العدد 5 - اقتصادي
 

بعد أشهر من الصدود السياسي، رفعت الحكومة العراقية أخيراً قيوداً غير معلنة، كانت تمنع إحالة عطاءات رئيسية على رجال أعمال أردنيين أو فتح هذه السوق الضخمة أمام السلع والخدمات القادمة من المملكة، على ما أعلن في عمّان وزير المالية العراقي بيان الزبيدي.

لا ينحصر هذا القرار برجال أعمال وسلع أردنية بل يغطي سائر دول الجوار في وقت خصّص فيه العراق 23 مليار دولار (من عوائد بيع النفط) العام المقبل لتمويل مشاريع إعادة إعمار في القطاعات المختلفة.

الزبيدي أبلغ هذا القرار إلى الحكومة الأردنية خلال زيارته إلى عمّان الأسبوع الماضي التقى في أثنائها رئيس الوزراء نادر الذهبي ووزيري المالية والتجارة والصناعة حمد الكساسبة، وعامر الحديدي.

على أن مسؤولين سابقين شكّكوا في إمكانية نجاح المعادلة الجديدة في ظل تردي الأوضاع في العراق وضبابية خططه المستقبلية.

في حال تطبيق القرار الرسمي، سيستعيد الأردن، على الأرجح، موقعه المميز ضمن دائرة شركاء العراق الأكثر أهمية في المنطقة- علماً أن بغداد كانت شريكة عمان التجارية الأولى قبل الاجتياح الأميركي في ربيع عام 2003- حسبما يتوقع رجال أعمال أردنيون.

منذ تغيير النظام في العراق تراجع حجم التعاون الاقتصادي بين البلدين.

مستشار الأمن القومي العراقي موفق الربيعي، أقرّ في عمّان قبل أربعة أشهر بوجود تباين في وجهات النظر بين أطراف الحكومة العراقية حيال فتح الباب أمام رجال الأعمال الأردنيين لمساهمة في إعادة إعمار العراق.

وزير الصناعة والتجارة الأسبق واصف عازر، يرى أن فكرة المشروع «مجدية» لكنه يلفت النظر إلى أن «الظروف الحالية غير مواتية، وبالتالي فإن نجاج تطبيقه مرهون باستقرار الأوضاع في العراق ووضوح التوجهات السياسية فيها».

ويرى عازر أن تنفيذ خطة الإعمار «مرتبط بالإجابة عن عدد من الأسئلة منها: هل سيبقى العراق وحدة واحدة؟ ويصر الوزير الأسبق على أن «بقاء الحال على ما هو عليه يخلق أجواء غير مريحة للمستثمرين».

إلى ذلك يتحدث «عن تخلف قوانين الاستثمار العراقية» لافتاً النظر إلى «الإعلان عن تشريعات دون أن يطلع مستثمرون على فحواها لغاية الآن».

في قرارها الأخير، شرعت الحكومة العراقية في استدراج عروض من دول الجوار لإبرام عقود من أجل ترميم وتطوير شبكات المياه، الكهرباء، النفط، الغاز، وإصلاح المصانع المتعطلة منذ الاحتلال. كذلك يشتمل القرار على إقامة مشاريع إسكان، صرف صحي، بناء مستشفيات ومدارس وطرق وجسور.

بحسب الوزير العراقي، ستنفق بلاده 100 مليار دولار حتى عام 2010 ضمن موازنة الدولة لتمويل مئات المشاريع الملّحة في تلك القطاعات.

أنبوب نفط من حديثه إلى العقبة

من أهم نتائج الاجتماعات الأردنية-العراقية الاتفاق على مد أنبوب لنقل النفط من مدينة حديثه في محافظة الأنبار غربي العراق إلى ميناء العقبة مرورًا بمصفاة الزرقاء. هذا المشروع يشكل بديلاً أو رديفاً للخط البري الذي يعترضه العديد من العقبات لا سيما الأمنية.

ويهدف الأنبوب إلى ضخ ما تحتاجه المصفاة من النفط الخام و تصدير المتبقي عبر البحر الأحمر. يشير الوزير العراقي إلى أن بلاده تطمح إلى تصدير 500 ألف برميل من الخام يومياً عبر ميناء الأردن الوحيد الأمر الذي يحقق مردوداً اقتصادياً جيداً لكلا البلدين.

يصدر العراق جلّ نفطه حالياً عبر ميناء أم القصر (قرب البصرة على بعد550 كيلو متراً جنوب بغداد)، أي ربع حجم الإنتاج المقدر حالياً ب 2،5 مليون برميل/يومياً.

من جانبه، يؤكد عازر أن «للبلدين مصلحة مشتركة في مد الأنبوب». بالنسبة للأردن سيصله الخام بأسعار أقل مقارنة بتكلفة تحميله على الشاحنات، وسيحقق أيضاً موارد مالية من تصدير النفط عبر العقبة. وهذه مصلحة مشتركة مع العراق الذي سيتوفر «له بدائل لتصدير النفط بدلاً من أنابيب تمتد عبر سورية وتركيا وأيضاً لا تعبر قناة السويس».

ويتوقع عازر أن «يرتفع حجم إنتاج العراق من النفط إلى 10 ملايين برميل يومياً حينما تستقر الظروف الأمنية، الأمر الذي يعني توفير إيرادات مالية ضخمة توظف في إعادة الإعمار بعد الدمار الكبير الذي لحق بمختلف القطاعات العراقية خلال الأربع سنوات الماضية».

ويؤكد أن «إصرار الجانب العراقي على زيادة إنتاجه من النفط ووجود إرادة حقيقية لتنفيذه سيؤدي إلى نجاح المشروع الذي يمتد مسافة 150 كيلو مترا عبر الأراضي العراقية ونحو 500 كليو مترا داخل الأراضي الأردنية».

تعود خطط مد أنبوب للنفط العراقي عبر الأراضي الأردنية إلى عشرات السنين حينما وقعت القيادة العراقية السابقة اتفاقاً مبدئياً لإنشاء أنبوب نفط مع الأردن على أن يقوم العراق بتمويل بناء جزء من الأنبوب داخل أراضيه، بينما يمول الطرف الثاني بناء الأنبوب داخل حدوده. حتى أن الحكومة الأردنية أعلنت في وقت سابق عن طرح عطاء بشأن إنشاء الأنبوب آنذاك بكلفة 300 مليون دولار، ويقدر خبراء أن ترتفع التكلفة إلى 600 مليون دولار على الأقل. إلا أن حرب 2003 وقفت في وجه استمرار المشروع. وكان العراق يزود المملكة باحتياجاتها من النفط بمعدل 100 ألف برميل يومياً وبأسعار تفضيلية إلى أن وقعت تلك الحرب.

وعاود العراق تزويد الأردن بالنفط الخام في الأسابيع القليلة الماضية، لكن بكميات محدودة جدا بسبب تردي الأوضاع الأمنيّة داخل الأراضي العراقية. نصف الكميات المتعاقد عليها والتي تقدر بحوالي 4 آلاف برميل يومياً لم تصل حتى الآن بسبب الوضع الأمني.

خلال زيارته التقى الوزير العراقي مع مستثمرين ورجال أعمال أردنيين في غرفة تجارة عمان بحضور وزيري المالية والتجارة والصناعة الأردنيين.

وأكد الزبيدي أن العراق بأمس الحاجة إلى القطاع الخاص العربي للمشاركة في إعادة إعماره بعد ما لحق به من دمار بسبب الحصار الاقتصادي الذي استمر 13عاماً، وكذلك الحروب المتتابعة منذ الحرب العراقية-الإيرانية (1980-1988) والحرب الأخيرة.

واعتبر الوزير العراقي الأردن “شرياناً حيوياً” للاقتصاد العراقي في ظل حاجة بلاده الماسة إلى ميناء العقبة لتوريد البضائع من وإلى العراق، كون ميناء أم قصر صغير ولا يستوعب حاجة السوق العراقية من البضائع.

رغم التوقعات الأولية بانفراج العمل في قطاع النقل، شبه المشلول منذ مطلع العقد الماضي، ما يزال هذا القطاع غير فعّال، علما أنه يضم أكثر من 15 ألف شاحنة.

أهمية القرار السياسي المتعلق بتشجيع رجال الأعمال الأردنيين على العمل في العراق تكمن في توقيته، بالذات بعد حالة شبه الركود التي أصابت التبادل التجاري بين البلدين عقب تغيير نظام الحكم في العراق ومجيء حكومة جديدة لها أولويات ومهام تختلف اختلافاً كلياً عن الفترة التي سبقت 2003.

وبحسب اقتصاديين من كلا البلدين فإن للتغيير السياسي الذي طرأ في العراق أثراً كبيراً على حجم التبادل التجاري خصوصاً بعد توقف الإمدادات النفطية العراقية للأردن التي كانت تشكل حيزًا كبيراً في ميزان التبادل التجاري بين البلدين.

وتحدث الزبيدي عن تحسن الوضع الأمني في العراق في الأسابيع القليلة الماضية لطمأنة المستثمرين العرب والأجانب، وتشجيعهم على البدء بالاستثمار في العراق. ووصف الطريق البرية بين عمان وبغداد (1150 كيلو مترا) “بالآمن بعد أن كان خطرا جدا”. وأيد تطميناته في تحسن الوضع الأمني على هذا الطريق وزير التجارة والصناعة الأردني عامر الحديدي.

إلى ذلك أكد الحديدي أن العلاقات الاقتصادية بين البلدين “متميزة” وهذا ما فرض على أجندة الطرفين مهمات كبيرة لتطوير العلاقات وتنشيطها في جميع المجالات.

ورحب المستثمرون الأردنيون بالدعوة العراقية الرسمية. وقال نزار العرموطي، النائب الأول لرئيس غرفة تجارة الأردن، إن المملكة ستبقى “رئة للعراق والعكس صحيح ايضاً”.

ووضع مستثمرون أردنيون الحالة الأمنية السيئة على رأس العقبات التي تحول دون دخولهم السوق العراقية. وتساءلوا عن “حجم التحسن الذي تحدث عنه مسؤولا البلدين لكي يستطيعوا البدء في العمل بالعراق مرة أخرى بعد توقف دام أكثر من أربع سنوات؟”

أحد المصدريين الأردنيين، اشتكى للزيبدي بأن الحكومة العراقية منعت دخول ثمانية آلاف طن من الكلورين الضروري لتنقية المياه كانت تعاقدت على شرائها منه.

ذمم متبادلة

كما طالب أحد الحضور الحكومة العراقية بتسديد مستحقات سابقة تعود إلى زمن حكومة الرئيس السابق صدام حسين لصالح مستثمرين أردنيين ما تزال بذمة العراق. ورد عليه الزبيدي بأن حكومته ستدفع هذه المستحقات عقب اجتماع اللجنة المالية والمصرفية في عمان بعد عيد الأضحى.

وذكر الزبيدي أيضا أن هذه اللجنة ستناقش مصير أكثر من 100 مليون دولار للعراق ما زالت مودعة لدى البنك المركزي الأردني منذ زمن النظام السابق.

يطالب الأردن جارته الشرقية الغنيّة ب مليار و330 مليون دولار، وهي عبارة عن ديون تراكمت على العراق خلال العقد الماضي. قبل الاحتلال الأميركي للعراق كانت نحو ألف شاحنة محملة بالبضائع المختلفة تعبر الحدود المشتركة يومياً. إلأ ان هذا الخط أصيب بحالة شلل بعد الاحتلال بسبب الوضع الأمني السئ. وقد قتل العديد من سائقي الشاحنات الأردنيين وحرقت شاحناتهم داخل الحدود العراقية.

نائب رئيس اتحاد المقاولين الأردنيين عاطف الدغمي قال إن لدى شركته “تجربة مشرفة في العراق إذ إنها تقوم الآن بإنشاء مستشفى في البصرة وآخر في أربيل”.

وأقترح رجال الأعمال الأردنيون إقامة مصرف مشترك عراقي- أردني لتسهيل التجارة بين البلدين.

وحسب الإحصاءات السنوية للتجارة الخارجية الأردنية وغرفة تجارة عمان، فإن حجم التبادل التجاري بين العراق والأردن انخفض من 856 مليون دينار عام 2002 إلى 331.8 مليون دينار عام 2006.

وكانت غرفتا الصناعة والتجارة في الأردن وقعتا في آذار/ 2004 بروتوكول تعاون مشترك مع اتحاد الصناعات العراقية. إلا أن مستويات التعاون ظلت متواضعة.

رفع "فيتو" عراقي غير معلن أمام التعامل استثمارياً مع أردنيين – حسن البرواني
 
06-Dec-2007
 
العدد 5