العدد 31 - أردني | ||||||||||||||
السّجل - خاص ماذا جنى رئيس وزراء العراق، نوري المالكي، من أول زيارة يقوم بها، منذ أشهر، إلى دول جوار عربية «سنّية الصبغة»، وهل نجح الأردن في مراكمة نقاط اقتصادية واستراتيجية، ترجمة لشروطه التي استبق بها وصول المالكي؟. القراءة الأولية تشي بأن المالكي جاء خالي الوفاض مدججاً بوعود وعزم على ترحيل ملفات عالقة إلى لجان فرعية وفنية. في المقابل، سجّل رئيس الوزراء العراقي نصراً سياسياً بأمل الانفتاح على محيطه العربي الخليجي من بوابة الأردن، بعد أن انحشرت حكومته المترنحة بين مطارق العدوين الحميمين؛ طهران، وواشنطن. يبدو أن المالكي يرغب في توظيف علاقات عمّان الجيّدة مع الرياض، من أجل كسر الجليد مع مركز ثقل السُنّة حول العالم ورافعة العرب الاقتصادية. لكن الردود الأولية تشير إلى أن القيادة السعودية لا ترفض جهود الوساطة، وإن كانت تعتبر أن حكومة المالكي جنحت نحو الطائفية وتعسفت على العديد من مكونات المجتمع العراقي، لا سيما فئة السُنّة المهمشة. استقبل الأردن المالكي بهدوء، وبعد إلحاح أميركي، مع أنه أغفل غالبية شروط المملكة بما فيها تقديم 100 مليون دولار لخزينة الدولة لمساعدتها على تغطية نفقات استضافة أكثر من نصف مليون عراقي مهجّر. كانت الولايات المتحدة أقنعت الحكومة العراقية بدفع 200 مليون دولار مناصفة إلى سورية، والأردن، اللذين يؤويان نصف اللاجئين العراقيين في الخارج. عشية وصوله، رفض المالكي تخصيص هذا المبلغ وقدّم بدلاً منه ثمانية ملايين دولار لصندوق الأمم المتحدة المتعلق بتمويل اقامة اللاجئين. العرض الذي قدمه رئيس وزراء العراق، يتمثل بتجديد عقد توريد النفط، لم يُفعّل منذ إبرامه قبل عامين. لكن الأردن، الذي يئن تحت فاتورة النفط، لا يعول على نيل بدائل من العراق، لأن التجديد لثلاث سنوات أخرى جاء بالشروط ذاتها، أقل بـ18 دولاراً عن السعر العالمي. كان الأردن يأمل بتخفيضات معقولة حتى تصبح الصفقة مجزية بعد احتساب كلف النقل ورسوم التأمين الضخمة ضد مخاطر الحرب. إذن النفط العراقي مؤجل، إسناد الأردن في إيواء عراقيين غير مطروح بغدادياً. تسوية الدين الأردني المستحق على العراق، مليار و350 مليون دولار، تراكم خلال العقد الماضي، أحيل إلى لجان قتلت هذا الملف بحثاً، ورفض الأردن طلباً رسمياً بشطب الديون أسوة ببعض الدول الغربية، لأنها تشكل واحد الى 15 من الناتج المحلي الإجمالي. لم يفاجأ المسؤولون الأردنيون بنتائج زيارة المالكي، فقد كانوا خبروا آليات عمله منذ تسلم منصبه قبل سنتين. قد يكون الآن أكثر براغماتية، لكن بحساب. وربما بات أكثر وديّة؛ لكن القياس بالنتائج على الأرض. مسؤول رفيع يقول:«كان لا بد لنا من إعطائه فائدة الشك»، في مهلة زمنية تمتد حتى خروج الرئيس الأميركي جورج بوش من البيت الأبيض أواخر العام الجاري لكن خيبة الأمل قادمة». قبل عمّان، سمع المالكي من طهران - حليفته الأساس وحاضنة حزبه المذهبي - تقريعاً وانتقادات لخطط توقيع معاهدة استراتيجية طويلة الأمد بين العراق وأميركا بما فيها ملاحق أمنية تنظم استيطان القوات الأميركية وتحركاتها انطلاقاً من زهاء 50 قاعدة عسكرية. من هنا جاءت تصريحاته المتشددة حول وصول مسودات الاتفاق الى طريق مسدود؛ ذلك أن «الأفكار الأميركية مرفوضة عراقياً والعراقية مرفوضة أميركياً». لكن هل يستطيع زعيم حزب الدعوة التملص من توقيع الاتفاق في نهاية المطاف - أواخر الشهر المقبل كما تصر على ذلك واشنطن؟ هل يستطيع اقناع إيران بأن المعاهدة المقترحة لن تشكل منصة تهديد لأراضيها؟ هذا بافتراض أن أميركا وإيران غير متفقتين حتى الآن على تفاصيل توزيع المغانم، بعد تجويف الهوية العربية للعراق. على الأرجح تعنت المالكي قد يطيح بمستقبله السياسي، في ضوء أنباء عن تفاهمات ضمنية مع واشنطن يبتعد بموجبها عن فلك إيران! مقابل مساعدته على تجديد ولاية حكومته. المغنم الأميركي في هذه المعادلة، يكمن في تحسين فرص المرشح الجمهوري جون ماكين في الانتخابات المقررة خريف هذا العام. عمّان كانت بلعت الصلف الحكومي العراقي، وأعلنت تسمية سفير في بغداد، لأول مرة منذ خروج البعثة الدبلوماسية الأردنية عقب تعرضها لتفجير انتحاري صيف العام 2003، هذا القرار جاء رغم التحفظات حيال سياسة المالكي التي ترى فيها دول الجوار السُنّية بعداً مذهبياً - ميليشياوياً يؤخر برامج المصالحة الوطنية ويؤجج المعارك الجانبية. قاوم الأردن إصرار المالكي على إلغاء العمل بنظام التأشيرات المسبقة. الجانب العراقي، عرض خططاً لتأسيس خطوط لنقل النفط الخام والغاز الى المملكة إلا أن هذه الخطط بقيت حبراً على ورق دون اتفاقيات للتنفيذ. يرى الأردن أنه أعطى العراق الكثير؛ عيّن سفيراً، واستقبل المالكي بعد تردد، لكن لا توجد مؤشرات على الأرض بأن الضيف يقدّر ذلك، أو دور الأردن في حماية حدود العراق ومقاتلة عناصر من تنظيم القاعدة داخل المناطق الحدودية نيابة عن العراق وفي فتح أبوابه لأكثر من نصف مليون عراقي. في المقابل، لا يبدو أن المالكي يقدّر ثقل وجهود الأردن في إقليم مضطرب. رئيس الوزراء العراقي، الذي يواجه وضعاً داخلياً متأزماً وضغوطاً إيرانية أميركية حول المعاهدة الاستراتيجية مع واشنطن، يحاول شراء الوقت لتحسين شروط التفاوض بما يرضي الأطراف الثلاثة المهمة ضمن رقصة توازنات حاسمة في معادلة بقائه. باختصار، يتجه الأردن لمنح المالكي وحكومته فترة ستة أشهر لقياس مدة جديّة التعهدات. على أن التجارب السابقة لمد الجسور لا تنبئ بنتائج إيجابية. فما زالت القرارات السياسية تعرقل التواصل الاقتصادي، والتجاري مع بلد كان عمق الأردن الاستراتيجي ورافعته الاقتصادية قبل العام 2003. |
|
|||||||||||||