العدد 31 - بورتريه
 

محمود الريماوي

بين قلة من السياسيين وأصحاب المواقع الرفيعة، فإن جواد العناني (65عاماً) لم يتغير عليه الكثير في مرحلة تقاعده. ما زال يقرأ ويكتب ويقوم بأعمال استشارية لمؤسسات كبيرة في حقل اختصاصه بعضها في دولة الإمارات، ويدير شركة "أبعاد" في شارع مكة في العاصمة، علاوة على انخراطه في مشاريع كبيرة منها مشروع جامعة العقبة للتكنولوجيا، التي يتولى موقع نائب هيئة المديرين فيها. من يزوره يلحظ عليه شكواه من ضيق الوقت. فيما ينظر للعمل العام (الحكومي) كجزء من الذكريات ومن ماضٍ مضى.

عاش أبو أحمد حياة منظمة بين حلحول مسقط رأسه والخليل ورام الله والقدس ثم عمان وبيروت والقاهرة والولايات المتحدة وأخيراً دولة الإمارات قبل عودته منذ نحو عام الى البلاد.الوالد المربي أحمد العناني غرس لديه ولدى مجموع الأشقاء (خمسة أبناء وبنت واحدة) روح الإسلام المعتدل وكذلك روح الحياة المنظمة والمنتجة والإنجاز الأكاديمي والنهم الى الثقافة. قرأ الفتى جواد مؤلفات طه حسين والعقاد وتوفيق الحكيم ونجيب محفوظ وآخرين وهو على مقاعد الدراسة الإعدادية والثانوية،(لم يعجبه إحسان عبدالقدوس آنذاك) وكانت إجازات الصيف المدرسية مقسمة بين صيفية العقاد وطه حسين و..و.وقد تربى لديه مذذاك دربة لغوية رافقت طيلة سني حياته،ومنها دراسته للعروض في الصف السادس الابتدائي بدفع من الوالد، فنشأت لديه أذن موسيقية.

تعلقه بالأدب والثقافة قاده لدراسة الاقتصاد لا الأدب، ولا الهندسة، وكان الوالد يرغب لابنه البكر في الأخيرة.فقد اكتشف أستاذ أميركي براعة الشاب جواد في كورسات الاقتصاد فيما كان يدرس الهندسة..فتحول اليه ونال الدكتوراه. وعاد بعدها للعمل في البنك المركزي.ثم صعد في المناصب الوزارية وصولا الى رئاسة الديوان الملكي في السنة الأخيرة من حياة الراحل الحسين، وفي الأشهر الأولى من عهد الملك عبدالله الثاني.، لينتقل بعدها عينا ثم يطلب منه تقديم استقالته إثر مقال كتبه في "البيان" الإماراتية.وكان موضوع مقالته عن طرد قياديين في حماس يحملون الجنسية الأردنية، ولم يكن عن "حقوق منقوصة " كما قرأه البعض متعمداً ربما.في رأي العناني أنه لا يجوز تسفير مواطن او منعه من العودة.. يمكن منعه من السفر نعم، أو محاكمته إذا كان هناك ما يقتضي ذلك قانوناً، أما الطرد او المنع من العودة فهو ما توقف عنده الكاتب.رغم أنه لم يكن قريبا من حماس أو سواها،وهو عهده حتى أيام الناس هذه.

كان من المستغرب أن يخوض العين العناني في مثل الشأن الذي خاض فيه، ولعل تفسير ذلك أنه يحتفظ بسمة المفكر، أكثر من صفة السياسي الذي يخضع في حركاته وسكناته لأدق الحسابات.

يتحدث عن تلك الواقعة التي وقعت قبل اربع سنوات وكأنها حدثت منذ أربعة عقود.لا يتأسى ولا يسرف في الشرح، بل يأخذ الأمور كما هي عليه مع ابتسامة لماحة.لم يجب حينها على استفسارات إعلامية تقاطرت عليه من كل حدب وصوب. ولم يكتب مقالاً "استدراكياً " فقد شاء أن تظل الأمور بحجمها حتى لو أنه تضرر منها في حينه، ناهيك عمن انبروا للتأويل والتقويل بحقه. وبالطبع لم يتحول العناني الى المعارضة حسب ظاهرة "الحرد "الأردنية الشائعة، لكنه ينزع لصياغة رؤى مستقلة لا موالية ولامعارضة.

لم ينتسب العناني لأحزاب كحال عبدالسلام المجالي الذي انتسب لحزب البعث في شبابه. والمحاولة اليتيمة العام 1980 لإنشاء "الحزب العربي الدستوري" مع المرحوم جمال الشاعر وشخصيات أخرى لم يقيض لها أن تتبلور وترى النور، وكانت بمثابة توجه لتجمع شخصيات أكثر منها توجهاً لإنشاء حزب. يستذكر أن المرحوم والده كان يستضيف في بيته في الخمسينيات رموزاً من حزب التحرير والإخوان المسلمين في محاولة للتوفيق بينهم.الأب احتفظ باستقلاله وكذلك الابن الأكبر جواد.

ظهوره قبل ثلاثة أسابيع في لقاء دعا اليه رئيس الوزراء عدداً من الشخصيات للتداول في الوضع الاقتصادي، يراه العناني عادياً لا يحتمل تأويلات "بعيدة" والمشاركة فيه "واجب وطني".

في رأيه، وهو الخبير الاقتصادي، أنه لا بديل عن زيادة الإنتاج، وبخاصة الغذائي منه، ومواجهة تحدي الطاقة بكل الوسائل الممكنة، مع ضرورة عدم المبالغة في التشاؤم، إذ إن أسعار النفط سوف تستقر عند حدود 125 دولارا للبرميل، وفي رأيه أن الغرب (الثماني الكبار) يتحمل القسط الأكبر من المسؤولية برفع أسعار منتجاتهم، إضافة لما أصاب الدولار من انخفاض مقابل العملات الأخرى.

بعيداً عن الاقتصاد يرى العناني، وهو من شارك في المفاوضات الأردنية الاسرائيلية وكان ذراعاً يمنى لرئيس الوزراء عبدالسلام المجالي، أن بقاء القضية الفلسطينية دون حل عادل، سوف يترك تأثيراته على معاهدتي السلام المصرية والأردنية. فمع الجنوح الى السلام، وهو خيار صحيح، فإن مقاومة الاحتلال الاسرائيلي دخلت في حالة من "الخصخصة" على حد تعبيره.فهناك تيارات اجتماعية أهلية تنشط في المقاومة أو تعتنق هذا الخيار مع جمود وتعثر السلام الذي اعتنقته الدول.لا يمكن برأيه استمرار هذا الوضع، فإما العودة الجدية الى خيار التفاوض، وصولاً الى إحراز تسوية للقضية الفلسطينية،أو أن تتعرض الدول والمجتمعات لهزات.

صاحب هذه الرؤية السياسية لم يسع لبناء تيار فكري أو سياسي كما يأخذ عليه البعض، إذ انهمك في النجاح الفردي (بعضهم يقول في البزنس).

أصدر العناني مع المجالي ومنذر حدادين في العام الماضي كتاباً عن "صنع السلام بين الأردن، وإسرائيل"باللغة الإنجليزية، وكان أصدر خلال الأعوام الثلاثة الماضية في الإمارات كتابين " ارتفاع اسعار النفط بين العلم ونظرية المؤامرة" و"الجدوى والصدقية أهم تحديات الإعلام العربي".

مع تخصصه في الاقتصاد وإشغاله مناصب حكومية رفيعة ومع نشاطه الإعلامي الجم ( كتب في صحف محلية وعربية وما زال، وأعد وقدم برامج في التلفزيون الاردني وتلفزيون دبي) فقد أصدر مجموعتين قصيصتين : الأولى بعنوان "صفية بنت الأرض، والثاني " عيون ليلى" في أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات. و لديه مجموعة قصصية ثالثة لم تنشر بعد.

وجد العناني دائما الوقت للانشغال باهتمامات شتى. حتى إنه كان يكتب في صحف محلية بأسماء مستعارة، وحدث أن قام مرة بكتابة مقال ضد قانون العمل وضد الوزير حين كان وزيراً للعمل في حكومة مضر بدران الثالثة عام 1980، وذلك حين أعيته الحيلة في إقناع مجلس الوزراء بتعديل القانون!.

الآن وقته يضيق وأفقه يتسع ولا يتخلى عن المواظبة عن العمل ابتداء من الثامنة صباحاً.

جواد العناني: الخصخصة من الاقتصاد الى السياسة
 
19-Jun-2008
 
العدد 31