العدد 31 - أردني | ||||||||||||||
أحمد اللوزي: عميد الرؤساء صاحب "الحمل الثقيل" بعد اغتيال وصفي التل، الذي ربما كان الشخصية السياسية الأكثر شعبية بين رؤساء الوزارات، من قبل،تنظيم "أيلول الأسود"، في القاهرة عام 1971، حيث كان يشارك في اجتماع لمجلس الدفاع العربي المشترك، كان على احمد اللوزي وزير المالية في حكومة التل، أن يتسلم دفة السلطة التنفيذية، وليخلف الرجل الذي ودعه في المطار، وكانت آخر جملة قالها للوزي،بحسب ما يستذكر في لقاء صحفي: "والله يا أخي بنشرنا، بس أرجع بدي أستقيل"، يواصل اللوزي بحسرة:"ولم يرجع ابداً". وعلى اثر ذلك كلفه الراحل الحسين بتشكيل الحكومة، فما كان منه إلا أن أبقى على تشكيلة التل، ولم يغير فيها أي وزير، ليواصل ما بدأه وصفي. في الوقت نفسه، عمل اللوزي جاهداً على ترتيب البيت الداخلي الأردني، وتنقية الأجواء مما علق فيها، في حقبة ازدحمت بالأحداث التي عصفت بالأردن، وواصل ذلك إلى أن تقدم باستقالة حكومته الأولى يوم 21 آب 1972، فعهد الملك الحسين إليه بتأليف حكومة جديدة. وقد ألفها كما كانت العادة في ساعات، في اليوم نفسه، وفي عهد هذه الحكومة بدأ تنفيذ خطة التنمية الثلاثية مع مطلع عام 1973. اليوم يحبذ كثيرون إطلاق لقب"عميد الرؤساء" على أحمد اللوزي، فهو أكبر رؤساء الوزراء السابقين سنا، وبرغم تجاوز سني عمره الثمانين، فإنه ما زال يستقبل محبيه بابتسامته العفوية. اللوزي الذي أخذت السياسة ومعتركات الدبلوماسية، زهاء نصف قرن من عمره، ولد في منطقة الجبيهة التي كانت قرية صغيرة بالقرب من عمان، في العام 1925، وأتم دراسته الابتدائية والإعدادية في عمان، ثم يمم وجهه شطر السلط ليدرس فيها المرحلة الثانوية في مدرسة السلط، ثم شد الرحال إلى دار المعلمين في بغداد ليحصل منها في العام 1950 على ليسانس الآداب. بعد عودته انخرط في سلك التدريس فدرّس في مدرسة السلط وكلية الحسين الثانوية ما بين عامي 1950 و 1953، حين ترك التدريس ليلتحق بالقصر الملكي، ويشغل منصب مساعد رئيس التشريفات الملكية، ثم رئيسا لها في العام 1956، وفي عام 1961 انتخب نائباً في مجلس النواب عن إحدى دوائر عمان. في العام 1963 عاد إلى العمل في القصر، لكن هذه المرة، مساعداً لرئيس الديوان الملكي، ومن ثم وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء في العام 1964، بعدها بعام دخل اللوزي مجلس الأعيان وبقي عضا فيه حتى عام 1967، وهو العام نفسه الذي شغل فيه حقيبة وزارة الشؤون البلدية والقروية، ومن ثم عين وزيراً للمالية في حكومة وصفي التل عام 1970. في عهد اللوزي كان الدينار مربوطاً بالدولار، وحصل للدولار ما يحصل الآن فهبط سعر الدينار في الأسواق العالمية، وارتفعت الأسعار، وصرح اللوزي في حينها، أن سعر صرف الدينار بالنسبة للدولار لم يتغير مبطناً بذلك تردي سعر الصرف مقابل العملات الأخرى. وعمل لفترات طويلة رئيساً للديوان الملكي بين عامي 1979-1984، وعضواً ورئيساً في مجلس الأعيان بين عامي 1984-1997. ولعل اللوزي، لم يفارق مهنته الأولى في التدريس، بالرغم من تعدد المناصب التي شغلها في الأردن، حيث بقي يمتاز بالهدوء المشوب بالحذر، فلا يحب الجدال أو الدخول في معارك سياسية. وقد نشط اللوزي في الأعمال الخاصة بالعناية بذوي الاحتياجات الخاصة، تحديداً المكفوفين، وفي مطلع أيار/مايو الماضي فاز اللوزي برئاسة الاتحاد الآسيوي للمكفوفين، كما يرأس على الصعيد المحلي جمعية الصداقة للمكفوفين في الأردن. ويتابع المسيرة نجله الأكبر ناصر الذي تقلد مناصب سياسية عدة.
** زيد الرفاعي: تلميذ كيسنجر.. المحافظ لم يجد زيد الرفاعي «الطالب» في جامعة هارفرد، ما يهديه لأستاذه، وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر، الذي كان يقوم بجولاته المكوكية، أفضل من كوفية حمراء اعتمرها الأخير في لقطة تذكارية نشرت في صحف عالمية. زيد الرفاعي إبن رئيس الحكومة الاسبق سمير الرفاعي، ووالد وزير البلاط الاسبق سمير الابن، لا يعمل في الخفاء، وهو خصم لدود لكل النشطاء السياسيين من أجل الديمقراطية. يجاهر بآرائه المحافظة حول قضايا الإصلاح وتطوير القوانين والانفراج السياسي، إلا انه يعد الأقرب إلى توجهات السوق من معاصريه من رؤساء حكومات سابقين. حين شكل الرفاعي حكومته الأولى عام 1973، لم يكن قد شغل منصباً وزارياً من قبل، تماما مثل وصفي التل. مع ذلك فقد شكل أربع حكومات في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، في منعطفات حرجة على الصعيد الإقليمي. أما حكومته الأخيرة والأطول عمراً، فجاءت في الأعوام 1985 - 1989، وهي فترة نشطت المملكة خلالها في البحث عن حل لاستعادة الضفة الغربية على أساس قراري مجلس الأمن 242 و338، فسعى الرفاعي للإمساك بالوضع الداخلي بيد من حديد، فتوسعت حكومته في استخدام التعليمات العرفية التي طالت تقريباً كل شيء بما في ذلك مجالس إدارات الصحف اليومية المنتخبة. لكن تلك المساعي انتهت إلى حيث لا يريد، فالانتفاضة الفلسطينية، شكلت معطى سياسياً لم يكن ممكناً تجاهله، فكان إعلان فك الارتباط القانوني والإداري مع الضفة الغربية في عهده، ما فتح الأبواب أمام منظمة التحرير الفلسطينية لإعلان ولادة دولة فلسطينية أصبح لديها سفارة في العاصمة عمّان. بالغ الرفاعي في المراهنة على معالجات طارئة لمشكلة عجز الأردن عن سداد مديونيته الخارجية، لكن هذا لم يصمد أمام استفحال المشكلة، فكان ذلك مقدمة لانهيار الدينار الأردني وفقدان أكثر من 50 بالمئة من قيمته مقابل الدولار. تلا ذلك التزام الحكومة ببرنامج للتصحيح الاقتصادي فرضه صندوق النقد الدولي كشرط لجدول الديون الخارجية. هذا البرنامج تطلب شد الأحزمة على البطون، بتقليص الإنفاق العام وبداية مسلسل رفع الدعم عن مواد أساسية، وكان ذلك مقدمة لانفجار حالة الاحتقان بدءاً من معان في جنوب الأردن، والتي كان ينظر إليها بصفتها قاعدة اجتماعية أساسية للحكم. قبل ذلك كان عهده قد شهد اقتحام جامعة اليرموك عام 1986، والتي أثرت سلبا على السجل الأكاديمي للمملكة، غير أن النهاية الدرامية لرجل أدمن الحكم من موقعه على رأس السلطة التنفيذية كانت على وقع أحداث معان في نيسان 1989. وقد قيل في الأحداث التي بدأت من معان وانتشرت حتى وصلت عمّان، أن السبب الوحيد وراءها كان هو ارتفاع أسعار المحروقات، لكن تقرير مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية الصادر في العام 2003 بعنوان "معان أزمة مفتوحة "، أكد أن السبب الأهم للأحداث هو الخلافات في حلقات الإدارة العليا للدولة. تولى الرفاعي رئاسة الاعيان في العام 1997 وإلى اليوم، بعد ان فك الملك الحسين الراحل الدائرة المغلقة عن الرجل الذي عاد إلى مجلس الأعيان في العام 1993 عضوا تحت رئاسة أحمد اللوزي، فإن أحاديث دارت همساً تحدثت عن إعفاء الرجل من منصبه، لكن سرعان ما بددت هذه الأحاديث بعودته إلى رئاسة مجلس الملك الخاص "الأعيان"، طوال السنوات التسع الماضية. سياسي محافظ، لم يكن يتردد في التعبير عن نزعته المحافظة، وفي هذا الإطار قاد في العلن هجوماً على مشروع الأجندة الوطنية، وعلى قانون الانتخاب النسبي. في العام 1991 تقدم مجلس النواب الحادي عشر بطلب محاكمة الرفاعي على خلفية الادعاء بوجود "شبهة فساد"، إلا أن الرجل تمكن من تجاوز هذه المحنة بفارق صوت واحد، كان للنائب ونقيب المحامين السابق حسين مجلي الفضل فيه. إنه أبرز السياسيين الأردنيين الذين انخرطوا "منذ عقود في مطبخ السياسة الأردنية، لذلك ينطبق عليه لقب صانع سياسات بين عهدين".
** مضر بدران: الأمني، مؤصل العهد الديمقراطي برغم أن الرئيس مضر بدران، شكل ثلاث حكومات في الفترة 1976- 1984 في فترة الأحكام العرفية، فإن حكومته الرابعة التي شكلها إثر انتخابات مجلس النواب الحادي عشر عام 1989، كانت الأكثر قبولاً شعبياً، والأوسع تأثيراً على مسار الأردن اللاحق، ما أهلّ بدران لأن يضيف لرصيده كرجل دولة، صفة رجل مرحلة، مستظلاً بخيار القصر الحاسم نحو التحول الديمقراطي. بدران الذي يعدّ بمثابة "المؤسس الثاني" للمخابرات العامة بعد محمد رسول الكيلاني، والرجل الذي قاد حكوماته السابقة في ظل الأحكام العرفية، هو من أطلق العنان لتصفية آثار الحقبة العرفية. ونفذت حكومته الرابعة كل الإجراءات والمواقف الممكنة دون تأخير، قبل أن يذهب لطلب الثقة من مجلس النواب. مضر أكد للمجلس توافر الإرادة السياسية لإلغاء الأحكام العرفية وتصفية آثارها، وهو أوفى بوعده، إذ أعيدت الجوازات المحجوزة إلى أصحابها، وأعيد المفصولون لأسباب سياسية إلى أعمالهم، وسمح للسياسيين بالعمل والسفر والتنقل بحرية. وأفرج عن المعتقلين السياسيين، وأعيدت مجالس الإدارة المنتخبة للصحف الأردنية الثلاث، وألغي قرار حل رابطة الكتاب الأردنيين. بدران بشّر مجلس النواب بالتوجه الملكي لصياغة "ميثاق وطني" يستهدف ترسيخ المفاهيم السياسية التي ستعمل الدولة بموجبها وتقوم التنظيمات السياسية على أساسها. كما وعد بالعمل على إنشاء محكمة دستورية، وتحصين القرارات الإدارية من الطعن فيها لدى القضاء. وفي الرد على كلمات النواب، أكد بدران التوجه لإلغاء قانون الدفاع وقانون مكافحة الشيوعية، ووعد بإعادة النظر في قوانين الانتخاب والأحزاب السياسية والمطبوعات، وطمأن النواب إلى عدم تدخل الأجهزة الأمنية في التعيين في وظائف الدولة والبعثات الدراسية ورخص المهن والجمعيات الخيرية والأندية والنقابات المهنية والمؤسسات الخاصة. قال جورج حداد معلقاً على مناقشات الثقة "أثبت الرئيس مضر بدران أن مهارته في إظهار الحرص على رفع مستوى الحوار، ليست دون رغبته في السير باللعبة الديمقراطية إلى نهاياتها الإيجابية المتوخاة" (الدستور 2/1/1990). وأشاد محمود الكايد "بسعة صدر الحكومة" والإعلان عن استعدادها "تنفيذ ما طالب به النواب تحقيقاً لرغبات الشعب" (الرأي 4/1/1990). ولفت طاهر العدوان (الدستور4/1/1990) النظر إلى أن النواب تحدثوا 30 ساعة، ثم "أدلى الرئيس ببيانه لينسف معظم ما قدمه النواب خاصة في مجال النقد والمحاسبة." على أي حال، لم يكن استحقاق الانفراج الديمقراطي في زمن حكومة بدران هو الأصعب، أمام انكشاف عجز الأردن عن تسديد مديونيته الخارجية عام 1988، واضطراره اعتماد برنامج تصحيح اقتصادي فرض على البلاد رفع الدعم عن سلع وخدمات، وترشيد الإنفاق الحكومي، في ظل انهيار سعر صرف الدينار مقابل الدولار إلى النصف وتفاقم الأعباء المعيشية. اجتياح الكويت على يد القوات العراقية، كان هو الآخر من أخطر التحديات التي واجهتها حكومة بدران مع عودة زهاء 300 ألف من المغتربين، وسيادة المشاعر المناهضة للولايات المتحدة في الشارع الأردني، وتعرض الأردن إلى أشكال من الحصار الاقتصادي موازية للحصار على العراق. لكن بدران الذي نجح في تحييد الإسلاميين وإلحاق خمسة منهم بركب حكومته، استفاد ببراعة من إنجازات حكومته في ملف التحول الديمقراطي، لمواجهة تحديات الملفين الإقليمي والاقتصادي. حكومات بدران السابقة، كان من أبرز معالم أدائها: إصدار قانون الضمان الاجتماعي 1978، تشكيل المجلس الوطني الاستشاري 1978 للتعويض عن غياب الحياة البرلمانية، وانعقاد المجلسين الأول والثالث في عهدها، إنشاء جامعة اليرموك، توتر العلاقات مع سورية بسبب تهمة الأخيرة للأردن بدعم الأخوان المسلمين السوريين، استحداث وزارة شؤون الأرض المحتلة (1980) التي كانت مؤشراً على احتدام الخلاف مع منظمة التحرير الفلسطينية.
طاهر المصري: الديمقراطي الذي لم يقاتل يقول عدنان أبو عودة إن طاهر المصري كان أول طفل يشاهده مرتديا "بدلة"، حيث كان أبو عودة يعمل في مصبنة آل المصري في الصيف، في نابلس ووقتها شاهد طاهر الذي كان في الثامنة، وحين سأل عنه قيل له، هذا طاهر ابن نشأت المصري. ويعتبر المصري من أكثر رؤساء الوزارات "ترفا"، وكانت حكومته القصيرة العمر بحق أول حكومة ذات توجه ديمقراطي حقيقي في تاريخ البلاد، إذ دخل الوزارة وزراء من "خريجي السجون"، وبقي المصري منسجماً، مع ذاته ديمقراطياً كما كان قبل التشكيل، يطالب بتعديل قوانين الانتخاب والاجتماعات العامة، وتوسيع المجال العام. شكل طاهر المصري حكومته اليتيمة، التي لم تعمر أكثر من ستة أشهر، في 19 حزيران/يونيو 1991، حين كلفه الملك الراحل الحسين بتشكيل حكومة في ظل ظروف سياسية وإقليمية عصفت بالمنطقة، فالمملكة كانت تتعافي من حقبة أحكام عرفية، وآثار الحرب على العراق التي جاءت على خلفية احتلاله للكويت، كانت لا تزال تلقي بظلالها على البلاد، فيما كانت إسرائيل تعلن نيتها تحقيق سلام مع الدول العربية من خلال التحضير لمؤتمر مدريد. تقدمت الحكومة ببيانها الوزاري لنيل الثقة في11 تموز/يوليو 1991، وركز البيان على احترام حقوق المواطن وترسيخ الوحدة الوطنية، وعلى وضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتنظيم الجهاز الإداري لمواجهة البطالة ووضع تشريعات خاصة بالحريات الدستورية كالأحزاب والمطبوعات، وضرورة تهيئة المناخ المناسب لإزالة الشوائب التي عكرت صفو العلاقات العربية، ووحدة العراق وفك الحصار عنه ورفع معاناة الفلسطينيين والأردنيين في الكويت. إلا أن حكومة المصري واجهت أزمة مع مجلس النواب الذي كان يضم 22 نائباً من الإخوان المسلمين، ناصرهم في التلويح بطرح الثقة بالحكومة 16 نائباً من اتجاهات قومية ويسارية وإسلامية ومستقلون، تحت ذريعة تبني الحكومة المشاركة في التحضيرات لمؤتمر مدريد للسلام. وقد وضعت حكومة المصري في مأزق حرج على اثر تسرع أربعة وزراء بتقديم استقالاتهم من حكومته، احتجاجاً على دور الحكومة في التحضير للمؤتمر، وهم: محمد فارس الطراونة الذي حمل حقيبة شؤون رئاسة الوزراء، سليم الزعبي، الشؤون البلدية والقروية والبيئة، رائف نجم، الأوقاف والمقدسات الإسلامية، محمد الحموري، التعليم العالي، فاختار المصري الاستقالة رافضا خيار حل البرلمان. في لقاء مع مجلة "اللويبدة" يصف المصري تلك المرحلة بقوله :"طلبت من الملك رحمه الله قبول استقالتي فرفض ذلك، وقال لي: كل الحكومات تتعرّض للمضايقات، فقلت له: يا جلالة الملك، نحن عانينا من الحصار، ونتطلّع إلى اليوم الذي نخرج منه، فإذا حصل أي شيء في البلد، سواء لجهة حلّ مجلس النواب، أو لجهة إسقاط الحكومة، فإنّ كلّ تجربتنا ستولّد شكوكاً في قدرتنا على الذهاب إلى مدريد، هذا أمر يجب أن لا يحدث، نحن يجب أن نبقى أقوياء، ليعرف الأميركيون بأن جبهتنا الداخلية قوية، ومع أي إضعاف لها سيتطاولون علينا هم والإسرائيليون، والعرب الآخرون، الذين تخندقوا في حفر الباطن. وقلت أيضا: هذه الحكومة ستتحمّل وزر مدريد، وستُعفى الحكومة التي تليها من هذا الوزر، بحيث يمكن للحكومة التي تليها التخفيف من تبعاتها". من أبرز مواقف المصري، معارضته الشديدة لقرار فك الارتباط بين الضفتين في العام (1988)، وهو برر ذلك الرفض بالخوف من أن ينعكس فك الارتباط بين الضفتين على فك الارتباط بين الأردنيين والفلسطينيين في الأردن. يصف صديق للمصري عمل معه في السياسة وفي المجتمع المدني، بأنه ليس مقاتلاً: "أبو نشأت كان يلعب الكرة وهو صغير، وحين كانت تخرج من الملعب، لم يكن يركض لإحضارها، بل يتوقف حتى يحضروها له." ويعلق: "حتى الآن ما زلنا نحضر له الكرة".
** أحمد عبيدات: الأمني، الرئيس، المعارض من مدير للمخابرات، إلى رئيس للحكومة، إلى رئيس مركز لحقوق الإنسان، محطات تختزل مشوار أحمد عبيدات المهني والسياسي، الذي يبدو للوهلة الأولى مليئا بالتناقضات. لكن جواد العناني، الذي شغل حقيبة الصناعة والتجارة والسياحة في حكومة عبيدات 10/1/1984-4/4/1985، يرى أن ليس ثمة تناقض في الرجل في كل أحواله ومواقعه. ويشرح: "عندما كان عبيدات مديرا للمخابرات العامة غيّر أسلوب التعامل مع السجناء السياسيين فتحول من الإهانات إلى الأساليب الحديثة في التحقيق القائمة على الحوار." وروى العناني وقائع تشير إلى أن عبيدات كان يتعاطف حالات إنسانية معينة، مشيرا إلى أنه عندما كان وزيرا للعمل في حكومة مضر بدران 1980-1984 كان كثيرا ما يتصل بعبيدات، للنظر في قضايا عمال يحتاجون العلاج في الخارج. عبيدات كان يسمح لهم بالسفر حتى لو لم يكن سجلهم الأمني يؤهلهم لذلك. شهدت حكومة عبيدات فترة تحولات سياسية مهمة في الأردن والمنطقة. فخلال ولايته تغيرت علاقة المملكة مع منظمة التحرير الفلسطينية تغيرا واضحاً، إذ عقد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان عام 1984، وبُثت وقائعه مباشرة على الهواء حتى يتسنى لأهل الضفة الغربية متابعة مجرياته. خرج عبيدات من الحكومة محبطا، إذ كان يعتقد أنه لم يُعط المجال لتطبيق أفكاره خصوصا في مجال محاربة الفساد. لكنه ظل حاضرا في الساحة السياسية، فقد تولى رئاسة لجنة صياغة الميثاق الوطني بعد انتخابات 1989. الميثاق شكل دليل مرحلة التحول الديمقراطي واستئناف الحياة النيابية. منذ ذلك الحين، اتخذ عبيدات موقعه كشخصية وطنية مستقلة. وقد سعى مع طاهر المصري لتشكيل تيار ديمقراطي في مطلع التسعينيات، لكن الرجلين أقلعا عن الفكرة في ضوء التكاثر الحزبي آنذاك، وربما أيضا بسبب تمركزهم في عمان فهم لم يخرجوا إلى المحافظات لنسج العلاقات مع القواعد الشبابية فيها. عُرف عبيدات بموقفه المناهض لاتفاقية السلام مع إسرائيل، وهو عبر عن موقفه ذاك في خطابه الذي ألقاه في مجلس الأعيان عندما كان عضوا فيه 1994، والذي أعلن فيه رفضه لاتفاقية وادي عربة، وغادر المجلس قبل أن يتم التصويت على الاتفاقية. بعد ذلك، تم استدعاء عبيدات وطلب إليه تقديم استقالته من مجلس الأعيان. ظل حضور عبيدات لافتا عندما تولى الدفاع عن المدير السابق للمخابرات العامة سميح البطيخي في قضية التسهيلات المالية. كما كان له حضور لافت في المركز الوطني لحقوق الإنسان الذي تولى رئاسته بموجب إرادة ملكية. هذا المركز الذي تأسس في العام 2000 أصبح مرجعية وطنية ذات مصداقية عالية فيما يتعلق بحقوق الإنسان في الأردن، لا مثيل لها في المنطقة. عبيدات يُعرّف المركز قائلا: "لسنا منظمة حكومية بالمعنى السائد ولا نحن دائرة حكومية، بل مؤسسة وطنية ذات استقلال." وقد كان لتقارير المركز عن الانتخابات البلدية الصيف الماضي، والنيابية أواخر العام الماضي، ما جسّد استقلالية المركز ووفائه لمقتضيات عملية انتخابية حرة ونزيهة في سائر جوانبها. طوال هذا المشوار المهني والسياسي، ظل عبيدات محتفظا بإرثه الأمني بحب التحقيق والاستفسار. يروي وزير عمل شغل المنصب في حكومته اليتيمة أنه كثيرا ما كان يستفسر عن الأشياء ويمحص فيها. يقول هذا الوزير: "سألني مرة لماذا سمحت بتسجيل شركة ما، فأجبته بأن التسجيل يكون للشركة وليس لأصحابها. فرد :"كان لازم تدقق على سجل الأشخاص،".
** عبد السلام المجالي: خيبة مهندس عملية السلام يذكر في سجل عبد السلام المجالي أنه كان أول طبيب مسلم في الكرك، أول طبيب أردني يدخل الجيش، أول شخص من عائلة المجالي يدخل بنات العائلة ممرضات في الجيش، أول منشئ لنظام التأمين الصحي لأسر أفراد الجيش العربي، أول من أدخل نظام الساعات المعتمدة في الجامعة الأردنية، وكل هذا على خلفية نجاحه في قيادة الخدمات الطبية الملكية. قائمة الأوائل التي شغلها المجالي لم تنته، فهو أيضا أول طبيب يرأس الجامعة الأردنية، وأول رئيس وزراء منذ 1989 لم يشرك النواب في حكومته التي شكلها عام 1993، وهو أول من حل البرلمان في العهد الديمقراطي الذي بدأ عام 1989، إذ حل البرلمان الحادي عشر بتوصية منه، وفي عهده سن قانون الصوت الواحد المؤقت، وهو الذي أصدر قانونا مؤقتاً أغلقت بموجبه 13 صحيفة أسبوعية في العام 1997، وفي عهده أقر أول قانون لضريبة المبيعات، وفي عهد حكومته الثانية تفجرت قضية تلوث مياه الشرب عام 1997. كان المجالي ناجحاً في الخدمات الطبية، حين تسلم زمام القيادة فيها وأدخل مفهوم الرعاية الطبية الشاملة للأسر العسكرية، وقد حول المجالي بيته، في عهد الانفراج السياسي، إلى صالون سياسي كان يجمتع فيه زهاء 70 شخصية سياسية، فعرف بصالون ال70. يصف البعض عبد السلام المجالي بأنه مهندس العلاقات الأردنية الإسرائيلية، مستندين إلى توقيعه في العام 1994 على معاهدة وادي عربه، وقبل ذلك قيادته فريق المفاوضات الأردنية الإسرائيلية، إلا أن المجالي، وفي أواخر العام نفسه، عبر عن خيبة أمله حين قال إن المعاهدة لم تحمل معها الانفتاح الاقتصادي والتجاري المنشود. يجري بين الحين والآخر الحديث عن أن المجالي يتبنى حلاً يقضي بإقامة كونفدرالية بين الأردن وفلسطين، بحكم تجربته في المفاوضات التي قادت إلى وادي عربة، إلا أن المجالي يعتبر البحث في الكونفدرالية ضرباً من الخيال، لا سيما في ظل غياب الدولة الفلسطينية. في أيار/مايو 2007، كان المجالي حديث الأوساط السياسية حين زارت 50 شخصية إسرائيلية الأردن، بدعوة منه بهدف تفعيل العملية السلمية، وقبل ذلك أقر المجالي بأنه زار إسرائيل في «مهمة شخصية ولم تأت بتكليف رسمي»، سعيا إلى إقناع الإسرائيليين بأن العرب جادون في عرض السلام. حصل المجالي على دكتوراه في الطب من الجامعة السورية عام1949، دبلوم في الأنف والأذن والحنجرة من الكلية الملكية للجراحين، والكلية الملكية للأطباء البريطانيين عام 1953. على الرغم من أن المجالي حقق الكثير وأخفق في تحقيق الكثير على مستوى السياسة الداخلية، فإن صورته وهو يوقع اتفاقية السلام مع إسرائيل هي التي بقيت راسخة في أذهان المواطنين.
** عبد الكريم الكباريتي: حامل لواء "الثورة البيضاء" لم يُعرف عن الكباريتي قبل عام 1989 أي نشاط سياسي، باستثناء سني دراسته للجيولوجيا في الجامعة الأميركية في بيروت، ففي عام 1972 أسس جمعية طلابية أردنية باسم «جمعية الطلاب الأردنيين للعمل الاجتماعي»، ليتمكن لاحقاً من إنشاء تنظيم نقابي داخل الجمعية باسم «التنظيم الطلابي الأردني». طروحات الكباريتي كانت مستفزة لبعض خصومه، فقامت مجموعة تنتمي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين باختطافه، لكن الحكومة اللبنانية عملت على تهريبه من السجن وترحيله إلى عمان حيث استقبله الملك حسين نفسه في المطار آنذاك. بعد هذا التاريخ بأكثر من عقدين تولى الكباريتي رئاسة الحكومة رقم 30. في كتاب التكليف أشار الملك حسين إلى أنه أراد للكباريتي أن يقود «الثورة البيضاء» باتجاه حركة تصحيح اقتصادي داخليا وسياسي خارجيا. وهكذا توفرت له جميع أسباب النجاح، كما كان باديا آنذاك. فهو حظي بتأييد القصر، كما شكل مع عون الخصاونة رئيس الديوان، وصديقه، وصهره فيما، بعد سميح البطيخي الذي كان على هرم المؤسسة الأمنية آنذاك، ثالوثا مهما ضمن التجانس بين مكونات الدولة. لكنه سرعان ما اختلف مع الخصاونة. جوبه الكباريتي بمعارضة وعدائية أشار إليها في كتاب بقوله إنها «تيار صغير عنيد أسمعني ما لم أسمع في حياتي تنديدا وتعريضا». فقد جاء الرجل بنمط جديد من رؤساء الحكومات منفتح لا يعرف العشائرية، «وهو نمط أثر على التقاليد المعهودة في التوزير والتنصيب، ما أوجد له خصومات شعرت بالقلق على مواقعها الجهوية،» بحسب الكاتب الصحفي جهاد المومني. مصطفى شنيكات الذي شغل حقيبة الزراعة في حكومة أبو عون يقول عنه «إنه كان جريئا في قراراته، يمنح الوزير كامل صلاحيته في حين يشكل المرجعية لكل وزير.» كما اتبع الكباريتي في عهده سياسة الانفتاح على الإعلام. فكان بحسب ما يرويه عنه عريب الرنتاوي مدير مركز القدس للدراسات «يتعامل مع منتقديه ومؤيديه من الإعلاميين بالحوار؛ كما كان يؤسس لعلاقات شخصية مع الإعلاميين حتى إنه كان يبعث بطاقات التهنئة بالأعياد باسمه واسم زوجته وأولاده.» صحفي أردني آخر فضل عدم الكشف عن هويته قال إن الكباريتي كان يجند «ماكنة إعلامية» في البلد للتعبير عن سياساته خاصة ما يتعلق بالعراق، فقد كان يعبر عن توجهات الحكومة بالانفتاح على دول الخليج على حساب العراق، ما أحدث انقساما بين الإعلاميين؛ القوميين المؤيدين لبغداد وأولئك المعارضين لها. هذه السياسات تجاه العراق كانت سببا في احتقان شعبي ظهر في صورة علنية في الاحتجاجات على قرار الحكومة رفع الدعم عن أسعار الخبز عام 1996. وبالرغم من أن حكومة الكباريتي كانت قد شهدت هبوطا في شعبيتها في استطلاعات الرأي التي كان يجريها مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية لقياس شعبية الحكومات، فإنها كانت الحكومة الوحيدة التي بدأت شعبيتها في التحسن قبيل رحيلها. في الأيام الأخيرة للحكومة، ظهر شرخ واضح بين القصر والكباريتي، أشار إليه الملك الحسين في مقابلة مع التلفزيون الأردني، وجه خلالها للكباريتي نقداً غير مسبوق عن الإهمال في ميتم تابع لوزارة التنمية الاجتماعية، في حين كان قد امتدحه سابقا بقوله إنه يرى فيه وصفي التل وهزاع المجالي وعبد الحميد شرف. ثم عاد الملك حسين ووجه للكباريتي ردا على كتاب استقالته قائلا «إنني لم أعتد توجيه هكذا رسائل إلى رؤساء حكوماتي لدى استقالاتهم ولكن إطالتك في رسالة الاستقالة وتناقضك مع نفسك وأنت تتحدث فيها عن مزايا الديمقراطية والحرية، ثم انتقادك تلميحا لفئة قليلة خالفتك الرأي، حملتني على الكتابة على هذا النحو. أعذرك مرة أخرى وأتمنى لك الراحة لتعود كما عرفتك أردنيا أصيلا ذكيا مخلصا عاملا توسمت فيه الخير وكان عند حسن الظن به حتى أرهقته الأحمال والأثقال.» سبب آخر أدى إلى الإسراع في تغيير حكومة الكباريتي، بحسب ما نقله مقربون من مكتب ولي العهد آنذاك الأمير الحسن، هو أن الملك حسين أقال الكباريتي «كهدية» للأمير الحسن في عيد ميلاده، بعدما أشيع أن حكومة الكباريتي جاءت لتغير ولاية العهد آنذاك. ففضل الملك حسين التريث إلى حين اتخذ قراره عام 1999. عينه الملك عبد الله رئيسا للديوان الملكي في بداية عهده، ولكن شخصيات قيادية في الديوان الملكي طلبت عدم الإفصاح عن أسمائها، قالت إن "الكيمياء" بين الملك والكباريتي قد فقدت بعد الأسبوع الأول من وجوده في الديوان الملكي، حتى أن بعض المراسلات كانت تطبع خارج قصر بسمان، وترسل للملك للتوقيع عليها حتى لا يطلع عليها رئيس الديوان. بقي الكباريتي في رئاسة الديوان عاما واحدا، انتقل بعدها للعمل في القطاع الخاص، وما زال ناشطا فيه.
** عبدالرؤوف الروابدة: محافظ هزمه الإصلاح
في صيف عام 1998 شاهد الملايين حلقة من برنامج «الاتجاه المعاكس» جمعت بين عبد الرؤوف الروابدة والمعارض ليث شبيلات، التي كرست الروابدة مدافعا عنيدا عن موقف النظام، ورفعت أسهمه في الحلقات الضيقة للحكم. وهنالك من يرى أن هذه المقابلة كانت أحد أسباب تعيينه فيما بعد، رئيسا للوزراء. تولى الروابدة رئاسة الحكومة العام 1999، بعد أن طلب الملك عبد الله الثاني مقابلته. يقول الروابدة في حوار مع مجلة اللويبدة «كانت جلسة سياسية. لم نتحدث في أي موضوع آخر، ولم يرد إلى ذهني أنه يوجد شيء، ثم طلبني في اليوم التالي وتوسع النقاش، ساعتها فهمت أنني سأكلف، وفي نهاية الجلسة قال لي جلالته: أكلفك أن تشكل حكومة، فذهبت إلى بيتي، وصغت كتاب الرد على التكليف وتشكيل حكومة». تفسيرات اختيار الروابدة ليكون أول رئيس حكومة في عهد الملك عبد الله الثاني عديدة، فبالإضافة إلى أدائه في البرنامج المشار إليه على قناة الجزيرة، هنالك خبرته البيروقراطية الطويلة وقوة شخصيته، وبسبب ذلك كله، ربما ساد اعتقاد بأنه قد يشكل درعاً للحكم في بدايات العهد الجديد. الروابدة واجه تحدي سياسات الخصخصة، إلا أن "مراكز قوى رافضة أن تستمر حكومته"، عملت على الإطاحة بالرجل، إضافة إلى الانسجام الضعيف ما بين الحكومة التي كان يرأسها، ورئيس الديوان وقتذاك عبد الكريم الكباريتي. الروابدة لم يصمد طويلاً أمام استطلاعات الرأي، إذ شهدت حكومته انحداراً سريعاً في شعبيتها، لأسباب عدة من بينها إبعاد ممثلي المكتب السياسي لحركة حماس رغم تمتع بعضهم بالجنسية الأردنية، وهي واقعة باتت في ما بعد ورقة رابحة في يد ما يسمى «محور التشدد» ضده. الروابدة الصاعد من موظف إلى رئيس حكومة ،أثار خصومة كثيرين، إضافة إلى انطباع ساد عنه بوصفه سياسيا محافظا. وقد جسده رسام الكاريكاتير عماد حجاج فرسمه في صورة «بلدوزر» لقدرة الرجل العجيبة على التحدث في شتى المواضيع والقضايا وإصدار الأحكام فيها. تتداعى إلى ذاكرة طبيب متقاعد صورة أول لقاء جمعة بالروابدة الشاب في نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي، حين تولى النظر في تقرير أغضب الوزير حينذاك، إلا أن كياسة الروابدة واهتمامة بالتقرير دفع الطبيب إلى التنبوء «بمستقبل باهر للصيدلاني الشاب». فيما يستذكر موظف سابق في وزارة الأشغال تعليمات الروابدة الوزير حينها «بضرورة عدم رد أي طلب لأبناء دائرته الانتخابية». تغري هذه الخلطة؛ من البرلماني إلى الوزير، فالصيدلاني والمثقف، بانتقاد مسيرة الرجل لعدم تقديمه برنامجاً سياسياً فعلياً، أو رؤية استراتيجية طوال حياته السياسية. البرلماني الموصوف بالمحافظ، يقف في مواجهة ما يسميه «الديجتاليين» وأفكارهم. إلا أن الرجل الذي تمكن من العودة إلى البرلمان في الدورة الأخيرة بشق الأنفس، كرس بعد وصوله إلى قبة البرلمان أكثر من مرة منذ العام 1989 مفهوم نائب الخدمات. الروابدة يعدد لمجلة «اللويبدة» طرق الوصول لقبة البرلمان، ولكنه يستثني البرنامج السياسي، ويقول: «عندما تقرر أن تصبح نائباً، يجب أن تبحث عن مجموعة عوامل لتجعلك نائباً، منها الارتكاز على عشيرة كبيرة، أو الارتكاز على مال لا حدود له، وهذه الأشياء ليست موجودة لدي، وكذلك الاستناد لمركز قوة. كان فقط الاستناد على شخصي، وما سوف أقدمه للناس، وعلاقتي بهم.» الروابدة اضطر للإقرار بزعامة المجالي المطلقة على مجلس النواب، فلم ينشغل بتكوين أي كتلة برلمانية، وبخاصة بعد اتساع الفجوة بينه وبين رفاقه وحلفائه الأقرب في المجلس: عبد الكريم الدغمي وسعد هايل السرور. وصف النائب الحالي وأمين عمان الأسبق ممدوح العبادي، عبد الرؤوف الروابدة بأنه «الرجل الأول في المملكة في الإدارة والأنظمة والقوانين»، فقد تمكن من «اختزال أنظمة للأمانة كانت بحق جديرة بالاحترام والتقدير ووضع حجر الأساس الجيد للقائم بمهام أمين عمان». الروابدة سئل في اجتماع عما تمنى تحقيقه ولم يستطع اثناء فترة عمله في الأمانة، فأجاب «ما أتمنى تحقيقه هو أن أحقق ما حققه العبادي».
** فايز الطراونة: شاهَدَ تاريخاً يُصْنَع في صيف العام 1998 الحار. كانت التحديات تعصف بالمملكة. وفيما كان الملك الراحل الحسين في مركز مايو كلينيك الطبي في الولايات المتحدة للعلاج من مرض السرطان، تلقى من نائبه آنذاك، الأمير الحسن، مجموعة من الأسماء ليختار منها رئيسا للوزراء، فوقع اختياره على رئيس ديوانه آنذاك فايز الطراونة. شكّل الطراونة حكومة انتقالية خلفت حكومة عبد السلام المجالي التي رافقتها عدة أزمات أبرزها أزمة تلوث المياه، واعتبرت الحكومة الجديدة بمثابة لاعب أنيطت به مهمة امتصاص الاحتقان الذي خلفته حكومة المجالي. في ردها على كتاب التكليف الملكي، أكدت حكومة الطراونة ضرورة العمل على تشجيع الاستثمار، والتعاون مع القطاع الخاص، ودعم التجارة والصناعة والمياه والطاقة والاستثمار المحلي، وجذب الاستثمار الأجنبي، إلا أنها لم تحقق شيئاً من ذلك، فقد كان الطراونة يردد أمام زائريه دائماً: "نحن لن نقدم على أي عمل مهم حتى يعود سيدنا من رحلة علاجه"، وزار مايو كلينك مراراً لتلقي التعليمات والتوجيهات. لكن الأقدار شاءت للطراونة مصيراً آخر، إذ كان شاهداً على أحداث جسيمة مرت بها المملكة. حكومة الطراونة أشرفت على إنفاذ الأسس الدستورية والقانونية الخاصة بنقل ولاية العهد من الأمير الحسن إلى أكبر أبناء الحسين سناً، الأمير عبد الله. وحينما عاد الحسين من مايو كلينيك إلى المدينة الطبية بعمان، قام مجلس الوزراء برئاسة الطراونة بنقل صلاحيات الملك الحسين الدستورية بسبب المرض، إلى ولي العهد الجديد الأمير عبد الله، وذلك حسب منطوق المادة 28/ح من الدستور الأردني "إذا أصبح الملك غير قادر على تولي سلطته بسبب مرضه، فيمارس صلاحياته نائب أو هيئة نيابية، ويعين النائب أو هيئة النيابة بإرادة ملكية، وعندما يكون الملك غير قادر على إجراء هذا التعيين يقوم به مجلس الوزراء" في 7 شباط/فبراير 1999 وفي تمام الساعة الحادية عشرة وثلاث وأربعين دقيقة ظهراً، فاضت روح الحسين إلى بارئها، فنعى مجلس الوزراء الحسين، وأعلن الحداد العام في المملكة لمدة 40 يوماً. وفي الساعة الثالثة عصراً من اليوم ذاته، توجه ولي العهد الأمير عبد الله إلى مجلس الأمة، يرافقه عمّه الأمير الحسن بن طلال الذي ترجل بنبل، وأقسم الأمير عبد الله اليمين الدستورية أمام مجلس الأمة، وخرج من المجلس الملك الدستوري الرابع للمملكة الأردنية الهاشمية، وفي اليوم التالي جرت جنازة القرن للراحل الملك الحسين، حيث أشرف الطراونة وحكومته على إدارة الجنازة، وخلالها استقبل الطراونة أكثر من 90 وفداً من مختلف دول العالم شاركت في الجنازة. واستمرت الحكومة في تسيير الأعمال لغاية 4 آذار/مارس 1999، إلى أن خلفه عبد الرؤوف الروابدة. في عهد الطراونة ارتفعت أصوات قوى المجتمع المدني في الأردن، ضد قانون المطبوعات والنشر الذي كان مقترحاً آنذاك، وواصلت حملتها بعد أن أصبح القانون ساري المفعول، وعندها وعد الطراونة بعدم التشدد في تطبيق القانون الجديد وبتحسين العلاقات بين الحكومة والصحافة، إلا أن هذه العلاقة لم تشهد تحسناً ملحوظاً. في المشهد الخاص بالأحزاب السياسية، كان للطراونة وجهة نظر تخالف آراء حزبيين حين واصل اقتراحاته بضرورة تقليص الأحزاب السياسية، إلى حزبين أو ثلاثة، كما يأخذ الطراونة على أحزاب الوسط طلبها الدائم للوظائف، وغياب البرامجية عن الأحزاب الذي يصفه بأنه السبب وراء تراجع عدد المشاركين في الأحزاب منذ عودة الحياة الديمقراطية للأردن. يرتكز الطراونة الابن على إرث والده أحمد الطراونة، الذي كان رئيساً للديوان الملكي، ورئيساً لمجلس النواب الأردني، الطراونة الحاصل على بكالوريوس اقتصاد من الجامعة الأردنية 1971، دكتوراه اقتصاد من جامعة جنوب كاليفورنيا، شغل عدة مواقع في الأردن؛ وزير الصناعة والتجارة والتموين1988-1988، وزير الصناعة والتجارة 1988-1989، وزير الخارجية 1997-1998، رئيس الديوان الملكي الهاشمي 1998.
** علي أبو الراغب: حل البرلمان رغم "ولعه بالنيابة" ربما كان الرجل الأكثر حظا في عهد الملك عبد الله الثاني، إذ تولى رئاسة 3 حكومات متعاقبة من 19/6/2000-22/10/2003. خلال هذه الفترة لم يثبت أبو الراغب، القادم إلى السياسة من بوابة رجال الأعمال أنه إصلاحي بالمعنى الذي توقعته الأوساط السياسية والإعلامية في البلد آنذاك. نقل عنه قوله إنه أغرم بالنيابة منذ أوائل الستينيات، لكن الفرصة ربما لم تسنح له لترشيح نفسه للانتخابات قبل العام 1989، إلا أن الحظ لم يحالفه حينذاك، لكنه لم يستسلم، فعاد ليترشح ويفوز لاحقا في انتخابات 1993 ثم 1997، وهي تجربة لم يكررها بعد أن صار رئيسا للوزراء. ولم يمنعه ولعه بالنيابة من أن يوصى بحل مجلس النواب الثالث عشر، فصدرت إرادة ملكية بهذا الشأن في 16/6/2001. وهكذا أمضى أبو الراغب عامين كاملين من عمر حكومته من دون «مناكفات» مجلس النواب، على حد قوله، وربما كان السبب في هذه التوصية هو اعتقاده بأن مجلس النواب «يعطل عمل الحكومة». في هذين العامين، سنت حكومات أبو الراغب 211 قانونا مؤقتا ما زالت تثقل كاهل مجلس الأمة. حكومات أبو الراغب الثلاث لم تطرح قانون الانتخاب «العصري» الذي طالب به الملك في كتاب التكليف، والذي كان سيضمن تمثيلا نيابيا حقيقيا بكفاءات توصل إلى تشكيل حكومة كتلك التي رنا إليها. بل إن التعديل الذي أجري على هذا القانون أخرجه بصيغة أسوأ مما كان عليه في الأصل، وبخاصة من حيث زيادة عدد الدوائر الانتخابية من 21 إلى 45، ما ساهم في تفتيت الدوائر وتكريس مقاعد لعشائر وعائلات معينة. حكوماته شهدت ابتعادا عن الأحزاب والنقابات، هو الذي بدا حياته نقيبا للمقاولين الأردنيين بين عامي 1986 و 1990، وكان عضوا في التجمع الديمقراطي الذي ضم شخصيات حزبية ومستقلة مثل طاهر المصري الذي ضم أبو الراغب إلى حكومته عام 1991 وزيرا للصناعة والتجارة وهي أول وزارة يتولاها أبو الراغب. لكن أبو الراغب رجل الأعمال وعضو المجلس الاستشاري الاقتصادي، نجح في تنفيذ إحدى المهمات الاقتصادية التي جاء من أجلها وهي تحويل مدينة العقبة إلى منطقة اقتصادية خاصة. هذا المشروع الذي كان من أحد أسباب سقوط حكومة سلفه عبد الرؤوف الروابدة. أما أبو الراغب فقد كان من المتحمسين للمشروع والمؤيدين له. وربما برزت علامات اختياره رئيسا للوزراء، عندما عينه الملك عبد الله الثاني رئيسا للجنة الإشراف على تنفيذ المشروع إبان ولاية الروابدة، وفعل هو وحلفاؤه "الديجيتاليون"، بالروابدة، ما فعله فيه باسم عوض الله فيما بعد. إلا أن بعض القرارات الاقتصادية التي اتخذها أثارت ضجة واسعة لا تزال أصداؤها تتردد لليوم. من أبرزها قرار مضاعفة رسوم التأمين الإلزامي على المركبات الذي اعتبر البعض أنه جاء لخدمة مصالح أبو الراغب الشخصية والعائلية. وفي جانب اقتصادي آخر، وجه الروابدة لاحقا بصفته النيابية عدة أسئلة لحكومة أبو الراغب حول النفط العراقي المهرب والأموال العراقية المجمدة. موضوعان لا يزالان من دون إجابة إلى الآن. استطلاعات الرأي التي أجريت في حينه، أظهرت تدنى شعبية الحكومات التي أدارها الرجل، فقد كان المؤشر البياني يميل إلى الهبوط التدريجي في شعبية حكوماته. لكن هذا لم يؤثر في بقائها، وربما كان للعلاقة الطيبة التي جمعت بينه وبين سعد خير مدير المخابرات العامة آنذاك، أكبر الأثر في بقائه رئيسا للوزراء كل هذه المدة. ولرحيل أبو الراغب قصة فريدة. ففي سابقة، بثت وكالة الأنباء الرسمية بترا، خبر استقالة الحكومة من دون أن يعرف رئيسها التوقيت الحقيقي لرحيل حكومته. ** فيصل الفايز: جاء إلى الرئاسة "كيوم ولدته أمه" "أقصى طموحه أن يكون سفيرا"، هكذا وصف زميل لفيصل الفايز ملامح الطموح المهني والسياسي لرئيس الوزراء اللاحق حين كان موظفا في التشريفات الملكية في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات. وهكذا كان تعيين الفايز على هرم الحكومة الأردنية قرارا مفاجئاً للأوساط السياسية والصحفية في الأردن، لم يحل دون هذه المفاجأة ما راج من حديث وقتها عن تفكير جديد بأن يكون رئيس الوزراء مديرا لمجلس الوزراء لا رئيسا له. لكن المفارقة جاءت لاحقا عندما انقلبت عليه الشخصيات نفسها التي نظّرت لهذا التوجه. قبل تعيينه لم يكن الفايز معروفا بأي دور سياسي، سوى أنه قبل أشهر قليلة فقط ، انتقل من موقع رجل التشريفات الأول إلى وزير للبلاط، وهي وزارة استحدثت ليظل الفايز من أقرب المقربين إلى الملك عبد الله الثاني. فلم يعرف عنه انتماؤه لأي من الصالونات السياسية المعروفة في البلد. لكن البعض يحسب هذه العوامل لصالحه وليس ضده، فكانت ردود الفعل الأولية على تعيينه إيجابية. فهد الخيطان، كتب مقالا في العرب اليوم قبل يومين من أداء الفايز للقسم قال فيه: "قرب الفايز من الملك أهله للاطلاع عن كثب على أفكار الملك وتوجهاته، ولأن جلالته اختار أسلوباً جديداً في الحكم وتشكيل الحكومات، فإنه لم يجد، بعد أن اتخذ قرار التغيير، غير الفايز للإشراف على تنفيذ المرحلة التالية من برنامج الإصلاح الاقتصادي والسياسي الذي اختطه العهد الجديد." وهكذا جاء الفايز إلى الرئاسة "كيوم ولدته أمه"، من دون أي عداوات مع برلمانيين أو سياسيين. ويقول سياسي طلب عدم الكشف عن اسمه إن الفايز كان شعاره "لا تغضب أحدا". فكان في ولايته رجل علاقات عامة من الطراز الأول، منفتحا على الإعلاميين، حتى إنه أنفق أموالا طائلة كأعطيات لمن قصده ومن لم يقصده. في عهد الفايز 25/10/2003-5/4/2005 ألغيت وزارة الإعلام للمرة الأولى في تاريخ الأردن، وفيها استحدثت وزارة للتنمية السياسية. لكن أي خطوة في اتجاه تنمية كهذه لم تتحقق على الأرض. بل زادت الهوة بين الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني والنقابات من جهة وبين الحكومة من جهة أخرى، حين قدمت الحكومة مشاريع لقوانين النقابات المهنية والأحزاب والهيئات الاجتماعية التي جوبهت بمعارضة شديدة. كما تعرض عدد من قادة الحركة الإسلامية لحملة اعتقالات، حتى قيل وقتها إن وزير الداخلية سمير الحباشنة كان يدير حكومة داخل حكومة الفايز. الحباشنة في برنامج إذاعي لمحطة محلية قال إن "قراراته كانت منسجمة مع توجهات الرئيس." وفي سابقة أخرى، تعرض 3 من وزراء حكومة الفايز لاعتداءات بالضرب. وهم وزير التعليم العالي عصام زعبلاوي، وزير العدل صلاح البشير، ووزير الأوقاف أحمد هليل. على صعيد السياسة الخارجية، شهد عهد الفايز عودة السفير الأردني إلى تل أبيب، معروف البخيت، بعد انقطاع دام 4 سنوات. وتسبب عدم وضوح الموقف الأردني في مؤتمر قمة الجزائر بشأن مبادرة السلام العربية بأزمة مع عدد من الدول العربية. كما شهدت هذه المرحلة توترا حادا في علاقة الأردن مع العراق حتى وصلت إلى حد استدعاء البلدين لممثليهما الدبلوماسيين في عمان وبغداد. وكما كان تعيين الفايز مفاجئا كذلك كانت استقالته. فقد أحيطت عملية التغيير الحكومي بسرية تامة لم يعرف بها ولا حتى الفايز نفسه. ويُقال أن مجموعة من "الليبراليين" اجتمعوا بالملك سرا وطالبوا بالإطاحة بالفايز. مقربون من رئيس الوزراء نقلوا عنه لاحقا أنه اعتبر قريبه مدير المخابرات العامة، آنذاك، سعد خير أحد أسباب الإطاحة به. في ذلك اليوم 5/4/2005 كان الفايز يقوم بجولة على المؤسسات والوزارات كالمعتاد، لكنه ألغى زيارة إلى وزارة المياه كانت مقررة الساعة 12 ظهراً من ذلك اليوم. وفي الساعة الواحدة كان من المقرر عقد جلسة لمجلس الوزراء، لكن الوزراء فوجئوا بجلسة استثنائية طُلب إليهم فيها تقديم استقالاتهم. مصدر فضل عدم الكشف عن هويته نقل أن الفايز قال للوزراء المجتمعين "أنا رايح على الديوان ومروان (المعشر) وزير بلاط"، وكأن لسان حاله "دبروا حالكم." بعد ذلك، وفي سابقة أيضا، قام الفايز بتوديع موظفي الرئاسة جميعا، ولم يستثن منهم أحداً.
** معروف البخيت: عسكري هزمته السياسة
كاد الضابط ذو المنصب الرفيع في الجيش العربي معروف البخيت أن يعتلي منصب رئيس هيئة الأركان المشتركة، لولا التغير الذي طرأ على ولاية العهد في نهاية تسعينيات القرن الماضي. المتابعون لسيرة الرجل يعرفون مدى حساسية الموقع الذي شغله بعد إلقائه البزة العسكرية، إذ تولى إدارة ملف مفاوضات الحل النهائي للصراع مع إسرائيل من مكتبه في وزارة الخارجية، ومكتبه الآخر في دائرة المخابرات العامة، حيث تسلم هذا الموقع لمعرفته الدقيقة بتفاصيل الملف، لينتقل بعد ذلك للعمل سفيراً للأردن في تركيا. ثم سفيراً في إسرائيل لمدة 8 أشهر عام 2005، في إطار توجه بضرورة وجود شخصية "أمنية" في سفارة الأردن في تل أبيب. وبعد أسابيع من انتقاله إلى تل أبيب، بدأ يستدعى للديوان الملكي للقاءات، ثم تكررت اللقاءات مع رأس الدولة، قبل أن يرافق رأس الدولة في رحلة رسمية إلى الولايات المتحدة. بعد ذلك صدر قرار بنقلة إلى المركز نائبا لرئيس هيئة الأمن الوطني، وبعد ذلك بقليل تسلم منصب رئيس الهيئة، ومدير مكتب الملك الخاص بالوكالة، إذ كان آنذاك رئيس حكومة الظل الفعلي في عهد حكومة عدنان بدران، ومن هناك جاء انتقال الرجل إلى الدوار الرابع رئيساً للحكومة، تاركاً لمدير مكتب الملك الخاص، باسم عوض الله، إدارة حكومة الظل التي ساهمت في الإطاحة به. فبعد زيارة خاطفة إلى العاصمة السورية، دمشق، التقى خلالها الرئيس بشار الأسد، استدعي البخيت ليشكل الحكومة في نهاية عام 2005، حيث أظهرت استطلاعات الرأي مدى شعبية الرجل الذي وعد بالتأني في اختيار الموظفين في المواقع الرفيعة، إلا أنه تعرض لهجوم عنيف من قبل من تحالف معهم في بداية حكومته، فيما يتعلق بموازنة العام الثاني من عهده واتهامه بالبطء وعدم الفاعلية. البخيت بدأ عهده برئاسة الحكومة، التي كانت أقل الحكومات تمثيلاً للمرأة، واثقاً من خطاه، لكن اهتمامه المفرط بالتفاصيل دفع بعضهم إلى وصمه "بالمتردد"، فيما كلفه اهتمامه بسرية التعديل الذي أجراه من دون الاهتمام بالشخص المناسب، انفراط عقد الحكومة وتمرد الفريق الوزاري عليه. الرجل القادم من المؤسسة العسكرية كلف أيضاً بإعداد قانون انتخاب عصري، إلا أن المهمة لم تنجز، وأجريت الانتخابات البلدية والنيابية التي وصفها المركز الوطني لحقوق الإنسان في تقريرين منفصلين بأنها "غير شفافة"، إضافة إلى اتهام المركز للحكومة بعدم الوقوف على الحياد. كما أقر قانون أحزاب يعيق الحياة الديمقراطية بدلا من أن يعمقها، وما زال الوضع السياسي الأردني يعاني من ذلك حتى اليوم. واجه البخيت أيضاً واقعة تسمم طالت أكثر من ألف مواطن في منشية بني حسن، ما دفعه إلى الإطاحة بثلاثة من فريقه الوزاري في وقت كانت الحكومة تستعد للرحيل. البخيت واجه انتقادات واسعة لوجود خلل في الأداء الإداري للحكومة التي كانت تسير ببطء. الملك انطلق في جولات مكوكية على عدد من المحافظات والتقى بوجهائها، وطالب الحكومة الإسراع بتنفيذ توجيهاته مع وعد ملكي بالعودة إلى المحافظات خلال مده أقصاها ستة أشهر، للإطلاع على ما سينجز. في الزرقاء كانت الجولة الملكية الأولى، وخلالها أمر بإنشاء مستشفى، إلا أن الحكومة لم تنجز شيئاً، فعاد الملك وأمر بمباشرة البناء فيما يشبه لوم الحكومة على تقصيرها. وحال إعلان نتائج الانتخابات غادر الرجل الدوار الرابع. يحسب للرجل أنه قام بحملة خصوصاً في منطقة الأغوار، لاستعادة أراض أميرية ووقف التعديات على المياه وخدمة الكهرباء. إلا أن الرجل عاد إلى واجهة الأحداث بعد استقالته من خلال إثارة قضية " الكازينو" التي أقرها وزير السياحة في عهده أسامه الدباس، رغم اعتراض أربعة وزراء داخل الحكومة. البخيت جاء إلى الدوار الرابع متسلحاً بالكفاءة أكثر من كثيرين سبقوه، لكن المعرفة وحدها لا تكفي، فقد كان بطيئاً ومتردداً في اتخاذ القرارات، كما ساهم في تعطيل الأجندة والإصلاح السياسي، إذ لم يحسن الانتقال من "باحث استراتيجي" إلى رجل دولة. ** عدنان بدران: تكليف، فتعديل فاستقالة
واجهت حكومة الأكاديمي ورئيس جامعة اليرموك الأسبق ورئيس جامعة فيلادلفيا السابق، ورئيس جامعة البتراء حاليا، عدنان بدران، التي شكلت في العام 2005، موجة انتقادات منذ البداية؛ على خلفية عدم مشاورة مجلس النواب، وعدم مراعاة التوازنات المناطقية، ما حدا برئيسها إلى إجراء أسرع تعديل حكومي في تاريخ البلاد. وما أن شكلت الحكومة حتى وقع 43 نائباً عريضة تتضمن سبع نقاط ترفض فيها تشكيلة الحكومة، وخصوصاً فريقها الاقتصادي. الموقعون اعتبروا أن تشكيلة الحكومة تمثل تحدياً سافراً لنواب الشعب. بدران الذي اقترنت رئاسته لجامعة اليرموك في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، باقتحام حرم الجامعة لوضع حد لتحركات طلابية مطلبية، وهو حدث كان له ضحايا عديدون، لم يتمكن من انجاز ما ورد في كتاب التكليف الموجه له. في وقت لاحق، حاول بدران الالتفاف على التكتل النيابي الذي وقف في وجهه، بالقيام بجولة واسعة على محافظات المملكة، قدّم خلالها وعوداً سخية بتحسين أحوال المواطنين فيها. تحدث الملك في كتاب التكليف لحكومة بدران عن أن «الإصلاح عملية شاملة وطويلة الأمد، ونحن مستمرون في رعايتها، وإن كنا ندرك تماماً أن ثمارها ربما تتأخر لتنضج، إلا أنها آتية بلا ريب رغم إرجاف المشككين والمترددين." وعلى الرغم من حديث الملك عن ضرورة وضع قانون انتخاب عصري، فإن حكومة عدنان بدران التي لم تكمل عاما، لم تقم بأي إصلاحات أو إنجازات على أرض الواقع. لكنها قامت برفع أسعار المشتقات النفطية مرتين في سابقة تاريخية فيما يتعلق برفع أسعار المحروقات. بدران وفي إعقاب خروجه من الحكومة، شدّد على أن حكومته لم تمنح الوقت الكافي لانجاز ما هو مطلوب منها. لكن سياسيين وإعلاميين، يسجلون لبدران أجواء الحرية والانفتاح التي شهدتها البلاد في فترة حكومته القصيرة. في مقال لمدير مكتب الجزيرة في عمان ياسر أبو هلالة، يقيم الكاتب مقارنة طريفة بين الشقيقين عدنان ومضر بدران، اللذين ترأسا حكومتين في عهدين مختلفين، فيقول «باستثناء أنهما أشقاء، يصعب إيجاد صلة بين رئيسي الوزراء مضر وعدنان بدران. فمن يستمع إليهما يجد أن الفوارق تتعدى الخلفية الفكرية والسياسية والوظيفية، إلى الطباع الشخصية». الأهم من ذلك، «أن زهاء عقد ونصف يفصل بين آخر حكومة شكلها مضر بدران، وأول حكومة يشكلها عدنان بدران، وخلال ذلك تبدلت الدنيا، وكأنك تعيش على أرض غير الأرض التي عرفناها، وغدا الجميع يشعر بغربة وكأنه زائر لا مستقر! والأردن جزء من هذه الأرض التي زلزلت زلزالها، ولا يزال المشتغلون بالفكر والسياسة والاقتصاد يلحون بالسؤال دون إجابة». الرحيل المبكر لحكومة بدران، طرح على بساط البحث، دور الأكاديميين في إدارة دفة الحكم، فقلة قليلة من هؤلاء تنجح في إثبات ذاتها على مستوى السلطة التنفيذية، وتسخير المعرفة لديها في خدمة أداء متميز. |
|
|||||||||||||