العدد 31 - أردني
 

محمد المصري

عكست نتائج استطلاع الرأي العام حول تقييم أداء حكومة نادر الذهبي بعد مضي 200 يوم على تشكيلها، والذي أعلن نتائجه مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية، عن مجموعة من القضايا ذات الأهمية البالغة. فلقد تراجع تقييم الرأي العام لأداء الحكومة – وبشكل جوهري من الناحية الإحصائية- مقارنة مع توقعات الرأي العام بنجاح الحكومة عند التشكيل أو تقييم الرأي العام في استطلاع المائة يوم. من كان يراهن على ثبات تقييم أداء الحكومة على المستويات نفسها، التي أظهرها نتائج استطلاع تقييم أدائها بعد مائة يوم على تشكيلها، لم يكن قادراً على قراءة المزاج العام. فمن الواضح أن مفتاح كسب ثقة الشارع الأردني، هي قدرة أي مسؤول أو أية حكومة على التعامل مع القضايا الاقتصادية الملحة، والتي ازدادت سوءاً بفعل معدلات التضخم العالية في الأردن خصوصاً، والارتفاع العالمي للأسعار وبالذات النفط ومشتقاته.

ويجمع الرأي العام الأردني اليوم وبنسبة غير مسبوقة (71%) على أن "ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة" هو التحدي الأساسي الذي يواجه البلاد وعلى الحكومة القيام بإجراءات ما للتصدي لهذا التحدي. إن هذا الإجماع لا يعني على الإطلاق أن الشارع يحمل هذه الحكومة أو رئيسها مسؤولية ارتفاع الأسعار، فمن الواضح أن هنالك فهما جيدا لحقيقة أن ارتفاع الأسعار في البلاد هو في اطار عجز الموازنة المزمن والارتفاع العالمي لأسعار النفط، ومع ذلك، فالشارع يعتقد جازماً بأن الحكومة صاحبة الولاية العامة وصانعة السياسات العامة يجب أن تأخذ إجراءات ما، حتى لو كانت تدخلية في الاقتصاد، من أجل تخفيف العبء المترتب على ارتفاع الأسعار. لذا فقد كانت «المقايضة» التي اقترحتها الدولة ونفذتها الحكومة عند رفع الأسعار لأول مرة في عمرها في شباط- 2008، ذات أثر ايجابي على تقييم الحكومة في استطلاع المائة يوم، كان تقييم أداء الحكومة في ذلك الاستطلاع مقارباً لتوقعات الرأي العام لنجاح الحكومة في استطلاع التشكيل. لذا، فإن تراجع تقييم الرأي العام لأداء الحكومة في استطلاع المائتي يوم هو انعكاس لانطباعات وآراء المواطنين على أن الحكومة يجب أن تقوم بإجراءات لمواجهة ارتفاع الأسعار أو لتحسين الأوضاع الاقتصادية بحيث يستطيع المواطنون أن يتعاملوا مع ارتفاع الأسعار. ولعل هذا الاستطلاع يقدم خارطة طريق، وإن بطريقة إحصائية، إلى قضايا يمكن لهذه الحكومة أن تستعيد بها ثقة الشارع التي فقدت خلال فترة المائتي يوم الماضية، أو تساهم في تعزيز ثقة المواطنين الذين يولونها هذه الثقة.

من القضايا التي تشير إليها نتائج الاستطلاع أن الحكومة غير ناجحة في معالجتها محاربة الفساد، وتحقيق مبدأ تكافؤ الفرص بين المواطنين. إن العمل باتجاه مثل هذه القضايا قد يكون له مردود يخفف من العبء الذي يشعره المواطنون في ظل ارتفاع الأسعار. إضافة إلى ذلك، فإن العمل باتجاه شمولية التأمين الصحي وتطوير الخدمات العامة، وبالذات تلك المتعلقة بالخدمات الاستراتيجية، يلعب دوراً أساسياً في استعادة الحكومة لثقة الشارع الذي يعتبر أن مثل هذه الإجراءات تأتي في إطار الولاية العامة للحكومة ومسؤولياتها في حماية السلم الاجتماعي وحماية المتضررين في اطار الدولة.

في هذا الإطار يظهر أن أحد دوافع تقييم أداء الحكومة في استطلاع المائتي يوم كان "مبادرة سكن كريم لعيش كريم"، حيث أن هنالك شبه إجماع لدى الرأي العام على أن هذه المبادرة ايجابية، وأن تنفيذها سوف يساهم في حل مشكلة السكن للفئات المستهدفة. بل إن خمس الرأي العام تقريباً أفاد بأنه قدم طلبات ليستفيد من هذه المبادرة. مثل هذا التقييم الايجابي للمبادرة يكشف عن بعدين هامين، الأول: أن مثل هذه المبادرات تلعب دوراً أساسياً في تقييم الرأي العام لأداء الحكومة التي تقوم بتنفيذ مبادرات لتخفيف عبء ارتفاع الأسعار عن المواطن.

الثاني: أن تعميم مثل هذه المبادرات التي تستهدف فئات مهمشة أو على باب التهميش، يعيد رسم العلاقة بين المواطنين والحكومة. فالحكومة هي الجهة التي يجب أن تتقدم بحلول مبدعة لتساعد المواطنين والدولة على تخطي الأزمات، فالحكومة ليست في مقعد المتفرج وإنما المشارك.

الأهم من هذا وذاك، أن الرأي العام يتعامل مع مبادرة الإسكان على أنها سياسة سوف تؤدي إلى نتائج حقيقية. فأن تتحول هذه المبادرة إلى حملة علاقات عامة أو حقنة تسكينية وليس إلى مساكن، يعني انهيار الثقة في الحكومة، بل قد يمهد لتراجع عام في ثقة المواطن في الدولة بصفة عامة.

وفضلا عن أن ارتفاع الأسعار وتحسين الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، أو العمل على اجراءات توازن العبء المتأتي من ارتفاع الأسعار هي البوابة الرئيسية للمزاج العام ولتقييم ثقته في الحكومة، فإن هنالك مجموعة من القضايا التي يظهرها هذا الاستطلاع التي يبدو أنها تأخذ طريقها لتحتل مكانا جوهرياً في المجال العام وحواراته. فالسياسات الاقتصادية المتبعة لمعالجة الأوضاع الاقتصادية جاءت بوصفها ثاني أهم التحديات التي تواجه البلاد من قبل مستجيبي عينة قادة الرأي. وهذا يثير تساؤلاً جدياً حول جدوى مجموعة من السياسات الاقتصادية التي بُدئ بتطبيقها في البلاد منذ نحو عقدين من الزمن. وهي انعكاس للحوار العام في البلاد حول نجاعة هذه السياسات والمروجين لها.

أما في المجال غير الاقتصادي، فلأول مرة تدرج عينة قادة الرأي العام الشفافية في بيع ممتلكات الدولة، كإحدى التحديات الرئيسية التي تواجه البلاد، والتي تحتاج إلى معالجة، إضافة إلى أن قادة الرأي العام أجمعوا، لأول مرة على الإطلاق، على أن تفعيل الدستور وتحقيق مبدأ الولاية العامة للحكومة هي تحديات تواجه البلاد، وهو ما يعكس، إلى حد كبير، الحوار الذي يدور، بشكل خجول في المجال العام، وبشكل واسع في المجال الخاص، عن أن الحكومات يجب أن ترتقي إلى دورها الدستوري.

إن أهمية ورود مثل هذه التحديات بين أفراد عينة قادة الرأي، التي تمتلك الوسائل والمنابر للتأثير على الرأي العام، يشير إلى أن مثل هذه التحديات قد تجد طريقها لتصبح إحدى التحديات التي أوردها الرأي العام (المواطنون) في استطلاعات مقبلة.

إن استعادة ثقة الشارع في حكومة أو المحافظة على ثقته في حكومة أو في مؤسسة من مؤسسات الدولة، يرتكز على التعامل مع القضايا الأساسية للمواطنين، سواء كان هذه التعامل مباشراً أو في اطار تخفيف وطأة هذه القضايا على حياة المواطنين. على أن هذا التعامل ينبغي أن يتم في إطار الجدية التامة وليس في إطار العلاقات العامة، فوعود أو خطط في إطار العلاقات العامة أو حملات التسكين، ستؤدي إلى استعادة الثقة لفترة وجيزة يتبعها أثر أكثر سلبية من قبل.

إستطلاع “200 يوم على حكومة الذهبي” مواجهة التحديات لا العلاقات العامة
 
19-Jun-2008
 
العدد 31