العدد 30 - ثقافي
 

عواد علي

من حق المتخصصين بتراث شكسبير المسرحي والشعري، والمعنيين بشخصيته أن يبحثوا في سيرته الذاتية الضائعة في متاهات التاريخ، ويحاولوا تفكيك الكثير من الألغاز، والأحجية المغلقة على نفسها التي تغلف حياته، كما يصفها الناقد والكاتب اللبناني جهاد الترك، التي كلما تقادم عهدها ازدادت صمتاً على صمت. ولكن ليس من حق هؤلاء أن ينفوا وجوده، أو يشككوا في هويته، أو ينسبوا تراثه إلى شخصيات معروفة أو مجهولة، استناداً إلى تخمينات وتخيلات ودلائل ضعيفة، أو بدوافع غير نزيهة.

بدأت الأسئلة حول هوية مؤلف «هاملت، ماكبث، عطيل، الملك لير»، وغيرها من المسرحيات العظيمة والسونيتات الرائعة، مع أبناء جلدته الفيكتوريين، الذين رفضوا أن يصدقوا أن ابن أسرة فقيرة يستطيع كتابة شعر ومسرحيات بهذا المستوى، وبحثوا عن الفاعل بين أبناء الطبقة العليا: فرنسيس بيكون، المحامي والنائب، كريستوفر مارلو، المسرحي الآخر في زمن شكسبير، إدوارد دي فير، النبيل والشاعر المسرحي، وإرل داربي السادس، الجامعي وعاشق المسرح. ولكن هؤلاء الفكتوريين لم يتوصلوا إلى دليل واحد مقنع. وقد عزا البروفيسور بريان فيكرز، الخبير الشكسبيري، شكهم في هوية الشاعر إلى الجهل والتكبر الطبقي. كما فنّد فيكرز ادعاء الباحثين برندا جيمس، ووليم روبنستاين، في كتابهما المشترك (الحقيقة ستظهر: كشف القناع عن شكسبير الحقيقي) بأن السير هنري نيفيل، المالك الثري والنائب في البرلمان وسفير بريطانيا في فرنسا، الذي ولد قبل شكسبير بعامين وتوفي قبله بعام، وأتقن لغاتٍ عديدةً، وطاف في أوروبا، وغرف من مكتبته الغنية ثقافةً واسعةً، هو مؤلف المسرحيات التاريخية المنسوبة إلى شكسبير، فنّد هذا الإدعاء بأن الأرستقراطيين بمن فيهم السير نيفيل، أمضوا معظم وقتهم في الصيد، ولم يتنازلوا بالكتابة للمسارح العامة المكتظة العابقة بروائح أبناء الطبقة العاملة.

أستاذ الأدب المقارن في جامعة أكسفورد، الدكتور صفاء خلوصي (من العراق)، كان أول وآخر باحث عربي ادّعى في مطلع ستينيات القرن الماضي بأن شكسبير ليس من أصل انجليزي، بل من أصل عراقي، وأن والده أو جده من جنوب العراق، وأسمه «الشيخ زبير»، نسبةً إلى قضاء الزبير في البصرة، وقد هاجر من الأندلس إلى انكلترا في القرن الخامس عشر، وهناك تحول اسمه على ألسنة الإنجليز إلى «شيك زبير» ثم إلى شكسبير! وسوّغ ادعاءه بأن كلمة «شكسبير» ليس لها معنى في اللغة الإنجليزية ومعاجمها، متناسياً أن مئات الأسماء العربية ليس لها، أيضاً، معنى في اللغة العربية ومعاجمها، لأنها أسماء أعجمية.

وهناك من أيّد البروفيسور خلوصي في ما ذهب إليه، قائلاً: إن أصل شكسبير العربي أمر معروف، فـ«شيخ زبير يعني الشيخ زبير. شيك يعني شيخ. سبـيـر يعني زبير. يعني الشيخ زبير. الشيخ زبير بن وليم، أو وليم بن الشيخ زبير، فالقضية محسومة لا شك فيها» يعني عنزة ولو طارت! .

وتلا البروفيسور خلوصي، البروفيسور مارتينيو ايفار، أستاذ الأدب في جامعة صقلية، مدعياً بأن شكسبير من عائلة صقلية هاجرت إلى انكلترا بسبب الاضطهاد الديني، وإن اسمه الحقيقي هو «كرولانزا».. ودليله على ذلك أن كلمة شكسبير هي المقابل لاسم عائلة «كرولانزا» في الإيطالية! .

ومؤخراً زعم باحث يدعى جون هادسون، حسب التقرير الذي نشره موقع «إيلاف» الإلكتروني، نقلاً عن وكالة أنباء نوفوستي الروسية، أنه توصل، من خلال دراسة حديثة أعدها، إلى أن شكسبير شخص وهمي، وأن جميع ما كُتب تحت هذا الاسم (يقصد تراث شكسبير كله) يعود إلى إمراة يهودية اسمها «اميليا بوسانو لانييه». وهي ابنة لأم وأب يهوديين هاجرا من إيطاليا. وكانت «لانييه» أول امرأة نشرت مجموعة من الأشعار في العام 1611. ويعتقد الباحث (البروفيسور) هادسون بأنها انتحلت اسم الرجل (شكسبير) عمداً كي تتجنب الوقوع في مصائب كانت تنتظر أي امرأة مبدعة في ذلك العصر.

هكذا، بمنتهى البساطة، يريد جون هادسون تمرير فريته. يحاول أن يخدعنا بأن أعظم ما أنتجته العبقرية المسرحية في تاريخ البشرية، ومنها مسرحية (تاجر البندقية)، التي يفضح فيها شكسبير جشع المرابي اليهودي (شايلوك)، وانحداره الأخلاقي، ولذلك تعدّها إسرائيل مسرحيةً معادية للسامية، هي من تأليف امرأة يهودية مجهولة اسمها «لانييه»، في حين كانت 90 بالمئة من النساء في انكلترا آنذاك أميّات، وكان شكسبير محاطاً بنساء يعجزن عن قراءة حرف واحد مما يكتب حينما كتب (روميو وجوليت)، كما يقول بيتر أكرويد، في كتابه الضخم الأخير (560 صفحة) الذي يحمل عنوان (شكسبير: السيرة الذاتية)، الصادر في لندن العام 2005.

أجل يريد هذا الباحث أن يستغل اللغز المحير، الذي يحيط بحياة المسرحي والشاعر الساحر شكسبير، ليقنعنا بادعائه ، المتناغم مع العداء الصهيوني لشكسبير، وما انفك دارسون صهاينة يصبون جام غضبهم عليه في دراسات مستفيضة تزعم أنه ليس سوى شخصيةً وهميةً تخفي، من خلالها أسماء أدباء لم يرغبوا في الإفصاح عن شخصياتهم الحقيقية لئلا يتعرضوا الى البطش! بينما يعلم المطلعون على التاريخ البريطاني أن البطش باليهود والتنكيل بهم ،كان جزءاً من الثقافة الشعبية، والسلوك اليومي في المجتمع الانجليزي آنذاك.

“شكسبير إمراة يهودية”.. أي هراء!
 
12-Jun-2008
 
العدد 30