العدد 30 - ثقافي | ||||||||||||||
محمد عبدالله القواسمة* شكل التفرغ الإبداعي هاجساً للمبدعين والمثقفين الأردنيين، فهو إذ يعكس اهتمام الدولة بالمبدع، والاعتراف بقيمته في صنع وجدان الناس، فإنه يتيح للمبدع أن يركز جهده الخلاق، ويوجهه نحو عمله الإبداعي دون أن يغزوه قلق العيش، وتثقله هموم الحياة اليومية. هكذا نظر المثقفون إلى التفرغ، وأبهجهم صدور نظام التفرغ الإبداعي الثقافي الأردني رقم (22) لسنة 2007 والتعليمات التنفيذية الصادرة بموجبه ، لكن بعضهم أو كثيرين منهم فوجئوا بثغرات كثيرة عند تطبيقه في المرة الأولى العام 2007م، وكذلك في المرة الثانية هذا العام، ويمكن حصر تلك الثغرات من خلال التساؤلات التالية. أولى هذه التساؤلات تنصب على ما يقصد بالإبداع الثقافي، والموضوعات التي تنضوي تحت مفهومه. من الواضح ـ دون الدخول في التعريفات اللغوية والفلسفية للإبداع والثقافة ـ أن الإبداع الثقافي يشمل الإبداع في جميع أوجه الثقافة، وليس فقط الشعر والقصة والمسرح والموسيقى والرسم. إنه يشمل أيضاً النقد والفلسفة والعلوم المبسطة والتاريخ وأدب الأطفال والسيرة والتوثيق والتكشيف والمعلومات وكلّ ما تهتم به، أو تشرف عليه وزارة الثقافة، وقد عرف نظام التفرغ الإبداعي المبدع بأنه:«صاحب التجربة المتميزة في حقول الفكر والأدب والفن». في غياب التبني السليم لمفهوم الإبداع الثقافي، وتحديد هوية المبدع ظهر اختلاف في تطبيق نظام التفرغ وتعليماته في المرتين اللتين طبق فيهما: في المرة الأولى توزعت الجوائز على المتقدمين في عدة موضوعات ثقافية؛ فكان من بين الفائزين مبدعون في الفكر والفلسفة والترجمة فضلاً عن أدباء في الشعر والرواية والقصة. أما في المرة الثانية فقد اقتصر توزيع الجوائز على المتقدمين في حقول: الشعر، والقصة، والرواية، والمسرح، والموسيقى، والفن التشكيلي، وأبعد غيرهم ممن تقدموا في موضوعات أخرى. التوجه الأخير لوزارة الثقافة مخالف لمفهوم الإبداع الثقافي، إذ لا نص عليه في نظام التفرغ والتعليمات الملحقة به، كما أن الوزارة نفسها لم تعلن عنه في دعوتها للترشيح للجائزة. كان يحسن بلجنة التحكيم أن تعلن عن اجتهادها في حصر التقديم لجوائز التفرغ في موضوعات بعينها، وكان يمكن لهذا الإعلان أن ينقذ كثيراً من المبدعين المتميزين من الحرج الذي أحسوا به بعدما تم إبعادهم عن المنافسة، وكان من شأن هذا الإعلان الذي لم يصدر أن يمنح بعضهم فرصة التقدم للجائزة في موضوعات إبداعية أخرى يتقنونها، مثل: الشعر أو القصة أو الرواية. يتساءل مثقفون كثر عن الفائدة التي تجنيها الثقافة والحياة الإبداعية من غياب موضوعات مهمة عن حقول الجائزة، وبخاصة النقد، وهو ما ورد، على سبيل المثال في مقال للناقد زياد أبي لبن في صحيفة «الدستور». لقد عبّر عن عدم رضاه عن ذلك. ويتساءل المرء كيف يكون إبداع دون نقد. حقاً هناك نقاد «يزعجون» الأدباء بنقدهم، لكن هذا «النقد» يبعث الحياة في الثقافة ويجدد دماءها. ثاني هذه التساؤلات ينصب على المعايير التي استندت إليها لجنة التحكيم في الحكم على المبدعين وتقييم مستحق التفرغ من غيره؟ فيما بدا أن سائر المتقدمين تقريباً تتحقق في مشاريعهم الجودة، وتتوافر فيهم شروط الفوز. إن غياب المعايير المنطقية والعلمية عن لجنة التحكيم أثار مجموعة أسئلة لدى المثقفين: أكان الإبداع حقاً هو المعيار الوحيد؟ أتضمنت المعايير عدد مؤلفات المبدع، وحاجته إلى الراحة والبعد عن صخب الحياة وأتعابها، أم اعتمدت مدى خبرته في مجال الإبداع؟ وهل يمكن أن يمنح المبدع جائزة على مشروع يحلم بإبداعه؟ وماذا يختلف المشروع الإبداعي الفائز عن غيره من المشاريع الإبداعية؟. هذه الأسئلة وغيرها تثار حول جوائز التفرغ الإبداعي والثقافي، وتمتد لتطال غياب المقاييس التي اتبعتها لجنة التحكيم في اختيار الفائزين. لعلها أسئلة مشروعة ومحقة، وتحتاج إلى إيضاحات من وزارة الثقافة بوصفها راعية المشروع والقائمة على تنفيذه، والحريصة على إنجاحه. * مدرس في جامعة البلقاء التطبيقية |
|
|||||||||||||