العدد 31 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

براغماتي وخلافي بشكل بارز، ودافئ وطيب في آن..

أكسبه احترافه لكرة القدم كحارس مرمى مهارة التوقع، فكثيراً ما بز الرفاق وحاز قصب السبق.

ولد بسام حدادين في قرية ماعين العام 1949.

تحدر من أسرة فقيرة ، وهو الابن الأول من الذكور لأب جندي في الجيش العربي، درج أن يحمل عائلته مع حقائبه حيث تنقل.

سنوات طفولته أمضاها في مدن الضفة الغربية والشرقية . ومثلما يتعربش اللبلاب على الجدران العتيقة، تتعربش أحياء نابلس والقدس والخليل في ذاكرته تاركة أثرها في تكوينه الفكري. «هذا الترحال المتكرر حرره من ثقافة العشيرة والطائفة والجهة ودمجه في ثقافات متعددة ووسع من آفاقه». وفق ما يروي أحد معارفه.

مال في مقتبل صباه للرياضة ، وأهلته مواهبه ليكون الكابتن في أكثر من لعبة، لكنه أبدع في كرة القدم وكان أحد نجوم نادي الجزيرة.

تشاء المصادفات أن يكون أول حارس مرمى في تاريخ الأردن يقف على ستاد عمان الغربي عندما حرس مرمى المنتخب الأردني في افتتاح مدينة الحسين للشباب أمام الفريق المصري ،بحضور الملك الراحل الحسين.

داهمت حرب 1967 حدادين الطالب في المدرسة الإبراهيمية في الخليل، وحارس مرمى نادي شباب الخليل، فاستيقظ على الاحتلال وتركت الهزيمة أثرها في تكوينه .

ذكرى النزوح ما زالت ماثلة في رؤاه، فقد نزح وعائلته مع النازحين إلى الضفة الشرقية ، لتحط بهم الرحال في مدينة الزرقاء في «تسوية من غرفة واحدة لا تصلها الشمس وغير مقصورة ، وحمامها الخارجي بلا باب». وفق ما يستذكر.

كغيره من الشباب كانت ميوله قومية آنذاك، لكنه تعرف فيما بعد على المقاومة الفلسطينية ولم يلبث أن صار نصيرا للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.

أكمل دراسته الثانوية في مدرسة الثورة العربية الكبرى وسافر بعد حصوله على التوجيهي إلى ايطاليا لدراسة الطب.

أخذه العمل السياسي والطلابي في أوروبا بالكامل، وعرف إلى جانب ميشيل النمري بأنه من قادة الجبهة والعمل الطلابي الأردني في الخارج . كان دائم التنقل لدرجة أنه حمل لقب «ساكن القطارات»، وقرر أن يقطع دراسته للطب «على النقيض من كثير من الثوريين الذين كانوا أطباء» ليتحول الى دراسة الصحافة.

ترك أوروبا في العام 1977، وسافر مهربا إلى بيروت. ثم استقر به الحال في سورية.

يعزو رفيق زامله في أوروبا سفره الى أنه «اختار الذهاب الى لبنان للتفرغ للعمل النضالي المباشر».

.. قبل سنوات نشرت إحدى الصحف اتهاما مباشرا لحدادين بالمشاركة بسطو عناصر من «الديمقراطية» على البنك البريطاني في بيروت نهاية السبعينيات، لكن رفاق له ينفون التهمة، ويؤكدون أن عمله اقتصر على الجانب السياسي، فيما يعتبر هو أن التهمة لا تستحق التعليق.

ويقر آخر رافقه في بيروت ودمشق ودبت خلافات بينهما بأنه « كفاءة مميزة، براغماتي وذكي سياسياً، من الناس الذين اشتغلوا على أنفسهم وطوروا قدراتهم، وتعلم بصمت المهارات الحزبية وأعد ليكون قائداً».

بعد عقد من الغياب ، عاد بغتة مهرباً إلى عمان العام 1980 ، بعدما أوكلت إليه قيادة تنظيم الأردن للجبهة بهوية مزورة باسم «وائل سالم عيسى منصور».

لم ينقض عام على عودته حتى اعتقل وسجن لمدة أربع سنوات كاملة.

في فترة سجنه تعرف على الرفيقة التي غدت حبيبته ومن ثم زوجته وأم أولاده . وكانت تزور الرفاق السجناء.

خرج من وراء القضبان في العام 1984 بموجب إفراج جماعي، لكنه عاد واعتقل ثانية في نيسان من العام 1989 في مجمع النقابات المهنية .

وعت الجبهة التحولات الجارية في الأردن نهاية الثمانينيات، فعقدت مؤتمرا سريا لتأسيس حزب الشعب الديمقراطي الأردني«حشد» وانتخبت حدادين نائباً لأمينه العام.

أعتقل مجددا نهاية الثمانينيات ،وأمضى عاماً كاملاً في السجن بقرار من المحكمة العسكرية ، وترشح بعد خروجه مباشرة لانتخابات البرلمان الحادي عشر عن المقعد المسيحي في مدينة الزرقاء.

فوزه في الانتخابات كان مفاجئا حتى له، فقد كان غريبا عن الزرقاء، امضى جل سنوات عمره في الخارج أو في السجون، لكنه وفق ما يقر «لقي احتضاناً جماهيرياً عارماً وحاز أصواتاً من مخيم حطين «شنلر» أكثر حتى من الحركة الإسلامية».

دب الخلاف في «حشد» قبيل منتصف التسعينيات، على خلفية المتغيرات السياسية، وأدار حدادين التوجه القائم على قضيتين ، الأولى: استقلالية الحزب عن الجبهة الديمقراطية ، والثانية: الانفتاح الفكري في وجه الجمود العقائدي.

«كانت محطة تحول من اليسار الى اليسار، إلى اليسارية الوطنية التي تنطلق من البيئة المحلية وتطرح خطاباً سياسياً أردنياً مستقلاً». وفق حدادين.

ادى الخلاف داخل «حشد» الى تبلور موقفين في اول انتخابات جرت في ظل قانون الصوت الواحد العام 1993، أحدهما آزر حدادين والآخر رشح شقيق زعيم الجبهة الديمقراطية المحامي أديب حواتمة على المقعد نفسه. لكن حدادين فاز بجدارة، مؤكدا قوته وشعبيته مرة ثانية رغم إمكانياته المالية المتواضعة.

يجادل أحد رفاقه بأنه « شاطر جداً، وكفءُ.. وقصة نجاحه كنائب جديرة بالتقدير».

ويقول آخر « وعى حدادين لما يدبر ضده ، فرفض أن يدير الحزب حملته الانتخابية واختار طاقمه الحزبي من الذين يدينون بالولاء له، ونجح بذراعه».

يرجع حدادين الفضل في نجاحاته النيابية المتكررة إلى «تواصله وتعايشه مع الناس وإدراكه مبكراً لقواعد اللعبة، عبر مزجه بين العملين السياسي والخدماتي».

يعتبره إعلامي معروف بأنه «ذو خلفية سياسية عميقة تعطيه ميزة عن أقرانه النواب، عدل مع الزمن استراتيجيته من رؤية جذرية إلى إصلاحية». لكنه، أي الإعلامي، يشير إلى أن حدادين «رجل متناقضات، فهو يبدو أحيانا أنانيا وذاتيا وفي الوقت نفسه متواضعاً وطيباً».

انفصل وآخرون منتصف التسعينيات عن حشد، وأسس مع تيارات أخرى الحزب الديمقراطي الوحدوي الذي تحوّل في ما بعد، وبعد صراعات مع التيار القومي إلى حزب اليسار الديمقراطي.

يعتبره رفيق سابق له « من البرلمانيين القلائل الذين لهم رؤية شاملة، حافظ على صلاته أيام العمل السري بالحركة العمالية، وهو النائب رقم واحد من حيث المعرفة بقضايا العمال».

يتميز حدادين بالصلابة ، فقد سافر الى مرج الزهور مطلع التسعينيات للتضامن مع قادة حماس والجهاد الإسلامي المبعدين، ووصل المرج على متن حمار بسبب خطورة الطريق.

رغم كونه واحدا من الأربعة الكبار في مجلس النواب إلا أنه لم يشترك في أية ملاسنة أو مشاجرة، عدا مرة واحدة حين قاطعه أحد النواب، بالقول: بلا مزايدة، فرد عليه بسرعة بديهية يمتاز بها: بلا مناقصة!.

يتصف حدادين بالحذر الذي استقاه من حراسة المرمى، وأصعب محكاته ، كيفية الموازنة بين خلفيته وتطلعاته ومتطلبات عمله السياسي، مع الحفاظ على مرماه خاليا من الأهداف!.

بسام حدادين: حارس المرمى البرلماني
 
19-Jun-2008
 
العدد 31