العدد 30 - حريات
 

سامر خير أحمد

غادرت "سناء" بيتها إلى بيت أبيها، حين علمت أن زوجها المتعطّل عن العمل، درج منذ شهور على الأخذ من راتبها، وإعطاء أهله مبلغاً من المال، من دون إذنها. كانت سناء تظن أن زوجها يستعمل مالها كي يصرف على البيت ويدير شؤونه، ولهذا، تعوّدت أن تسلمه راتبها في نهاية كل شهر، وكلها ثقة بأنه يستعمله في ما يخدم الأسرة.

بعد شهور، رجعت سناء إلى بيتها، منطلقة من وجوب التضحية حفاظاً على الأولاد، بينما تعهَّد الزوج أن لا يعيد صنيعه ثانية. لكن سناء ما تزال على علاقة سيئة بأهل زوجها، فقد اشترطت أن لا يزوروها، وأن لا تزورهم إلا في أضيق المناسبات، ولا تمكث عندهم طويلاً، فهي لم تستطع أن تنسى "سرقتهم" لها وتآمرهم عليها.

هذه واحدة من قصص عديدة، تكاد فيها الأسرة أن تنهار بسبب مصادرة الزوج حرية زوجته في التصرف براتبها، وحرمانها من تحقيق استقلاليتها المالية، وهي التي عّدها مفكرون، شرطاً لتحرير المرأة، ومن ثم إقامة المساواة الشاملة والديمقراطية الفعلية في المجتمع، لأنه، بحسب قول الراحل هشام شرابي في كتابه "النظام الأبوي وإشكالية تخلّف المجتمع العربي": في غياب المساواة بين الرجل والمرأة ينتفي مبدأ المساواة إطلاقاً.

وإذا كانت قصة "سناء" تتمثل في التصرف براتبها من دون علمها، فإن قصصاً أخرى تتمحور حول إجبار الزوجة على الإفصاح عن كيفية التصرف بالراتب، أو إجبارها على توجيهه نحو مجالات صرف معينة.

تروي جميلة وفيق قصة إحدى صديقاتها، واسمها "آمال"، انهارت حياتها الزوجية، لأنها أخفت عن زوجها كيفية صرف راتبها. كان أهل "آمال" يرفضون تزويجها أول الأمر بسبب اعتمادهم على راتبها، لكن بعد إلحاح المجتمع المحيط، وافق أبوها على تزويجها، لكنه اشترط عليها أن تواصل تزويده بنصف راتبها. وافقت "آمال"، وأخذت تفعل ذلك من دون علم زوجها، الذي كان يظن أن زوجته تتسلم من عملها ذلك المبلغ الذي أفصحت له عنه، وليس ضعفه كما هي الحقيقة. حين علم الزوج حقيقة راتب زوجته، وأنها تسلّم أباها نصف راتبها من دون علمه، اعتبر الأمر استغفالاً له، وقرر تطليقها بعد شهور من زواجهما.

ترى وفاء حندل (30 عاماً، موظفة متزوجة) أن كيفية صرف راتب الزوجة هو أمر يمكن التفاهم عليه بين الزوجين، وتقول إن الخلاف بسبب هذا الموضوع، لا يمكن أن يقع إذا كان بين الزوجين تفاهم، بشكل عام، على كل تفاصيل الحياة، وتخطيط مشترك لأهداف العائلة ومستقبلها. وبينما تؤكد أنها لا تعرف حالات أدى فيها الخلاف على هذا الأمر إلى هدم الحياة الزوجية برمتها، فإنها تعتقد أن تعنت الأزواج تجاه راتب الزوجة، وافتعال المشاكل بسببه، لم يعد منتشراً، بخاصة بين الأزواج الشباب، ربما –حسبما تقول- بسبب زيادة الوعي بينهم، وزيادة مشاركة المرأة في التخطيط للعائلة، لأنها باتت أكثر اطّلاعاً على تعقيدات الحياة ومشاكلها، بفعل احتكاكها المباشر بالناس خلال العمل.

أسماء ناصر (35 عاماً، موظفة متزوجة) تأخذ موقفاً مطالباً بالمساواة، قائلة إن على المرأة العاملة إدراك أن عملها ودخلها هما من عوامل اختيار زوجها لها، ولهذا فإنه ليس من المنطقي أن تمنع راتبها عن المشاركة في مصاريف البيت بعد زواجها، أو أن تشترط على زوجها عدم مساس راتبها. وبينما تشترط أسماء المصارحة بين الزوجين في شأن مقدار الدخل وكيفية صرفه، فإنها تؤكد ضرورة مشاركة الزوجة في مصاريف الأسرة، التي غالباً ما تحتاج الراتب كله، على أن يتبقى للمرأة ما يلزم مصاريفها الخاصة في أضيق الحدود فقط، فبغير هذا لا يمكن لأسرة مكونة من زوجين موظفين، أن تتابع حياتها وتوفر مستلزماتها، في ظل حالة الغلاء التي نعيشها، على حد قولها.

وليد عبدالحميد (33 عاماً، موظف متزوج) يرى أن موضوع راتب الزوجة لا يصنع المشاكل، إلا إذا غاب مبدأ المشاركة عن الحياة الزوجية، أو تعنتت المرأة في تعاملها مع زوجها بشأن مشاركتها في تكاليف الحياة. ويستغرب وليد من مناداة بعض النساء بترك راتب الزوجة لحاجاتها الشخصية، وأمورها الخاصة، متسائلاً: هل يصنع الزوج براتبه مثل ذلك أصلاً، أي ينفقه على حاجاته الخاصة، أم أنه يصرفه على شؤون الأسرة التي تمثل الزوجة شريكة فيها؟! ويقول: إذا كانت الحجة هي أن مسؤولية نفقات الأسرة تقع على عاتق الزوج وحده، فبأي حق تطالب المرأة حينها بالمساواة مع الرجل؟ فالمساواة لا تكون مطلباً منطقياً، إلا في حال الشراكة في جوانب الحياة كافة.

بيان أسعد (28 عاماً، موظفة غير متزوجة) تقول إن ارتفاع تكاليف الحياة لم يترك مجالاً ليكون موضوع التصرف براتب الزوجة محل جدل، فمن الضروري أن تصرف المرأة راتبها على شؤون الأسرة وحاجاتها. وتعتقد أن الرجل لا يأخذ من راتب زوجته إلا إذا كان محتاجاً للمال، كأن يكون دخله غير كافٍ لتلبية احتياجات العائلة ومصاريف الأولاد، ولهذا -تتابع بيان- لا نسمع في العادة عن أزواج أغنياء يجبرون زوجاتهم على تسليمهم الراتب، فمشكلات كهذه لا تقع إلا في عائلات محدودة الدخل.

للمشاركة وإبداء الرأي: www.al-sijjil.com

حق الزوجة في راتبها ضرورة لاستقرار الأسرة
 
12-Jun-2008
 
العدد 30