العدد 30 - أردني
 

خليل الخطيب

يمثل وجود الجالية الكردية في الأردن قصة نموذجية لنجاح الاندماج الاجتماعي، فقد ساهم الأكراد الأردنيون بفعالية في قصة نجاح المملكة في مختلف المجالات، السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والثقافية، كما ساهموا بصورة متميزة في البعد العسكري لهذه القصة.

يعود الوجود الكردي في الأردن إلى عهد تأسيس الدولة الأيوبية بقيادة القائد الكردي الأصل صلاح الدين الأيوبي، حيث تكون جزء كبير من جيشه الذي دخل الأردن وفلسطين لمواجهة الصليبيين، من الأكراد، وقد استوطنت فرقة من الجيش الأيوبي في أحد أحياء مدينة السلط، ما زالت تعرف حتى وقتنا الحاضر بـ"حارة الأكراد". والطريف أنه عندما انتقل جزء من هذه الفرقة لتحرير القدس من الصليبيين، سكنوا أحد أحياء القدس الذي سمي "حارة السلطية" بحسب الباحث الكردي محمد الصويركي.

هذا البعد العسكري، ربما، هو الذي جعل للأكراد دورا بارزا في تأسيس الدولة الأردنية الحديثة، فعندما شرع الأمير عبد الله بن الحسين بتأسيس الجيش العربي، كان من بين مؤسسيه ضباط أكراد منهم الرئيس خليل بكر ظاظا، والرئيس نظمي خليل بدرخان، والضابط مصطفى المللي، والزعيم رشيد المدفعي الذي تولى إدارة الأمن العام عام 1923، والفريق صالح الكردي الذي تولى قيادة سلاح الجو، وعين مساعدا للقائد العام 1962-1971 بحسب الباحثة أمل الكردي.

ولم يكن اهتمام الأكراد الأردنيون بالحياة العسكرية مقتصرا على الانضمام للجيش، فقد التحق الكثيرون منهم بالمقاومة الفلسطينية، وقاتلوا في صفوفها واستشهد منهم رياض حسين الكردي في وادي الجوز عام 1967، وموسى محمد شلاش الكردي عام 1976 ، ومحمود الكردي في القدس 1977 .

أما في الجانب السياسي والإداري فقد برزت من الأكراد شخصيات كثيرة عرفت بوطنيتها وإخلاصها، كما يذكر الصويركي في كتابه –الأكراد ودورهم في بناء الأردن.

ومن أهم هذه الشخصيات رشيد المدفعي وزير الدفاع والداخلية 1939، وسعد جمعة رئيس الوزراء مرتين 1967 ، والمهندس صلاح جمعة وزير الزراعة والتموين1967-1979 ،والدكتور يوسف ذهني وزير الشؤون الاجتماعية والعمل1973 ، والدكتور أشرف الكردي وزير الصحة وعضو مجلس الأعيان لاحقا، وفي المجال الدبلوماسي برزت أسماء لامعة كعلي سيدو الكردي، ومدحت جمعة، واللواء عبد الإله الكردي، ومازن مدحت جمعة.

وعلى الصعيد الاقتصادي كان للتجار الأكراد بخاصة، القادمين من الشام دور هام في تنشيط عجلة الاقتصاد الأردني وتطوير التجارة الداخلية، ومع البلدان العربية خاصة مع سوريا والعراق. وبرز من بين الاقتصاديين الأردنيين حسني سيدو الكردي، الذي أسس البنك الأهلي الأردني كما تؤكد أمل الكردي والصويركي، وسيامند إبراهيم.

"لم يجد الأكراد صعوبة تذكر في الاندماج في المجتمع الأردني" كما أكد للسجل رئيس الهيئة الإدارية لجمعية صلاح الدين الأيوبي الكردية، المهندس محمد الكردي، معللا ذلك بأن "الأكراد منفتحون مرنون بطبيعتهم"، ويعقب العميد المتقاعد مروان عكاش الكردي على ذلك قائلا "الأكراد لم يأتوا إلى الأردن في هجرة جماعية وإنما منفردين أو في مجموعات صغيرة ولذلك توزعوا على مختلف المناطق ولم يكونوا تجمعات مغلقة ومنطوية، وهذا سهل اندماجهم في المجتمع" ويدلل العميد المتقاعد على صحة هذا التفسير بأن "الأكراد لم يعطوا كوته في مجلس النواب كما هو الحال بالنسبة لجاليات أخرى، وذلك لأنهم غير منطوين على أنفسهم،" والدليل الآخر كما يراه العميد المتقاعد هو "علاقات المصاهرة الواسعة بين الأكراد والأردنيين من شتى المنابت والأصول بخاصة الشرق أردنيين والفلسطينيين".

ويشير الصويركي وسيامند إلى قضية المصاهرة كعامل مهم من عوامل الاندماج الاجتماعي ويذكران بعضا من الأمثلة كزواج وليد إسماعيل الكردي من الأميرة بسمة، وزواج زيد سعد الدين جمعة من الأميرة عائشة، وزواج الشاعر الأردني عرار من منيفة بنت بابان الكردي التي أنجبت رئيس الوزراء وصفي التل، ويضيف الصويركي إلى عامل المصاهرة عاملي وحدة الدين، ووقوع كردستان عند حدود الإقليم الجغرافي للمنطقة العربية.

ينظر الكثير من الباحثين والكتاب للمساهمة الثقافية والعلمية للأكراد الأردنيين بعين الرضى والتقدير وتبرز في هذا المجال أسماء رئيس الوزراء السابق سعد جمعة الذي كان كاتبا وأديبا، وأصدر جريدة الحق عام 1947 كما ألف عددا من الكتب التي تعالج الصراع العربي الإسرائيلي - مجتمع الكراهية والحقد، معركة المصير، وأبناء الأفاعي.

كما يبرز اسم علي سيدو الكردي كصاحب أول كتاب في أدب الرحلات في الأردن – من عمان إلى العمادية- 1934 وصاحب أول معجم عربي كردي 1985 وكان عضوا في المجمع الكردي العراقي.

وكذلك محمد علي الصويركي الذي ألف الكثير من الكتب في تاريخ الأردن مثل: - الأردن في أشعار العرب، نوابغ الأردن في العهد الإسلامي، مصادر ومراجع الثورة العربية الكبرى، تاريخ السلط والبلقاء، عمان تاريخ وحضارة، إربد تاريخ وحضارة وآثار، مصادر ومراجع عن الأردن، مذكرات سليمان عريضة، معجم أعلام الكرد، عائشة الباعونية، والأكراد ودورهم في بناء الأردن- وقد محنته وزارة الثقافة جائزة الدولة التشجيعية في تاريخ الأردن الحديث.

ويبقى عبد الرحمن الكردي مؤسس أول دار نشر أردنية في بداية الخمسينات من القرن الماضي، علما من أعلام الحياة الثقافية في الأردن إذ ساهم في نشر مؤلفات عدد كبير من الكتاب المحليين والعرب،وأصدر المجلة الأسبوعية "الأردن الجديد" 1950 ومن كتبه: وادي الأردن وامتيازاته، والحب بعد الموت كاملا.

في المجال الفني والإعلامي تتردد أسماء المؤلف المسرحي إبراهيم خليل الكردي، والمخرج زياد الكردي، المذيع عبد القادر الكردي، والإعلاميين إيمان ظاظا، خلدون الكردي، وداما الكردي، كما تتردد ، في المجال العلمي، أسماء الدكتور أشرف الكردي عالم الأعصاب، وزير الصحة السابق والطبيب الخاص لياسر عرفات، والأستاذ الدكتور عصمت الكردي نائب عميد كلية التربية الرياضية في الجامعة الأردنية،والأستاذ الدكتور زياد الكردي عالم الميكانيكا الحيوية الذي يعمل عميدا لكلية التربية الرياضية في جامعة اليرموك.

يبلغ عدد الأكراد الأردنيين حسب إحصاء 1997 ثلاثين ألفا يتوزعون على معظم محافظات المملكة، وينتسب الأكراد عادة إلى أسماء عائلاتهم وعشائرهم، وترتبط هذه الأسماء باسم منطقة إقامة العائلة أو العشيرة الأصلية مثل ديار بكرلي، صويركي وغيرها، وتعود أصول الأكراد العرقية إلى الشعوب الهندوأوروبية، ويتحدثون لغة متعددة اللهجات، وفي الكتابة يستخدم الأكراد الحرف اللاتيني، ويبلغ عدد حروف اللغة الكردية 33 حرفا، ومن الجدير ذكره أن استخدام اللغة الكردية بين أكراد الأردن في التواصل قد انخفض إلى درجة تقترب من الاختفاء ويعيد العميد المتقاعد مروان عكاش الكردي ذلك إلى أن الاندماج الكردي في المجتمع الأردني هو اندماج ناجح ومكتمل إلى درجة الذوبان.

وجودهم منذ عهد الدولة الأيوبية: من “واد الأكراد” في السلط إلى “حارة السلطية” في القدس
 
12-Jun-2008
 
العدد 30