العدد 30 - أردني | ||||||||||||||
منصور المعلا شهد الأردن في السنوات القليلة الماضية كثافة غير مسبوقة في إحداث العنف بين أطراف تحركها انتماءات وولاء عشائرية، في غياب تام لتدخل الدولة لوضع حلول جذرية للعنف الذي يمكن وصفه بـ"المليشاتي". هذا الشكل من العنف لم يعد حكراً على "غير المتعلمين" أو أولئك الذين يمتلكون تحصيلاً علمياً متدنياً، بل انتقل في الآونة الأخيرة إلى طلبة الجامعات. وفي كثير من الأحيان، "يركب موجة" العنف زعماء ووجهاء محليون و"مثقفون"، حيث شهدت الجامعات الرسمية والخاصة أحداث عنف واشتباكات بين طلبة على أسس لا علاقة لها بالسياسة أو بالأحداث الكبرى المتعلقة بالإقليم، بل على أسس عشائرية وصفها أكاديمي بأنها "خارج التاريخ". وتبين أرقام دراسة أعدها مساعد عميد شؤون الطلبة في جامعة الزرقاء الأهلية كامل حوامدة في العام 2006، أجريت على عينة من 6 آلاف طالب من أصل 60 ألفاً في الجامعات الرئيسية في الأردن، أن أسباب العنف هي: الشعور بالكبت 76بالمئة، وإهمال بناء الشخصية 75,6بالمئة، والتعصب القبلي 62بالمئة، والانطواء وعدم التكيف مع الحياة الجامعية 52بالمئة، والشعور بعدم المساواة في تطبيق القوانين الجامعية 51,7بالمئة. وبينت الدراسة أن الأحزاب السياسية لم تكن أبداً عنصراً من عناصر العنف الجامعي، بل إن الحزبية قد تكون وسيلة لتجاوز أسباب العنف، وقد أكدت الدراسة أن العنف والمشاجرات في الجامعات انتشرت بعد أن حل التعصب القبلي. أحداث العنف الأخيرة بين مجموعات عشائرية في مواقع متفرقة من البلاد، التي أسفرت عن إصابة عشرات المواطنين، تمثل بالنسبة للبعض إشارة جديدة على انتعاش روح القبلية وضعف الاندماج وتراجع دور الدولة. أستاذ العلوم السياسية في جامعة آل البيت، هاني أخو رشيدة، يرى أن تعزز روح القبيلة والفزعات العشائرية، جاء في أعقاب انتشار ثقافة العشائرية عن طريق النقل ألشفاهي من رواة كهول يجتذبون الجيل الجديد بالحديث عن بطولات سابقة. هذه الثقافة الشفاهية اجتذبت الجيل الجديد أكثر من المناهج التعليمية، بحسب أخو رشيدة، الذي يخشى من تفتت البناء الاجتماعي على أسس قبلية تسهم في إجهاض مشروع الدولة المدنية. وكانت قرية الشجرة، ومدينة الرمثا الشماليتان قد شهدتا الشهر الماضي أعمال شغب ما بين عشيرتي الزعبي والشبول، وذلك على خلفية الانتخابات النيابية التي جرت أواخر العام الماضي، التي أسفرت عن فقدان عشيرة الزعبي مقعدها الذي بقي النائب السابق فواز الزعبي يشغله بين العام 1998 والعام 2007. الاشتبكات بين العشيرتين لم تنقطع منذ إعلان النتائج ووصول النائب هاشم الشبول إلى قبة البرلمان ليجلس على المقعد الذي شغله فواز الزعبي سنوات طويلة، إلا أنها تصاعدت في الأشهر الأخيرة، وأصبحت أكثر عنفا ما أسفر عن وقوع إصابات في صفوف أبناء العشيرتين، وهو ما استدعى حلا عشائريا أعاد الأوضاع بين الطرفين إلى سابق عهدها. بحسب مقربين من الطرفين فضلوا عدم الكشف عن أسمائهم لحساسية الموقف، فإن المشاجرة نجمت عن حادث فردي، ما لبث أن اتسع ليتحول إلى مشاجرة، إلا أن محاولات مصالحة ما لبثت أن بدأت بين الطرفين، تولتها أطراف عشائرية ورسمية، ما وضع حدا للمشاجرات ووضع الخلافات على طريق الحل. مدينة السلط، شهدت الأسبوع الماضي مشاجرة ما بين عائلتين على خلفية دهس أغنام لأحد الرعاة، وهو ينتمي إلى عشائر العبابيد، ما أدى إلى وقوع مشاجرة ما بين أفراد من عشيرة عباد وأفراد من عشائر من السلط، أصيب على إثرها أكثر من 60 شخصا. في لواء الهاشمية في محافظة الزرقاء، اندلعت مشاجرات ما بين مؤازرين لمرشحين في الانتخابات التي جرت في شهر تشرين الثاني من العام الماضي، وهم "أبناء عم"، وذلك على خلفية إعلان النتائج. وقد استمرت هذه الأحداث التي لم تنقطع على مدار الأشهر الماضية. حالة التجاذب الحاصلة ما بين أفراد ينقسمون إلى فرق ومجموعات على أسس عشائرية وقبلية، يردها الأمين العام للحزب الشيوعي الأردني منير الحمارنة، إلى "القوانين الناظمة للحريات وقانون الانتخاب الذي ساهم في تعزيز العشائرية." الحمارنة عبّر عن قلقه من سطوة العشائرية غير القابلة للحوار، مدللاً على ذلك بأحداث "طريق المطار" الذي أغلقه شيوخ ووجهاء عشائر احتجوا على رفع الدعم عن الأعلاف في شهر أيلول من العام الماضي. قوانين تكريس العشائرية يردها الحمارنة إلى "تيار وتوجه يسعى إلى إعادة البلاد عقودا إلى الوراء،" فيما ما تزال ذاكرته تحتفظ بحوارات وسجالات ما بين طلبة الجامعات المنقسمين على أسس حزبية، وذلك قبل إقرار قانون الصوت الواحد، الذي ساهم بدوره في وقوع العديد من المشاجرات ما بين طلبة عشائريين. ويحذر الباحث الاجتماعي خالد عوض من انعدام الحوار وتغليب سياسة العنف في ظل أجواء التوتر التي تشهدها البلاد نتيجة لموجة الغلاء وارتفاع أسعار النفط المرشحة للقفز عن حاجز 200 دولار في نهاية العام. "هذه الأجواء تتطلب استدارة كاملة وتحولا جذريا في علاقة المجتمع بالدولة ومراجعة القوانين الناظمة للحريات بما ينسجم مع أجواء الانفتاح الاقتصادي." كما يرى عوض. ويستهجن أن يتم الاجتهاد والعمل على تطوير الأنظمة الاقتصادية مع إجراء تعديلات طفيفة على قوانين الحريات وتجاهل الدعوات إلى تغيير قانون الانتخاب. عضو لجنة الحريات النيابية النائب فخري اسكندر يرى أن التقسيمات الإدارية، بخاصة بعض الألوية الصغيرة، ساهمت في تكريس فكرة لدى أبناء تلك المناطق، عن أن النيابة "بالدور"؛ أي لمرة واحدة، ما خلق حساسيات ما بين أبناء تلك المناطق، ما أدى إلى وقوع العديد من المشاكل. اسكندر يقف إلى جانب المطالبين بإحداث تغيرات على قوانين الاجتماعات العامة، ولكنه يطالب في الوقت ذاته بإحداث تغيرات" طفيفة" على قانون الصوت الواحد للحد من انتشار العشائرية. اختلال المعادلة الاجتماعية دفع اتحاد كرة القدم إلى إقامة مباراة من دون جمهور، تجنبا للاحتكاك ما بين جمهور ينقسم إلى أردني " فيصلاوي" وفلسطيني "وحداتي"، ما يؤدى عادة إلى احتكاك بينهما قد يتجاوز" كل المحرمات". تعاظم النفوذ العشائري في البلاد، تجاوز الدولة بأجهزتها " الأمن العام، القضاء، القطاع العام"، لتصبح سلوكيات المجتمع رهينة للأعراف والتقاليد ما بين "الجاهة، العطوة، الجلوة"، ويتم تحييد أجهزة الدولة بكل مستوياتها. |
|
|||||||||||||