العدد 5 - اقتصادي
 

تتعرض التعديلات التي أجرتها الحكومة على بعض بنود القانون المعدل لقانون الشركات للعديد من الانتقادات .. ويعد بند بتخفيض رأسمال الشركات الخاصة من 30 ألف دينار الى 3 آلاف دينار من أبرز النصوص غير المقبولة والتي يصفها رجال أعمال وخبراء بالمبهمة وغير المبررة .. كونها ستساهم في تخفيض القيم التقديرية للشركات الخاصة متوسطة الحجم الى جانب دورها في تعقيد عملية تصنيف الشركات.

ومن المآخذ التي يرونها أن هذه التعديلات سبقت تسهيل الإجراءات حيث من السهل تعديل أي تشريع ولكن الأمر الأصعب تطبيق القانون بطريقة كفؤة وفعالة في ظل سلبيات بارزة تظهر على أرض الواقع، مؤكدين أن تسهيل الإجراءات أهم بكثير من تغييرات تشريعية تأتي في غير أوانها ولا تراعي الظروف الاقتصادية واحتياجات السوق.

أهم ملامح التعديلات على القانون، يعرضها مراقب عام الشركات الدكتور محمود عبابنة، وأبرزها ما يتعلق بحجم رأسمال الشركة ذات المسؤولية المحدودة، مشيراً إلى أن التوصيات وضعت بعد الإطلاع على عدد من الدراسات العالمية وتقارير البنك الدولي، إذ تم تبني تخفيض رأسمال الشركة من 30 ألف دينار ليصبح 3 آلاف دينار تسهيلاً على المستثمرين الجدد وصغار المستثمرين لمباشرة الأعمال، وذكر أن الدائرة تدرس تخفيضه الى ألف دينار.

وبلغ عدد الشركات المسجلة لدى مراقبة الشركات خلال النصف الأول من العام الحالي 4656 شركة مقارنة مع 4979 للفترة نفسها من العام الماضي، في حين بلغ حجم الاستثمار في الشركات المسجلة خلال النصف الأول من العام الحالي 439.8 مليون دينار مقارنة مع 671.393 مليون دينار للفترة ذاتها من العام الماضي.

وتم تسجيل 15 شركة مساهمة عامة و1079 ذات مسؤولية محدودة و2848 شركة تضامن و493 توصية بسيطة و99 معفاة و14 شركة لا تهدف الى الربح و23 شركة مدنية و85 شركة مساهمة خاصة.

لكن الخبير الاقتصادي الدكتور هاني الخليلي أكد أن هذا التعديل "مبهم وليس له ما يبرره" وقال "أنا شخصياً لم أفهم التعديل، وما الغاية منه، وما هي الفلسفة من تخفيض رأسمال هذه الشركات، خصوصاً وأنها تأتي في المرتبة الثانية من بين أنواع الشركات من ناحية قيمة رأس المال.

وينعكس هذا التعديل على القيمة التقديرية لهذا النوع من “الشركات” بحسب الخليلي الذي يرى أن خفض رأسمالها الى حد 3 آلاف دينار سيقلل من قيمتها السوقية، ويضعها في مصاف الشركات الصغيرة، ويقلص عدد الشركات المتوسطة الحجم عن السوق، ويسرق بريقها.. ويذهب الخليلي، الى أبعد من ذلك، إذ يقول هذا البند “سيخلط الحابل بالنابل” حيث سيصبح تصنيف البقالة والمصنع في الدرجة والمنزلة نفسيهما".

نصوص الشركات المساهمة العامة ذات الثقل الاقتصادي نالت هي الأخرى نصيبها من التعديل كما يقول الدكتور العبابنة، حيث استأثرت بالكم الأكبر منه.

ومن أبرز أوجه التغيير "ترسيخ مبدأ الفصل بين الإدارة والملكية، إذ لم يعد بالإمكان قبول الجمع بين منصب المدير العام أو الرئيس التنفيذي ومنصب رئيس مجلس الإدارة" الأمر الذي يعترف الخليلي بإيجابيته لدوره في ترسيخ مفهوم الحوكمة وكبح دابر الانتفاع والانحراف بإدارة هذه الشركات.

ومن وجهة نظر الخليلي، يساعد شرط الاحتفاظ بأسهم الشركة المحولة إلى مساهمة عامة مدة لا تقل عن عام في ترسيخ مبدأ الحوكمة والشفافية في الإدارة، ويحول دون وقوع عمليات نصب واحتيال تضر بمصالح صغار المساهمين في الشركة .. ويشاركه الرأي مراقب الشركات الذي يعتقد أن حظر تداول الأسهم في الشركات المحولة إلى مساهمة عامة لمدة عام بعد أن كان يتم التداول بها مباشرة، يفوت الفرصة على كل شريك يهدف من وراء تحويل شركة متعثرة إلى مساهمة عامة الى التخلص من الأسهم وبيع حصصه على الفور لصغار المتاجرين في بورصة الأوراق المالية.

وتوفر التعديلات أكثر من أداة تدعم مبادىء الإدارة الحكيمة،- بحسب الخليلي- من خلال رفع الحد الأدنى لأعضاء مجالس الإدارة من ثلاثة أعضاء إلى خمسة أعضاء كما تضمن القانون.. وأيضاً من خلال زيادة قيمة الحد الأدنى لمكافأة مجلس الإدارة إلى عشرة آلاف دينار بدلاً من خمسة آلاف دينار لمنع لجوء بعض مجالس الإدارة الى زيادة المبلغ المتواضع عن طريق احتساب نفقات السفر والانتقال.

ويقول العبابنة وبهدف حماية أقلية المساهمين، تم تخفيض النسب اللازمة لتشكيل لجان التدقيق على دفاتر وحسابات الشركة، فأصبحت ضرورة توفر طلب من مساهمين يمتلكون 10% من رأس المال بدلاً من 15 % كما تم تخفيض نسبة ملكية المساهمين الذين لهم الحق في طلب إقالة رئيس أو أحد أعضاء مجلــس الإدارة لتصبـح 20 % بدلاً من 30 %، مشيراً الى أن القانون الجديد تضمن بنودا تهدف الى تحقيق الانسجام بين إجراءات التأسيس ومتطلبات هيئة الأوراق المالية وتم اطالة المدة الممنوحة للجنة والمؤسسين لتصبح 90 يوماً بدلاً من 60 يوماً لتتمكن اللجنة من استكمال إجراءاتها.

ويزيد العبابنة، وبهدف تحفيز ودعم اندماج الشركات، جرى تخفيض الحد الأدنى لحضور الهيئة العامة غير العادية المؤجل في حالة الاندماج ليصبح ضــرورة "توافر مساهمين يمتلكون 50% من رأس المال لتقرير حالة الاندماج، في اجتماع الهيئة العامة غير العادي" المؤجل بدلاً من ضرورة توفير نسبة الثلثين، وذلك للتشجيع على الاندماج وتعزيز قدرة الشركات على المنافسة وتحسين جودة منتجاتها حيث جاءت هذه التعديلات استجابة لمطالب مالكي شركات الأدوية والشركات الراغبة في الاندماج.

من جانبه، يؤكد المحامي غسان معمر أن متطلبات سوق رأس المال وحجم الاستثمار المتزايد لا يستدعيان خفض رأسمال الشركات الخاصة بل على العكس تماماً، تدعو الاحتياجات الى زيادته بحيث يصل إلى 50 ألف دينار على الأقل لضمان وجود شركات حقيقية قوية وليست وهمية ضعيفة، مضيفاً أن "الحاجة لا تستدعي إقرار مثل هذا التعديل".

ويختلف معمر مع العبابنة والخليلي بخصوص فصل الملكية عن الإدارة باعتبارها ترسيخاً لمبادىء الحاكمية الرشيدة حيث يشدد على أن" الحاكمية مسألة نظرية وليست تشريعية"، وما تزال في إطار المبادئ النظرية والأكاديمية، ويواجه تطبيقها بالعديد من الصعوبات حتى لدى الدول المتقدمة .. فتطبيقها صعب في ظل اقتصاديات ضعيفة، فعلى سبيل المثال لا الحصر تقصر 90 % من الشركات في تطبيق معايير المحاسبة الدولية رغم أنها مفروضة منذ أكثر من 20 عاماً.

ويسترسل معمر قائلاً: «أصحاب الشركات أكثر حرصاً على حماية أموالهم».. ولا يجوز المبالغة في حماية رأس المال، فالمخاطر الحاصلة هي طبيعية في السوق والعمل الاقتصادي الحر.. وهناك أولويات تستحق من المشرع الالتفات إليها، ومنها، على سبيل المثال لا الحصر، معاملات تسجيل الشركات التي وصفها معمر بأنها غير واضحة المعالم والموافقات التي تحتاجها غير مفهومة.. ومن القضايا التي تحتاج الى معالجة سريعة تعدد الجهات الرقابية على الشركات والتي تتوزع بين مراقبة الشركات وهيئة الأوراق المالية الى جانب البنك المركزي.

توصيات تتناسى احتياجات الاقتصاد
 
06-Dec-2007
 
العدد 5