العدد 30 - أردني
 

سليمان البزور

"أسافر يومياً من عمان إلى فضائي الحر يومياً، حيث التقي وجيلي، ونحن هناك لا يوجد بيننا حواجز أو تقسيمات، على أسس طائفية أو عشائرية، أو تمييز لاعتبارات جندرية"، يقول الصحفي في مقتبل العمر ص.ح لـ«السّجل».

يسود منذ مطلع تسعينيات القرن الماضي، نمط اتصال اجتماعي جديد، خلقة انتشار الإنترنت في دول العالم الثالث. وبين دول الشرق الأوسط، وبحسب إحصاءات موقع العالم للإنترنت URL ، احتل الأردن المرتبة السادسة، من حيث نسبة الاستخدام مقارنة بعدد السكان،5.5 مليون نسمة، ووصلت نسبة استخدام الإنترنت في الأردن نحو 12 بالمئة من مجموع السكان، كما بلغ عدد مستخدمي الإنترنت في العام 2007 زهاء 700 ألف مستخدم.

ويطلق اختصاصيون ومبحرون في الشبكة العنكبوتية على نمط الاتصال الجماعي الجديد "التشبيك الاجتماعي"، وتتمثل الظاهرة في تبادل الصور والرسائل الإلكترونية وكميات كبيرة من المعلومات، وتساهم مواقع مثل face book، You tube، Bebo، My space، Friendster في تعميق نمط الاتصال، ودفع التشبيك الاجتماعي إلى الأمام، حين تتيح لمستخدمي تقنية الإنترنت، تبادل المعلومات والتواصل عبر فضاء الإنترنت، بكل سهوله من خلال إرسال واستقبال الصور الفوتوغرافية والمختارات الرقمية.

يتفق الأكاديميان وأخصائيا علم الاجتماع إبراهيم عثمان وسالم ساري على أن الشباب بدأوا بتشكيل مجتمعات خاصة بهم، أبرزها ما تشكل عبر الإنترنت. ويشرح ساري: "الشباب يثقون ببعضهم بشكل أكبر مما يثق آباؤهم ببعضهم، ويكونون شراكات على أسس جديدة، من بينها الإنترنت، الذي يساهم في خلق اندماج اجتماعي عبر الافتراض".

يشير أشرف شبيب، 26 عاما، أحد مرتادي موقعي (face book، (You tube أنه يلجأ إلى هذه المواقع من أجل التعرف على أشخاص عبر أنحاء العالم من أجل الالتقاء بأشخاص يماثلونه في التفكير وطريقة الحياة. يقول شبيب: "الشباب الذين أتعامل معهم في المجتمع مطولاً لم يرق لي أسلوب تفكيرهم التقليدي، لا سيما وأن مدينتي التي أعيش بها؛ اربد، محافظة وتقليدية إلى حد ما، وما زال الشباب فيها يلتزمون بنمط تفكيرهم الذي توارثوه من آبائهم وأجدادهم، بخلاف الشباب الذين تعرفت عليهم من خلال الإنترنت".

ويعلل شبيب الذي يعمل مع والده في الإشراف على مجموعة من العقارات الخاصة بهما، تمسكه بالتشبيك الاجتماعي عبر الإنترنت بقوله: "بطبيعتي، لا أميل إلى التواصل الاجتماعي المباشر، ولا أحبذ استمرارية البقاء تحت سطوة العادات الاجتماعية، وهو ما لا أجده في المواقع التي أرتادها عبر الإنترنت".

يواظب وسام حسن، الطالب في جامعة آل البيت تخصص رياضيات، على زيارة المواقـــع الإلكتــرونية، وبالتحديــد موقـــع (My space)، منذ عامين تقريبا، ويقول: "مجتمع الإنترنت يتمتع بعفوية وصدق لا أجده في المجتمع الواقعي." ويدلل على ذلك بإشارته إلى أن الفتاة في الإنترنت تحدثك بما يجول في صدرها وخاطرها لأنها تكون مطمئنة نفسياً، وتكون قد ارتاحت من أعباء وعثرات التقاليد الاجتماعية. يواصل حسن: "لقد سئمت من المجتمع المقلد، الذي يحرص دائماً على المظاهر والقشور ويتزمت بالشكليات، في حين أن مجتمع الإنترنت يخلو، إلى حدد كبير من ذلك، لأن الأشخاص فيه يحلقون في فضاء حر، بعيداً عن الرجوع إلى المجتمع أو الانصياع لسلطاته ورغباته، التي قد تتعارض كثيراً مع ما يدور في خلد الشخص داخلياً. وهو يعتقد أنه وزملاءه، من خلال تبادلهم للصور والمعلومات يساهمون معاً، كل في إثراء الآخر ومشاركته ما يفضله، وبهذا تنشأ علاقات تقوم على أسس المشاركة في الاختيارات والتقارب في الهوايات والأفكار.

الإبحار الحر عبر الإنترنت، بات يشكل لدى الشباب مساحة أوسع للتعبير عن مكنوناتهم وما يدور في خلدهم، وما يحجمون عن التعبير عنه لعدة أسباب أبرزها الخوف.

ويعتبر محمد أبو راس أفضل ميزة للمجتمع الإلكتروني هي تحرره من الخوف والعقد، والفوبيات المتعددة، "على أرض الواقع، نحن نخشى كثيراً من الحديث عن الكثير من القضايا ولا نجرؤ على النقد اللاذع الذي نمارسه يومياً عبر الإنترنت، ولهذا فأنا اقضي ما بين 5 و 8 ساعات يومياً على الإنترنت"، في جو من الحرية.

قضاء كل هذا الوقت في الفضاء البديل والتعرف على أناس جدد أثر ايجابياً على نمط حياته إذ لم يعد يحبذ الخروج من المنزل في أوقات الفراغ أو أيام العطل، سوى لأمر طارئ لأنه لأنه يجد في المجتمع الخاص به، الذي لا يزاحمه عليه أحد، أو يحاول إقصاءه عنه. "على النت ثقافة قبول الآخر التي هي مفقودة لدينا" غير مخفياً أبو راس سعادته من هذا النمط الجديد في التواصل الاجتماعي.

التشبيك ساهم أيضاً في دفع المرأة لتخطو خطوات كبيرة على طريق تحررها، وشكل وسيلة تحرر لها، من سطوة مجتمع ذكوري.

ليلى عبد الرحيم 23 الموظفة في محل لبيع الورود، تقول إنها تستمتع بالإنترنت، وتحمد الله كثيراً لهذا الاختراع الذي تصفه بالمذهل، لأنه مكنها من تشكيل وتكوين عالمها الخاص بها، الذي من خلاله تشعر باستقلاليتها، وتجد نفسها في مأمن من النظرة الاجتماعية التي تصفها "بالخاطئة"، إذ لا تجد من يتفهمهما بشكل حقيقي لغاية الآن.

وتفكر ليلى في الآونة الأخيرة بأن تتزوج بشخص من خلال النت: "تبادلت قبل أشهر مع أحــد الشبـــاب المتواجدين عبر موقع Face Book مجموعة من الصور والمقاطع الصوتية وغيرها، وقد اكتشفت أن بيننا الكثير من القواسم المشتركة والذوق المتناسق، لذا وبغض النظر عن شكله ومظهره الخارجي الذي لم أره إلا بعدما توطدت العلاقة بيننا، ومن خلال عدة اختبارات أجريتها له، نعيش اليوم قصة عاطفية جميلة ونفكر جدياً بالزواج".

تتخوف ليلى فقط من ردة فعل أفراد عائلتها الذين ما زالوا متمسكين بطريقة الزواج التقليدي، إلا أنها ستحاول التغلب على المشكلة قريباً حين تصارح والديها بما جرى معها. وقد أدركت شركات محلية أهمية الظاهرة وأثرها الاجتماعي، ومن بينها شركة زين للاتصالات، التي أطلقت في شباط/فبراير 2008 بالشراكة مع شركة «توت كورب» المتخصصة في خدمة الإنترنت، خدمة (وتوت) للتشبيك الاجتماعي، التي تعتبر الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وعبر الرسائل القصيرة التي تتيح لمشتركي زين التواصل الدائم مع أصدقائهم وزملائهم أينما وجدوا من خلال هواتفهم الخلوية، وإنشاء المدونات المصغرة من خلال النقـــر على المـــوقع الإلكتــروني "وتوت" www.Watwet.com وإنشاء صفحات خاصة بهم.

بالرغم من أن التشبيك في الأردن ما يزال في مرحلة مبكرة، فإنه يبشر باتساع مساحة التأثر والتأثير في بلادنا. ورغم أنه قد لا يشكل عاملاً كبيراً في التأثير على العادات والتقاليد السائدة، فإنه بات يشكل الفضاء البديل، وقاعدة انطلاق نحو حرية دون قيود أو سلطة أبوية مجتمعية أو فردية.

التشبيك الاجتماعي: شباب يبنون مجتمعاتهم في الفضاء البديل
 
12-Jun-2008
 
العدد 30