العدد 5 - اقتصادي
 

موازنة العام المقبل تشكل إستثناءا، ليس بحجمها الكبير أو هيكل النفقات والإيرادات، بل لأنها موازنة ستخلو من دعم المحروقات، موازنة تذهب بعيدا في تخفيف الدعم وتؤسس لمرحلة جديدة من عقد إجتماعي ما زال يتبلور منذ بدأ الأردن مرحلة الإصلاحات الإقتصادية قبل نحو 17 عاما.

ورغم تخفيف الدعم و تخلي الحكومة عن الكثير من برامج الإعانات، إلا أن عجز الموازنة سيرتفع إلى مستويات قياسية إذا ما قورن بالسنوات الماضية، ويقدر أن يبلغ هذه العجز حوالي 1.164 مليار دينار، وهو ما يشكل نسبة تتجاوز بقليل 9% من الناتج المحلي، وما يخفف من وطأة هذا الرقم هو المساعدات الخارجية التي ستخفض نسبته إلى حوالي 5.4%، وهي نسبة تبقى مرتفعة، والتساؤلات الكثيرة هي إذا ما تم تخفيف الدعم لهذه الدرجة، لماذا لا يتم ترشيق الإنفاق العام وخفض نسبة العجز، وإلى متى ستبقى المساعدات الخارجية عنصرا أساسيا في برامج الموازنة، فالأصل أن يتم تقدير العجز بمعزل عن المساعدات الخارجية، وكانت هذه وما تزال نصيحة الحريصين على إستقرار الموازنة.

المسألة ذات الصلة تتعلق بالإيرادات، فالضرائب المحلية التي يقدر أن تبلغ نحو 2.85 مليار دينار تعتبر معقولة، إن كان كنسبة من الناتج أو قياسا إلى حجم النشاط الإقتصادي، مما يعني أن المشكلة ليست مرتبطة بالتحصيلات الضريبية أو وجود الكثير من المتهربين من دفع الإستحقاقات الضريبية، بل ترتبط المسألة أكثر بإلإنفاق وكيفية تحديد تلك الأولويات وما هي نجاعة ذلك الإنفاق وقدرته على تحقيق الأهداف التنموية التي ترتبط بها.

ليس هناك الكثير ليقال حول جدوى الإنفاق ، فهناك رقابة سابقة على الانفاق، وما أن يتخذ قرار الصرف تتحول النفقات إلى حسابات ، أما الأهداف التي توضع كمقدمة لتبرير تلك النفقات فيتم نسيانها أو تناسيها، لأنها تصبح غير ملائمة. وهذا يعني إمكانية تخصيص جزء من نفقات الموازنات المقبلة لتحقيق ذات الأهداف.

المسألة الثانية تتعلق بتحديد أولويات الإنفاق، فلا يوجد على الأقل حسب علمنا إطار مالي شامل يتم من خلاله تحديد أولويات الإنفاق، بل هناك أبواب معروفة يتم تخصيص الموراد لها كل عام، وهنا لا بد من تذكر حقيقة أن الهامش الذي تتحرك فيه وزارة المالية يعتبر محدودا، فالنفقات التي تتشكل بمعظمها من نفقات جارية تتركز في بنود الرواتب والأجور، نفقات التقاعد، تسديدات القروض ونفقات الدفاع والأمن.

هذه البنود لا تترك الكثير للنفقات الرأسمالية التي عادة ما تكون الضحية الأولى لترشيد النفقات. رغم الأثر السلبي لهذا السلوك على النمو بشكل عام، ولكن غياب نموذج كلي لحساب هذا الأثر يجعل أمر خفض النفقات أمرا سهلا على صانع القرار، يحدث هذا لأن التبعات السياسية لمثل هذا القرار أيضا غير واضحة والمتأثرين سلبا بهذا القرار غير موحدين.

ويمكن سرد الكثير من القضايا التي تتعلق بإدارة الإنفاق العام ومدى إستجابة الانفاق لألولويات المواطنين، ومدى الرضا الشعبي عن الطريقة التي يتم بها تخصيص تلك الموارد. وهذا يصبح مهما في طور التوجه لزيادة الإيرادات الضريبية المحلية، وهنا لا بد من الحديث عن الشفافية والمساءلة في الانفاق العام، إذ ما زال الإنفاق العام في الأردن لا يعبر عن أزمة مالية يمر بها الأردن، مع هذا المبلغ الكبير في العجز.

ولنا أن نتساءل إلى متى يمكن أن يستمر الانفاق العام بهذا الشكل، وما هو المطلوب لترشيد النفقات دون اللجوء إلى الوسيلة التقليدية بخفض العجز، فالمطلوب إستهداف النفقات الجارية غير الضرورية وليس الانفاق الرأسمالي الذي يؤثر على سوية البنية التحتية وبالتالي على قدرة الأردن على دفع القطاع الخاص للإستثمار، وربما آن الأوان كي نقر قانونا يحدد حجم الانفاق العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي الذي يأخذ منحى صعوديا يرجح أن يتواصل كون عقلية التوسع والشهية للتوسع بناء على معطيات مالية مجهولة ترحل المشاكل ولا تحلها هي السائدة.

تحدي إصلاح المالية العامة – د. إبراهيم سيف
 
06-Dec-2007
 
العدد 5