بترتيبات سياسية واقتصادية. المفاوضات سوف تتواصل، بحسب ما أوضح وزير الخارجية هوشيار زيباري الأحد الماضي لشبكة سي إن إن، للوصول مع نهاية تموز المقبل إلى مسودة نهائية مرضية، وذلك يعني أن اشتباك المصالح الأميركية والرهانات الإيرانية والتطلعات العراقية (بعيداً عن الحسابات الكردية) يحتاج إلى بعض التهدئة لتنظيم مسالكه ومعابره، وإلى عدم الانكشاف أمام أضواء الإعلام. وهي أسابيع قليلة، لنرى على الأقل ما سيرسو عليه عدد القواعد الأميركية في العراق، وفي البال أن 15 قاعدة كبيرة قائمة حاليا. |
|
|||||||||||||