العدد 31 - اقليمي
 

عبدالسلام حسن

القدس- منذ ذهابها الى مؤتمر «أنابوليس للسلام»، وإسرائيل تسخن على جبهة الاستيطان، معلنة المخطط، تلو الاخر، لا سيما في منطقة القدس، ما كرس في وعي الفلسطينيين بان «أجواء السلام» هي المناخ الامثل، الذي تقرر فيه إسرائيل ومن طرف واحد،  الحل النهائي على الارض. 

ما يحدث هذه الأيام هو تكرار لما اعقب اتفاقات أوسلو حيث عمدت إسرائيل خلال سبع سنوات الى توسيع المستوطنات الى اكثر من الضعف، وهو تكرار لما أعقب اتفاق كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل أواخر السبعينيات، حيث ارتدت إسرائيل من سيناء لتكثف استيطانها في الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة، وليرتفع العدد خلال 3 سنوات من 41500 مستوطن الى 80580 تقريبا.

حسب خليل التفكجي رئيس دائرة الخرائط في بيت الشرق وخبير شؤون الاستيطان فقد ارتفع عدد المستوطنين في الضفة من 105 آلاف، في العام 1992 (قبيل أوسلو) الى اكثر من 280 الفا في الوقت الراهن. وعدد الوحدات الاستيطانية بلغ  32 الفا، لتضاف اليها 39 الف وحدة اخرى.

ورأى التفكجي أن إسرائيل لديها مشروع متكامل لـ «سنة هدف معين»، على صعيد الاستيطان في الضفة الغربية والقدس، وهي تعمل على تنفيذ هذا المخطط بغض النظر عن موضوع السلام.

ولم تفوت إسرائيل خلال الشهور التي أعقبت «أنابوليس» مناسبة، الا واعلنت عن مخطط استيطاني جديد، في منطقة القدس. واستبقت انطلاق مفاوضات الوضع النهائي باعلان خطة لإقامة اكثر من 300 وحدة جديدة في «هارحوماه»، تلاها مخطط لاقامة اكثر من 10 الاف وحدة بمنطقة قلنديا، و884 وحدة في سلوان، و1300 قرب بيت حنينا...

وإمعانا في الاستخفاف بمفاوضات السلام، تتعمد إسرائيل الاعلان عن مخططات جديدة كلما عقد الرئيس الفلسطيني محمود عباس لقاء مع رئيس الحكومة الإسرائيلية. وفعلت الأمر ذاته عشية زيارة الرئيس الاميركي جورج بوش الراعي المفترض لعملية السلام للمنطقة.

آخر هذه المخططات واضخمها على الاطلاق كشف النقاب عنه يوم الاحد الماضي، بعد ساعات فقط من ابداء وزيرة الخارجية الاميركية  كونداليزا رايس، قلقها ازاء «مخاطر الاستيطان على عملية السلام»،

وفي الوقت الذي كانت تجتمع فيه امكانيات بالقيادتين الفلسطينية والإسرائيلية، بغرض «استكشاف امكانات الوصول الى تسوية قبل نهاية العام 2008».

ويقضي المخطط الاستيطاني الجديد باقامة 40 الف وحدة في القدس، خلال السنوات العشر المقبلة، منها الفان في المستوطنات المحيطة.

أوري لوبليانسكي، رئيس بلدية الاحتلال في القدس، عقب على المخطط الجديد بالقول: «ان القدس ليست  مستوطنة ولهذا فان البناء سيستمر في جميع انحاء المدينة لحل الضائقة السكنية الراهنة التي تدفع بالشبان الى مغادرتها».

وقال مارك ريغيف الناطق باسم رئيس الحكومة انه من الواضح للجميع ان جميع الاحياء (المستوطنات) المحيطة بالقدس سوف تبقى جزءا من دولة إسرائيل في اية تسوية نهائية، ومثل هذا الامر صرح به مرارا قادة الدولة العبرية.

وكان اولمرت اعلن في كلمته في أنابوليس أن المفاوضات مع الفلسطينيين ستقوم على أساس الاتفاقات الموقعة بين الجانبين، وقرارات مجلس الامن الدولي 242 و 338 ، وخارطه الطريق و رسالة الرئيس بوش في 14 نيسان 2004 الى رئيس وزراء إسرائيل آنذاك (أرييل شارون)، غير أن الواقع على الأرض جاء مغايرا ، وكانت أولى الانتهاكات اعلان وزارة الاسكان الإسرائيلية في 4 كانون الأول 2007 عن بناء 307 وحدة جديدة في «هارحوماه».

يشار الى ان قرارات الامم المتحدة تعتبر القدس الشرقية جزءا من الاراضي المحتلة عام 67 وبالتالي فانها لا تعترف بأية وقائع تفرضها إسرائيل بشكل احادي.

اما إسرائيل وجدت لنفسها مرجعية بديلة، وهي رسالة التعهدات التي وجهها الرئيس الاميركي جورج بوش الى رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق أرئيل شارون وجاء فيها:«انه ستؤخذ بعين الاعتبار الحقائق على الأرض في المرحلة النهائية».

وقال التفكجي ان الجانب الإسرائيلي استغل هذه التعهدات وبدأ بتكريس الحقائق على الارض، حيث عرض على شارون في 9/1/2004 مشروعاً يقضي بتقسيم الضفة الغربية الى ستة اقاليم معزولة عن بعضها وتعزيز الاستيطان في هذه الاقاليم وفي مقدمتها القدس، وغور الاردن الذي يشكل ثلث مساحة الضفة.

واضاف: أولمرت يسعى الى تحقيق رؤيته بان تكون هناك اغلبية يهودية مطلقة في القدس تصل 88بالمئة لليهود و12بالمئة للعرب، عن طريق ضم كتل استيطانية كبيرة مثل «معاليه ادوميم» وغفعات زئيف و«غوش عتصيون»، واقامة نحو20 الف وحدة استيطانية جديدة ، منها 11500 في منطقة عطاروت و5 الاف في جفعات ياعيل جنوبا اضافة الى آلاف الوحدات في «هارحوماه» و«معاليه ادوميم».

يذكر أن الفترة التي تولى فيها اولمرت رئاسة بلدية الاحتلال في القدس، منذ خريف العام 1993 وحتى مطلع العام 2003، شهدت أكبر المشاريع الاستيطانية في المدينة المحتلة، إن كان من حيث التخطيط أو التطبيق، وكل هذا بتزامن مع بدء مرحلة المفاوضات مع منظمة التحرير، ضمن مسار أوسلو.

ومن أبرز المشاريع الاستيطانية التي قادها أولمرت، بناء مستعمرة  «هار حوما» على جبل أبو غنيم، بين مدينتي بيت لحم والقدس، وإصراره على فتح النفق تحت المسجد الاقصى، نهاية أيلول 1996، وهو ما قاد الى صدامات عنيفة اوقعت اكثر من 80 شهيدا فلسطينيا.

وتدعي إسرائيل انها تفرق بين البناء الاستيطاني في الضفة الغربية وفي القدس وتقول ان عملية السلام لا تلزمها بوقف الاستيطان في القدس التي تردد دائما انها ستبقى موحدة تحت سيادتها، فيما يكتفي الجانب الفلسطيني بالمطالبة بوقف كافة الانشطة الاستيطانية، دون اتخاذ خطوة احتجاج عملية، ويصر على ان القدس هي واحدة من قضايا الوضع النهائي الخاضعة للتفاوض.

رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات لفت الى ان الحكومة الإسرائيلية طرحت عطاءات لبناء 1731 وحدة استيطانية منذ مؤتمر أنابولس في 2 كانون الأول 2007 وحتى 2 حزيران 2008، مقارنة مع 138 وحدة في الفترة نفسها من العام الذي سبقه.

واعتبر أن هذه الممارسات الإسرائيلية، تؤدي الى تدمير عملية السلام ونسف أي إمكانية لجعل 2008 عاما للسلام. وتساءل: لماذا تصر الحكومة الإسرائيلية على استقبال وزيرة الخارجية الأميركية في كل مرة بالمزيد من العطاءات الاستيطانية؟.

مثل هذه المواقف التي تكتفي بالتنديد والمناشدة من قبل المفاوض الفلسطيني لا يجدها الكثير من الفلسطينيين الرد المناسب على الاستهتار الإسرائيلي بعملية السلام، واستغلالها المفاوضات لانجاز مشروعها الاستيطاني، وكذلك على ما يرون فيه تواطؤا اميركيا مع هذه السياسة الإسرائيلية.

حاتم عبدالقادر مستشار رئيس الحكومة الفلسطينية لشؤون القدس، قال ان إسرائيل تريد بمخططاتها الاستيطانية المتتالية ان تقول للطرف الفلسطيني ان القدس خارج دائرة التفاوض، على الطاولة، وان الجرافات هي التي تتفاوض عليها وتحسم مصيرها.

ورأى ان المفاوض الفلسطيني يجب أن لا يكون جسراً سياسياً يمر من فوقه المشروع الاستيطاني الإسرائيلي وأن لا يكون جسرا سياسيا لتهويد القدس. عليه أن يقيم بشكل صريح وحازم، حقيقة الموقف الإسرائيلي من التسوية على اساس اقامة دولة فلسطينية مستقلة ومترابطة وقابلة للحياة وعاصمتها القدس.. والا لا جدوى من المفاوضات.

ومع كل يوم يمضي، تتراجع فرص الوصول الى تسوية بموجب الوعد الذي قطعه بوش على نفسه.

ولم يخف مسؤولون سياسيون إسرائيليون كبار شكوكهم في فرص نجاح المفاوضات الجارية مع الفلسطينيين، معللين ذلك بان «الوضع السياسي الداخلي في إسرائيل لا يسمح بأي تقدم، ولا توجد شرعية جماهيرية لأي خطوة من هذا القبيل».

ونقلت صحيفة «هآرتس» يوم الاحد عن هؤلاء المسؤولين القول:«إن الأحداث السياسية الداخلية تلقي بظلال على المسيرة السياسية وعلى زيارة وزيرة الخارجية الاميركية. وحسب الصحيفة فان الفلسطينيين عبروا خلال مفاوضات سابقة عن اهتمامهم بصيغة «وثيقة انتقالية» توثق ما تم الاتفاق عليه في المفاوضات مع إسرائيل، وتحديد آلية لمواصلة المحادثات بعد انتخاب إدارة جديدة في الولايات المتحدة وبعد الانتخابات في إسرائيل.

وفي ظل حالة الغموض التي تخيم على المفاوضات الجارية بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي، وتضارب التصريحات من كلا الطرفين حول ما تم انجازه، تبدو عمليات التوسع الاستيطانية هي الحقيقة الثابتة الوحيدة منذ مؤتمر أنابوليس، وما عداها ليس اكثر من وعود بتسوية او دولة لم تجد طريقها الى التحقق.

وخلص التفكجي الى القول:«الرؤية الإسرائيلية في النهاية تسير باتجاه ان لا تكون هناك دولة فلسطينية قابلة للحياة، واذا وجدت مثل هذه الدولة، فإنها ستكون دولة مواصلات، التواصل بين اجزائها فقط بالطرق، والانفاق وتكون ضمن نطاق استيطاني متصل جغرافيا ويمثل جزءا من إسرائيل ضمن حدود الضفة الغربية.

قناعات متزايدة بعبثية التفاوض: تل أبيب تتعمد مضاعفة الاستيطان في “أجواء السلام”
 
19-Jun-2008
 
العدد 31