العدد 31 - أردني
 

السّجل - خاص

يعتبر مجلس الوزراء أم المؤسسات في الدولة المعاصرة؛ ففي المجلس ترسم سياسات الدولة الإستراتيجية تجاه قضايا الدولة الداخلية كافة، وفيه ترسم السياسة الخارجية أيضا. كما أن مجلس الوزراء هو الجهة الملتزمة بتنفيذ هذه السياسات.

لمجالس الوزراء هويات سياسية وفكرية، هي تلك التي يتم على أساسها اختيارها، بعد أن تكون قد فازت الأحزاب والتيارات التي تمثلها في الانتخابات التي تجري على أساس برامج محدده، برامج تختلف ما بينها في التصورات والرؤى والوسائل وأساليب التنفيذ. وعادة ما تكون هذه الخلافات التي تحاول الكتل المترشحة عرضها بما أمكنها من الوضوح، محور الحملات الانتخابية التي تقوم بها الأحزاب المتنافسة. عليه فإن الحزب، أو التيار الذي يتمكن من النجاح عليه أن يتحمل عبء تطبيق برنامجه الذي انتخب على أساسه، ويصبح بذلك مسؤولا أمام المجالس التشريعية المنتخبة، وموضوعا لمساءلتها ومحاسبتها، فالمجالس المنتخبة هي في النهاية نتاج الإرادة الحرة للرأي العام الذي يختار حزبا أو تيارا معينا دون غيره، بناء على برنامجه الذي طرحه في حملته الانتخابية. والذي يعني بالضرورة التصويت على أساس رؤية الناخب لمصالحه.

جذور هذه الأفكار والرؤى أصبحت معروفة، سواء من خلال الثقافة السياسية التي اتسع نطاقها مع انتشار وسائل الاتصالات من فضائيات وإنترنت وغيرها، أو من خلال تجارب شعوب كثيرة خاضت معارك انتخابية متكررة. في هذا الإطار، يحدث أن تكون برامج بعض الحكومات غير شعبية، فينشأ هناك تذمر لدى المتضررين من تطبيق تلك البرامج، لكن الحكومات عادة ما تصمد أمام الانتقادات والاضطرابات ماضية في تطبيق برنامجها الذي وضعته وانتخبت على أساسه، والفيصل في ذلك كله هو الانتخابات المقبلة.

الأساس الذي يقوم عليه هذا التقليد الذي تتبعه الدول الديمقراطية، هو انتماء فريق الوزراء إلى منظومة فكرية وقيمية واضحة ومحددة ومعلنة للجميع،  وهو ما يجعل الحزب المنتخب حريصا على اختيار طاقم وزاري متجانس في أفكاره ورؤاه، بحيث تكون روح الفريق هي التي تسيره، والبرنامج الذي يطبقه هو حاضنة الهدف الاستراتيجي الذي يسعى إلى تحقيقه.

ما يجري عندنا في الأردن هو على العكس من ذلك، حيث يعين الرئيس الوزراء، من خارج الأحزاب في العادة، والذريعة هي ضعف الأحزاب وعدم فاعليتها، فتتحول عملية تشكيل الوزارات إلى ما يشبه الجاهات.

واليوم بعد مضي نحو ثمانية عقود على تأسيس الدولة، ما زال تعيين رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة لغزا يحل مع إعلان الرئيس المكلف، والذي يبقى لغزا حتى يعلن عن اسمه رسميا. وبعد ذلك تبدأ جولة من التكهنات بأسماء الطاقم الوزاري الذي يختاره رئيس الوزراء المكلف.

رئيس الوزراء المكلف يبدو وكأنه في سباق مع الزمن لتشكيل حكومته، فهو غالبا ما ينتهي من مهمته في فترة قياسية عادة ما لا تزيد على  48 ساعة. بدلا من اختيار الطاقم من الحزب الفائز لتطبيق برنامجه، كما هي العادة في البلدان الديمقراطية، تتخذ عملية التشكيل اتجاها آخر، إذ تراعي العملية حسابات عديدة قد تكون مهمة، ولكن لا علاقة لها إطلاقا بتطبيق رؤية مشتركة للتغير الاجتماعي وبناء مكاسب  تراكمية تساعد، في النهاية، على تحقيق قفزة نوعية تنعكس في صورة حياة أفضل للمواطن. وتكون النتيجة فريقا غير متجانس فكرياً أو قيمياً، بل فريق تم تزيينه ببعض التكنوقراط، لكن السمة الغالبة عليه هي العشائرية والجهوية. وحتى النسب أحياناً "وتزين" الطاقم بعده أسماء تكنوقراط فتكون التركيبة أقرب الى الجاهة منها الى مجلس الوزراء.

وما زال الأردنيون يتذكرون ما حدث لحكومة عدنان بدران التي شكلها عام 2005، والتي خلت من أي مرشح من منطقة الجنوب، فكان أن عاد ليضيف وزيرا يسد الثغرة الجهوية، في مثال صارخ على تناقض ما يجري في بلادنا عما يجري عادة في بلدان العالم الأخرى.

سياسة الاسترضاء هذه تصطدم مع أي رؤية إصلاحية، إذ تؤدي في النهاية إلى إضعاف الحكومة وشل عملها، وبالتالي رحيلها قبل أن تنجز المهمات التي جاءت من أجل تنفيذها.

في ظل عدم وجود حكومات لا تمثل أحزابا انتخبت لتنفذ برامجها، ربما يكون أفضل السبل لتشكيل الحكومات في بلادنا التي تمر بمرحلة انتقالية، هو عدم التسرع في اختيار الطاقم الوزاري، بل التأني في التشكيل، بحيث يكون من الأسفل إلى الأعلى وليس من الأعلى إلى الأسفل، بمعنى أن تعيين الأشخاص – وهم أدوات التغيير – يجب أن يتم بناءً على تطابق رؤاهم ومصالحهم مع رؤى الدولة، التي باتت معروفة الآن، في الإصلاح والتطوير بما يتعلق بالملفات الأساسية من مياه، وسكن، وتعليم عال، وتربية، وسياسة مالية، وسياحة، وعمل إلخ.

في هذه الحالة تكون النتائج وحدها هي الكفيلة بحشد التأييد للفريق الوزاري الذي توافرت فيه المعايير التي يجب توافرها في تشكيل الأطقم الوزارية. وعندها يمكننا إصلاح الخلل الأساسي الذي أدى إلى غياب التراكمية وأدخل المزاجية في عمل أم المؤسسات، وساهم في خلق حكومات ظل ومؤسسات مستقلة كثيرة تقصر عمر الحكومات التي أصبحت آجالها معروفة للجميع.

الحكومة “أُم المؤسسات” لا “جاهات”
 
19-Jun-2008
 
العدد 31