العدد 30 - اقليمي | ||||||||||||||
نهاد الجريري لم يكن يعرف عن هدى نونو قبل عام 2006، عندما عينها ملك البحرين عضوا في مجلس الشورى، سوى أنها من عائلة نونو، العائلة اليهودية الوحيدة المتبقية في المملكة الخليجية. لكنها قبل عدة أسابيع صارت مثار جدل واسع في داخل البحرين وفي المنطقة والعالم، بعد أن عينها الملك حمد موظفة رفيعة في وزارة الخارجية، تمهيدا لتعيينها سفيرة بلادها إلى واشنطن. أي من التعيينات الحكومية السابقة في المنامة لم تكن يوما مدار أخذ ورد في الأوساط السياسية والإعلامية البحرينية. إلا أن مسألة تعيين نونو أثارت انقساما حادا في الرأي العام، ليس فقط بين مؤيد ومعارض وإنما داخل المعسكر المعارض نفسه. المعارضون من المعارضين من يتخذون من ديانة نونو اليهودية حجة لمنع تعيينها تخوفا من أن يمهد ذلك للتطبيع مع إسرائيل، وأن كونها يهودية لن يجعلها تتوانى مثلا عن مصافحة أي دبلوماسي إسرائيلي. هؤلاء المعارضون يمثلون التيارات الإسلامية التقليدية في البحرين من سنة وشيعة مثل جماعة المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، وجمعية المنبر الوطني الإسلامي وجمعية الوفاق الوطني الإسلامية. اللافت أنه داخل هذا التوجه الأصولي، ثمة من يؤيد تعيين نونو، ما يوهن الحجج الرافضة. من هؤلاء المؤيدين غانم البوعينين رئيس كتلة الأصالة الإسلامية (سلف) النائب الأول لرئيس مجلس النواب، وصلاح علي، النائب الثاني لرئيس المجلس من كتلة المنبر في البرلمان وهي كتلة "إخوانية". النوع الثاني من المعارضين ينطلقون من مسألة افتقار نونو إلى الخبرة والكفاءة لتولي مثل هذا المنصب، بالرغم من إقرارهم بمواطنتها وببحرينيتها بغض النظر عن دينها. هؤلاء ينتمون إلى المعارضة الليبرالية والديمقراطية مثل المنبر الديمقراطي التقدمي وجمعية العمل الوطني الديمقراطي (وعد). أما النوع الثالث من المعارضين فيرفضون أن يروا امرأة تتقلد مناصب رفيعة. رضا الموسوي مسؤول قسم الشؤون المحلية في جريدة الوقت البحرينية والناطق باسم جمعية (وعد) يقول إن "هؤلاء لا يفصحون عن أنفسهم لأن هذا المنطق في المعارضة سيكون محل ازدراء من الجميع، خاصة وأن المرأة في البحرين حصلت على حق الترشح والانتخاب،" فثمة سفيرات ووزيرات وعضوات في مجلس الشورى. فيصل فولاذ مدير العلاقات الإقليمية والدولية بجمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان والمقرب من نونو يلفت إلى أن الاعتراضات جاءت من رجال، وهذا أكبر دليل على التحيّز ضد نونو لأنها امرأة لا أكثر ولا أقل "كما هي طبيعة المجتمعات العربية والشرقية عموما" بحسب فولاذ. المؤيدون من كل لون المؤيدون لتعيين نونو في المقابل، جاؤوا من خلفيات سياسية وفكرية متعددة، وهو ما يحسب لصالحها من دون شك. فمنهم كما أسلفنا شخصيات في الاتجاه الإسلامي السلفي، بالإضافة إلى شخصيات وطنية قومية مثل عبدالعزيز أبل وهو نائب مستقل من التيار الوطني، وعادل العسومي رئيس كتلة المستقبل وهو ليبرالي، ومنهم النائبة الوحيدة في البرلمان لطيفة القعود وهي أيضا من كتلة المستقبل. نونو والتطبيع عبد النبي العكري، الناشط في مجال حقوق الإنسان، لا يعتبر تعيين نونو خطوة جدية في اتجاه التطبيع. ويدلل على ذلك بما أثير في البحرين في الآونة الأخيرة من أنباء تزعم أن التطبيع بدأ بالفعل. يقول العكري: «هنالك أنباء عن اجتماعات عقدت في نيويورك في أيلول/ سبتمبر الماضي بين مسؤولين بحرينيين ووزيرة الخارجية الإسرائيلية تسيبي ليفني، إضافة إلى إلغاء مكتب مقاطعة إسرائيل في المملكة قبل ثلاثة أعوام، وأنباء عن حث اليهود على مغادرة البحرين، أو عن أن الإسرائيليين أصبحوا يدخلون أرض البحرين.» وهذه مؤشرات تدل في التحليل النهائي على أن ملك البحرين ليس بحاجة إلى تعيين يهودي أو يهودية حتى يبدأ التطبيع. ويرجح العكري أن يكون تعيينها بحكم ديانتها اليهودية قد جاء رسالة من البحرين إلى واشنطن لتثبت أنها جادة في برنامجها الإصلاحي القائم على إلغاء أصناف التمييز على أساس العرق والدين والجنس. ويقول إن «هذه الخطوة لا تدعم البرنامج الإصلاحي، لأن التمييز ضد المرأة وغيرها لا يزال قائما وتعيين نونو في هذا المنصب لن يخفف من وطأته.» نونو والكفاءة في المقابل، يعتقد العكري أن الأساس في معارضة تعيين نونو يأتي لأسباب مهنية بحتة. ويقول «على السفير المعين في واشنطن، عاصمة أهم دولة في العالم، أن يتمتع بالكفاءة والخبرة، وأن يكون دبلوماسيا محترفا.» وهذه عناصر بحسب العكري لا تتوفر في نونو. لكن محمد المحميد الكاتب في صحيفة أخبار الخليج رئيس قسم الإعلام في مجلس النواب البحريني، يرى أن هدى نونو تتمتع بالكفاءة والخبرة اللازمتين للقيام بمهمة تمثيل بلادها في واشنطن. ويشرح: «عملت نونو كمواطنة بحرينية في المجال الحقوقي من خلال رئاستها لمنظمة حقوق الإنسان البحرينية، وعملت في الجانب التشريعي بحكم عملها في مجلس الشورى، وهو ما وفر لها خبرة في العمل السياسي أيضا.» فيصل فولاذ مدير العلاقات الإقليمية والدولية بجمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان، يتفق مع هذا الطرح ويقول إن نونو قادرة على تمثيل بلادها على خير وجه، إذ إنها تدير أكبر شركة مصرفية ومالية في البحرين، بالإضافة إلى إدارة شركة لتقنية المعلومات. ويزيد أن عملها في مجلس الشورى يتعلق باللجنة المالية والاقتصادية تحديدا "التي تناقش التقارير والميزانيات وتجتمع مرات عديدة كل أسبوع،" وهذه لجنة لها أهميتها الخاصة. هذا الارتباط بمجال المال والأعمال رجح عند بعض البحرينيين مثل المحميد أن تكون نونو مفيدة جدا في تدعيم العلاقات التجارية بين البحرين والولايات المتحدة. الجدل خارج البحرين ردود الفعل على تعيين نونو تمثلت في عدد المدونات التي كتبت عن هذا الخبر. منهم من أيد على أساس أنها يهودية وهؤلاء هم المدونون اليهود عموما، والإسرائيليون تحديدا، ومنهم من عارض على أساس أنها يهودية، وهؤلاء عرب يخشون التطبيع، ومنهم من أيد على أساس أنها عربية قبل كل شيء وأنها امتداد لشخصيات يهودية عربية عُرفت بمواقفها الوطنية سواء قبل إقامة دولة إسرائيل أو بعدها. في التوجه الأول برز موقف عبر عنه موقع إسرائيلي للمدونات The Jewish and Israeli Blog Network مخصص «لكل ما يتعلق بإسرائيل واليهود». تلقى الموقع الخبر بابتهاج وكتب: «إنها لفتة رائعة، سواء أكانت حركة إعلامية أم لا، نتمنى أن نرى دولة عربية تعين مسلمة سفيرا لها في إسرائيل.» صحيفة Jewish Chronicle، البريطانية التي تعد أقدم صحيفة يهودية في العالم، أوردت مقالا تتبع حياة نونو أثناء دراستها في لندن. ونقل عن الحاخام جيريمي روزين الذي أشرف على تعليمها الثانوي في لندن أنها كانت «يهودية بقوة وكانت دائما تقول إنها سعيدة في البحرين.» وفي المقابل، كتب أستاذ الاجتماع الليبي خالد علي بشر في مدونته khalidalibeshr.maktoobblog.com أن نونو هي «إستر البحرين». وإستر، بحسب التوراة، هي حامية اليهود، إذ حالت دون قتلهم على أيدي الفرس إبان حكم الملك أحشويرس. أما في التوجه الثالث الذي يعتبرها عربية قبل كل شيء فبرز مقال للكاتب العراقي سمير عبيد، الباحث في مركز الشرق للدراسات في لندن، نشره في موقعه الرسمي stratoserver.net/SamirObeidNet ربط فيه بين الأصول العراقية لنونو، وبين العراقي اليهودي حسقيل ساسون الذي تولى منصب وزير المالية العراقي عام 1921. عبيد وصف حسقيل بأنه "أحرج البريطانيين إذ كان مفاوضا صلبا لمصلحة العراق." واختتم المقال مذكرا بمرثية كتبها الشاعر العراقي معروف الرصافي في ساسون، جاء فيها: نعى البرق من باريس ساسون فاغتدت ببغداد أم المجد تبكي وتندب ولا غرو أن تبكيه إذ فقدت به نواطق أعمال عن المجد تعرب لقد كان في الأوطان يرأب صدعها فيسعى إلى الإصلاح فيها ويدأب **
سيرة سيدة من البحرين نونو هي ثالث سيدة بحرينية تتولى منصب سفيرة. سبقتها الشيخة هيا بنت خليفة سفيرة إلى فرنسا، وبيبي العلوي، وهي شيعية المذهب، سفيرة إلى الصين. السجل حاولت الاتصال بهدى نونو، إلا أن مقربين منها نقلوا عنها أنها لا تفضل أن تدلي بأي تصريح حتى يصدر قرار رسمي بتعيينها في واشنطن. كل ما يُعرف عنها أنها وُلدت عام 1965، تلقت تعليمها الثانوي في كلية كارميل في لندن، وهي الآن تحمل شهادة الماجستير في إدارة الأعمال من بريطانيا. انخرطت في النشاط العام منذ 2004 عندما أصبحت عضوا في جمعية البحرين لمراقبة حقوق الإنسان، وتولت فيما بعد رئاسة هذه الجمعية حتى اليوم. في 2006، عينها الملك في مجلس الشورى ممثلة للطائفة اليهودية خلفا لابن عمها إبراهيم. بالإضافة إلى عملها الحقوقي والتشريعي، تعتبر نونو سيدة أعمال متمكنة، فهي وزوجها يديران أكبر شركة صيرفة في البحرين كانت قد ورثتها عن جدها أبراهام. لها ولدان: الأكبر يبلغ من العمر 17 عاما، وهو مولع بسيارات السباق، والثاني يبلغ 15 عاما. تتنقل في معيشتها بين المنامة ولندن حيث تملك منزلا هناك. تنتمي نونو إلى عائلة يهودية هاجرت من العراق مطلع القرن الماضي. تعداد هذه الطائفة في البحرين لا يتجاوز اليوم الأربعين شخصا، من بين 530 ألف نسمة هم مجمل سكان البحرين. أعداد كبيرة من هذه الطائفة غادرت إلى إسرائيل بعد حربي 1948 و 1967. تعمل هذه العائلة في التجارة، جدها أبراهام نونو أسس أول شركة صيرفة في البحرين، وكان عضوا في المجلس البلدي للبحرين عام 1919 إبان الانتداب البريطاني. ويشترك يهود البحرين مع يهود دول أخرى في الخليج في أنهم أصحاب مال ورجال أعمال، رغم العدد القليل جدا منهم الذي بقي في تلك البلدان. وعن الطائفة اليهودية، يقول الموسوي، مسؤول الشؤون المحلية في جريدة الوقت البحرينية، إنهم منطوون على أنفسهم. لكنه يؤكد أنهم جيدون في تعاملهم مع الآخرين حتى إن «بعضهم أفضل من المسلمين في علاقاتهم مع الناس، فهم معروفون بأعمالهم الخيرية وبأنهم يفضلون تشغيل البحرينيين في تجارتهم، في حين أن بحرينيين آخرين يفضلون العمالة الوافدة.» كما كتب يقول. وفي كل الأحوال، لا تزال الأنباء عن توجه بحريني لتعيين نونو سفيرة في واشنطن يثير علامات استفهام. مصادر بحرينية رفضت الكشف عن هويتها قالت إن المؤشرات حتى اللحظة الأخيرة كانت جميعا باتجاه أن يتولى حمد المنصوري الذي قام بأعمال السفير البحريني في عمان المنصب نفسه في واشنطن، حتى إنه تلقى تهنئات استبقت هذا الخبر. فإن تم له ذلك، يكون خبر تعيين نونو قد فعل فعله في تحريك المياه الراكدة حول وضع ما تبقى من يهود في البلدان العربية. |
|
|||||||||||||