العدد 5 - اقتصادي | ||||||||||||||
عرضنا في الحلقة السابقة من هذه الدراسة للمناطق الصناعية المؤهلة Qualified Industrial Zones التي أسست بموجب اتفاقية السلام الأردنية-الإسرائيلية، بوصفها إحدى وسائل تحفيز الشراكة الاقتصادية بين البلدين، حيث يشترط وجود 9% من رأسمال الشركة المستثمرة من مدخلات إسرائيلية، وتكون المكافأة هي دخول المنتجات إلى السوق الأميركية مباشرة بدون جمارك. والمفارقة أن حوالي 90% من “الصادرات الأردنية” إلى الأسواق الأميركية ما بين الأعوام 2001 و 2004 قد تم من خلال هذه المناطق وليس من خلال بنود اتفاقية التجارة الحرة الأردنية- الأميركية، دون أن تنعكس إيجاباً على الاقتصاد الأردني. فعلى الرغم من أن المناطق الصناعية المؤهلة حققت للأردن نمواً هائلاً في مجال تجارة التصدير الى السوق الأميركي التي تصل الى (حوالي مليار دينار سنوياً وهي معفية من كل ضرائب الدخل والمبيعات والرسوم كما هي أيضًا مدخلات الإنتاج) الا أن هذه الأرباح تذهب مباشرة إلى جيوب المستثمرين من الصين وكوريا والفيلبين وتايوان والباكستان وإسرائيل ولا تدخل في حسابات الاقتصاد الأردني، ولا يوجد في هذا المجال إلا الوظائف والخدمات التي تقدم لهذه المصانع، ويمكن أن تدخل في حسابات الاقتصاد الأردني باستثناء ناتج المصانع الأردنية. كما لفتت الى الأوضاع المزرية للعمال الأردنيين العاملين بها، حيث ترتبط الوظائف التي توفرها المناطق الصناعية المؤهلة بالحد الأدنى من الأجور، وهو 85 دينارًا (حوالي 120 دولاراً) وأحياناً أقل، وظروف عمل سيئة مما يجعل غالبية الأردنيين رافضين لهذه الوظائف ولا يقبلونها إلا في حالة الفقر المدقع. وتزيد الأمور صعوبة بالنسبة للنساء العاملات، إذ أشارت دراسة لمنظمة العمل الدولية إلى أن نسبة 2ر1 بالمائة منهن فقط يتقاضين أكثر من 160 دينارًا شهرياً، وأنهن يواجهن التمييز، وعدم العدالة ولا أماكن مخصصة لهن للاستراحة كما إنهن مضطرات للتعايش في بيئة يصل عدد العمال الأجانب فيها إلى نسبة تتجاوز 85 بالمائة. وفي حلقة اليوم، وهي الثانية، نعرض لتفصيلات الصعوبات التي تواجهها النساء العاملات في هذه المصانع، فضلاً عن الكلفة البيئية التي يتكبدها الأردن. تمكين المرأة-وهم أم حقيقة؟ من المهم إلقاء الضوء على النقطة الرابعة هنا والمتعلقة بتوظيف النساء الأردنيات التي تدعي أن هذه المناطق قد وفرت فرصاً جيدة لتوظيف الفتيات. وربما يكون هذا النسق صحيحاً في حال استخدمنا مؤشر نسبة النساء في العمالة التي تبلغ 65% من الأردنيات مقابل 35% من الأردنيين الذكور، ولكن ظروف العمل تعتبر سيئة واستغلالية. وعلى سبيل المثال فقد أقدمت الشركات الإسرائيلية الداخلة في تلك المشاريع على توظيف النساء لأسباب تتعلق بانخفاض أجورهن عن أجور العامل الذكر فضلاً عن انخفاض أجر أي عامل في تلك المنطقة عن نظيره الإسرائيلي بمراحل ومن الشركات التي تنتهج ذلك شركة ‘دلتا الجليل’ الإسرائيلية، فهي تقوم بتنفيذ تعاقدات تصنيعية بماركات عالمية مثل (Gap) و(فيكتوريا سيكريت) و(رالف لورين) من خلال استغلال العمالة النسوية الأردنية مقابل 80 ديناراً أردنياً شهرياً أي (ما يعادل 112 دولارا) وهذا ما لا يقارن بأجر العامل الإسرائيلي الذي يتعدي 1000 دولار شهرياً. ويقول مدير دائرة الشرق الأوسط في وزارة التجارة الإسرائيلية إن العامل الإسرائيلي يكلف ألف دولار شهرياً مقابل (150) دولاراً للعامل الأردني على أقصى تقدير. وقد أفادت دراسة مسحية أجرتها وزارة العمل الأردنية، والاتحاد العام لنقابات عمال الأردن، وغرفة صناعة عمان، واللجنة الوطنية الأردنية لشؤون المرأة حول أوضاع العاملات في المناطق الصناعية المؤهلة عام 2004 أن هذه الفرص الجديدة في صناعة النسيج والألبسة التصديرية، ترتكز، إلى حد كبير، على أجور متدنية وتوصيف العمل والتقسيم الوظيفي حسب النوع الاجتماعي. وبما أن العمل الذي تقوم به النساء في طبيعته روتيني قائم على الجمع والتكرار للخطوات نفسها، فهو لا يوفر فرص تطور مهنية أو تدريب أو اكتساب مهارات، فعليه يمكن نقلها والاستفادة منها في أعمال أخرى. ومعظم هؤلاء النساء، يبدأن العمل من موقع ضعف وعدم قدرة على المفاوضة للحصول على مكاسب أكبر في العمل بسبب عدم وعيهن بحقوقهن. وكما بين معظم العاملين والعاملات، فإن ظروف العمل وشروطه غير لائقة، بسبب عدم توفير أنظمة تهوية، وتدني شروط الصحة العامة والنظافة، وازدحام أماكن العمل، وعدم كفاية الخدمات من أماكن مخصصة للاستراحة ودورات المياه. ولكن هذه الدراسة أفادت في المقابل، أن توجه الفتيات للعمل في هذه المصانع ولو برواتب ضئيلة ساهم في تحقيق قدر من الاستقلال الاقتصادي وتقوية مكانة المرأة في المناطق المحافظة والريفية القريبة من هذه المصانع، وكسر حاجزاً اجتماعياً وثقافياً مهماً. ومن الواضح أن الاعتماد الكلي على تجربة المناطق الصناعية المؤهلة لتحقيق النجاح “السياسي” في اتفاقية التجارة الحرة الأردنية-الأميركية لم يحقق نجاحاً اقتصادياً حقيقياً في الأردن، ولم يساهم في إنشاء وتطوير بنية صناعية وتجارية متقدمة في المجالات ذات القيمة المضافة العالية. هذا بالإضافة إلى الاستهلاك الكبير في موارد الطاقة والمياه التي ذهبت إلى المستثمرين ولم تحقق فائدة جذرية لبنية الاقتصاد الأردني. الكلفة البيئية: لم تحقق الاتفاقية أي تقدم ملموس في مجال إدارة البيئة والحماية من التلوث في المناطق الصناعية المؤهلة. في الواقع بعض هذه المناطق الصناعية أصبحت بؤر تلوث، وتم توثيق قيام بعض المصانع بإسالة المياه العادمة الصناعية إلى الأودية والبيئة المحيطة، والتخلص غير الصحيح من النفايات الصلبة والخطرة بدون رقابة. ومن الجدير بالذكر أن قانون مؤسسة المدن الصناعية في الأردن يعطي مدير المؤسسة ووزير المالية صلاحيات وزارة البيئة في الرقابة على الأداء البيئي في المناطق، وهذا ما يجعل الحكومة غير قادرة فعلياً على تطبيق قانون البيئة في المناطق الصناعية ومنع التلوث، لأن الصلاحيات تبقى بيد مدير المؤسسة الذي لن يقوم بالطبع بفرض عقوبات بيئية على المستثمرين، لأن دوره هو في حمايتهم وتقديم كل التسهيلات لهم. وبالإضافة إلى ذلك، فإن الكلفة البيئية لنشاط هذه المناطق الصناعية التي تتضمن استهلاك المياه والطاقة والموارد الطبيعية والتخلص غير الآمن ولا المناسب من الملوثات يتم دفعها من قبل الاقتصاد الأردني نفسه وليس الاستثمار في المناطق الصناعية مما يحتم دمج الكلفة البيئة ضمن سياق آلية الإنتاج والتصدير الخاصة بالمناطق الصناعية وعدم تحميلها على كاهل الاقتصاد الأردني. في العدد المقبل.. حلقة ثالثة مجمـــل الدراسة أعدـــها الكــاتب والباحث البيــــئي باتـــر وردم، لـورشـــة عـمل أقيـــمت قبل أشـــهر في القاهرة، حول اتفاقــــيات التجارة الثنائية للدول العربية مع الولايــات المتحدة وأوروبا بتنظيم من «شـــــبكة العالم الثالث»، و«الشبكة العربية للمنظــــمات غيــــر الحكومية». |
|
|||||||||||||