العدد 30 - أردني | ||||||||||||||
سليمان البزور يقر أكاديميون، علماء اجتماع، طلاب ومدرسون على حد سواء، "بفشل ذريع" للمؤسسة التعليمية في تقوية عوامل الاندماج الاجتماعي، وذلك بخلاف نماذج عدة، مثل: الولايات المتحدة التي كانت مؤسستها التعليمية من أهم عوامل نجاحها، فهي التي وضعت اللبنات الأساسية لعملية الاندماج. وفي هذا الإطار، يكتسب المنهاج أهمية لا يقل عنها كذلك دور المعلم. حاز الأردن، منذ سنوات، مراكز متقدمة في القضاء على الأمية وزيادة عدد المتعلمين والحاصلين على درجات علمية في شتى الاختصاصات. كما يحتل الأردن، بحسب آخر تقارير البنك الدولي( شباط/فبراير الماضي)، المرتبة الأولى بين دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا من حيث مستوى التعليم. رغم ذلك، لا يزال الدور الاجتماعي للتعليم في الأردن، الذي يشكل دعامة أساسية في الاندماج الاجتماعي والتغلب على العزلة، ضعيفا، بخاصة وأننا نشهد تباعدا بين طلبة المدارس الخاصة والمدارس الحكومية، وتباعد آخر بين طلبة المدارس من النوعين؛ تباعد يتطور لتمتد آثاره إلى المجتمع بعد تخرج الطلبة وانخراطهم في سوق العمل، بحسب طلبة وأساتذة. هنا تأتي المناهج الدراسية التي تعمق العزلة، فلا تشترك المدارس الخاصة والحكومية في المناهج الدراسية سوى في منهجي اللغة العربية، والتربية الإسلامية، أما بقية المناهج فيترك أمر اختيارها لإدارة المدرسة. الشق الآخر للمعادلة الذي يفترض أن يشكل الطرف الآخر للمسطرة التي تحقق الاندماج الاجتماعي، يتمثل في النشاطات اللامنهجية، إذ تتساوى المدارس الحكومية في طبيعة النشاطات التي تقتصر على الرحلات مدفوعة الأجر، المباريات الداخلية، بينما تختلف المدارس الخاصة، حتى فيما بينها. ويقسمها مدرس مخضرم، فضل عدم الكشف عن اسمه، إلى ثلاثة مستويات: المدارس الخاصة الكبرى، والتي لا حصر للنشاطات اللامنهجية فيها، فهي تتنوع بين ركوب الخيل، التنس، التايكوندو والكاراتيه، وقد تصل تكلفة بعض النشاطات ورسوم الانتساب السنوية حوالي 1000 دينار، ثم تأتي المدارس الخاصة المتوسطة، التي تشتمل على نشاطات أقل تكلفة، وتطغى عليها الرحلات الترفيهية. وأخيراً تأتي المدارس الخاصة من الدرجة الثالثة، التي تشبه أنشطتها أنشطة المدارس الحكومية. أكاديمي واختصاصي اجتماع آخر فضل عدم ذكر اسمه، يقول لـ"السّجل": "التعليم الخاص ساعد بشكل كبير في عزلة مجموعات معينة متنامية من المجتمع، وهي الأغنى والأكثر استفادة من الفرص والأكثر تطلعاً وطموحاً لتوظيف مكتسباتها العلمية في الوصول للسلطة، وبهذا عزلت عن بقية الناس وكونت مجتمعات خاصة بها، فأبناء الوزراء أصبحوا وزراء، وأبناء التكنوقراط كذلك، وهؤلاء لا يندمجون إلا مع بعضهم، ولهم طقوسهم البعيدة عن الشرائح الاجتماعية الأخرى." ويتوقع الأكاديمي أن تستمر هذه التجمعات في عزلتها، وبالتالي تزيد من صعوبة الاندماج والوصول للمجتمع المتجانس الذي لم يعد كذلك بأي معنى. في التعليق على مدارس الوكالة يقول الأكاديمي: "مدارس الوكالة مثلها مثل باقي المدارس، تعمل على تكوين مجتمعات خاصة تتشكل من اللاجئين الفلسطينيين". يرى الأكاديمي المختص بعلم الاجتماع موسى شتيوي أن التعليم يلعب دوراً أساسياً في الاندماج الاجتماعي، إلا أن دور التعليم في هذا الإطار "تراجع بأطره الواسعة القائمة على أسس مناطقية واجتماعية". وحول مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين المنتشرة في المملكة يشرح شتيوي أن مدارس الوكالة تعطي هوية معينة، وما ينسحب عليها ينسحب على المدارس الأخرى. ويرى شتيوي أن بعض المدارس الخاصة لعبت دوراً إيجابياً في تقوية التواصل الاجتماعي. ويشرح: "في الغالب تبرز المدارس الخاصة كل مكونات المجتمع وتقوم في المناسبات العامة، بالتوعية بشكل مبكر بأساسيات المواطنة وتعميق الانتماء، وبرغم ذلك فإن مساهمة المدارس الخاصة في الاندماج الاجتماعي محدود". وهو يرى أن من الصعب مقارنة المجتمع الأميركي بالمجتمع الأردني، فالمجتمع الأميركي يصنف على أنه مجتمع مهاجرين وبشكل فردي، وبالتالي" كان ذلك المجتمع قادراً على التعامل مع هذه القضية بشكل أفضل." وفي أغلب الأحيان، عندما كانت تحدث إشكاليات سياسية مثل الحرب مع اليابان، فإن ذلك يؤثر على العلاقات داخل المجتمع الأميركي." في الأردن يختلف الوضع،" بحسب شتيوي، "إذ لدينا هجرات قسرية، وفي ظل وجود مشاكل سياسية معلقة فإن هنالك بعدا سياسيا، والأردن دولة حديثة النشوء وما زالت غير مكتملة النمو سواء من ناحية القوانين أوغيرها، ولا يمكننا تناسي الأبعاد العشائرية والاندماج الاجتماعي لن يكون بالسهولة المرجوة". ويشير شتيوي إلى بعض الإيجابيات الخاصة بنا فيما يتعلق بالاندماج، "فنحن شعب متجانس من ناحية الدين والقومية، وليس تلدينا عوامل تفرقة كبيرة، وإذا ما حلت المشكلة السياسية، تصبح مسألة الاندماج الاجتماعي لدينا مسألة وقت. ولا بد هنا من التنبيه إلى أهمية الأجيال الحديثة التي ولدت في الأردن". هيا عبد الله، المعلمة في مدرسة خاصة، تقول للسّجل: "إدارة المدرسة لا تهتم إطلاقا بتقوية العلاقات بين الطلبة، بقدر ما تعنى بتحصيل الأقساط، دون التفات إلى الطلبة من الناحية الاجتماعية، أو البت في المشاكل التي تقع بينهم. .بل إن المعلمين في المدارس الخاصة يعانون الأمرين من بعض الطلبة. فقد تهان المعلمة من قبل طالب في أصغر الصفوف، إلا أنها لا تتمكن من اتخاذ إجراء حقيقي، لأن الإدارة تهتم لمصلحة الطالب وجيبه أولاً". وتتساءل هيا: "إذا كان الطالب في هذا السن يتصرف بهذه الطريقة دون أن يتم ردعه، فكيف سيتصرف في المجتمع بعد تخرجه؟" الطالب في مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) في الرمثا، محمد عبد الله يقول: "في المدرسة، نشعر أننا معزولون عن العالم كله، فنحن لا نحظى بما يحظى به الطلبة في المدارس الحكومية من أنشطة منهجية ولا منهجية وتجهيزات." ويواصل محمد ذو الأحد عشر عاماً: Ηعندما نخرج إلى الواقع العملي، نجد أنفسنا معزولين عن العالم الخارجي، وهذا ما نصطدم به بعد إنهائنا الصف العاشر. على أن العامين الأخيرين شهدا بداية هجرة معاكسة من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية، وذلك بعد ارتفاع أقساط التعليم الخاص وزيادة تكلفته. وبحسب تقديرات وزارة التربية والتعليم، فإن عدد الطلبة الذين انتقلوا من التعليم الخاص إلى الحكومي، بلغ في أواخر العام الماضي نحو 13 ألف طالب وطالبة، وتوقعت الوزارة أن يزداد العدد في العام الجاري. يعلق الاختصاصي الاجتماعي، ساري سالم على انتشار الدراسة في المدارس الخاصة بقوله: "هناك ابتعاد طوعي للمثقفين والمتعلمين الذين يقررون عزل أنفسهم عن المجتمع، والاتجاه نحو المدارس الخاصة. ويشير إلى أن" التشريعات الأردنية عادلة بوصفها نصوصا، ولكنها في التطبيق تتضمن تمييزا بين الفئات المختلفة،" علما بأنوالمواطن لا يشعر بمواطنته إلا حين يشعر بأنه يعامل معاملة المواطنين الآخرين، وهذا ما تدخل فيه المؤسسات التعليمية التي لا بد من سعيها إلى تحطيم الصورة تجاه الآخر وتقبله، مع تقبل خصوصيات الفئات الأخرى. يواصل ساري: "نحن متجاورون، ولكننا لسنا متحاورين، ولا بد من أجل تقوية الاندماج الاجتماعي، وأن يكون هناك تفاعل اجتماعي سوي، وليس مرضيا؛ دون أن نبحث عن الأصول أو نتكلف في العلاقات". الطالب في مدرسة مظهر أرسلان، بمحافظة الزرقاء، خالد فيصل يقول: إن هنالك تمايزا كبير بين الطلبة في المدارس الحكومية والمدارس الخاصة؛" في مدارسنا، لا نكاد نتواصل مع المدرس، وما أن نبدأ بتلقي المعلومات منه حتى ينتقل إلى مدرسة أخرى، وهذا ما يجري على مدار العام الدراسي". مدرس رفض الكشف عن اسمه في المدرسة النموذجية في إربد يقول للسّجل: "أشعر بأن هنالك غبنا شديدا وفوارق في التدريس بين طلبة المدارس الخاصة، وبين أبناء أشقائي الذين يدرسون في المدارس الحكومية. إن في هذا تعميقا للعزلة بين الطلبة من جيل واحد". لا يقتصر التمايز بين الطلبة أثناء الدراسة في المدارس التابعة لوزارة التربية والتعليم أو في مدارس خاصة، بل تنتقل العدوى إلى التعليم العالي، حيث يستذكر الطالب زياد الزعبي، الذي درس في جامعة إربد الأهلية، كيف بدأ الطلبة الذين درسوا معاً في مدارس خاصة تكوين مجتمعات خاصة بهم، دون أن يكون لهم اختلاط بشكل عام بالطلبة الآخرين. "كنا نعرف ونميز بين طلبة بعض المدارس الخاصة من خلال علاقاتهم وتواصلهم، حتى رحلاتهم الجامعية وتواجدهم في الكافتيريا. اختلاطهم بنا كان في أبسط أشكاله" يقول الزعبي. وفي السياق ذاته يقول أحمد العمري الذي درس في جامعة اليرموك إن بعض التخصصات كالفنون، والتصميم، والدراما، كانت تضم فئات من طلبة درسوا في مدارس بعينها، ويشعر الطالب العادي وكأنه في عزلة تامة، حيث الاختلاف الكبير بين الطلبة الذين درسوا في مدارس الحكومة، والطلبة الذين درسوا في مدارس خاصة من ناحية التأهيل، وطرق التعامل مع التخصص، وخلفياتهم السابقة عما يدرسوه. المؤسسة التعليمية بإطارها الواسع بحاجة إلى إصلاح جذري، ليس فقط من أجل إعداد الكفاءات وتأهيل المواطنين للمساهمة في تقدم البلاد اقتصادياً، ذ لا يقل أهمية عن ذلك، ما يمكن أن تقوم به هذه المؤسسة على صعيد تحقيق الاندماج الاجتماعي والتنمية السياسية للشباب منذ الصغر. ** مراحل
تبدأ مرحلة التعليم الأساسي بالصف التمهيدي بعمر 5 سنوات، وتنتهي بالصف العاشر الأساسي بعمر 16 سنة، ويبلغ عدد المدارس في المملكة بنحو 5200 مدرسة، يتعلم فيها حوالي 1.5 مليون طالب، ويعمل فيها أكثر من 71.723 معلماً، تدير قطاع التعليم الأساسي في الأردن عدة جهات: وزارة التربية والتعليم يتبع لها 71 بالمئة من الطلبة، المدارس الخاصة، 19 بالمئة، وكالة الغوث 9 بالمئة.
** رسوم
تتفاوت رسوم المدارس ما بين الحكومية والخاصة، إذ تبلغ رسوم الحكومية من الأول الأساسي وحتى السادس 3 دنانير، ومن السابع وحتى العاشر 4 دنانير. أما الخاصة فتقدر الأقساط الشهرية في بعضها بنحو 23 ديناراً للشهر، ويبلغ القسط السنوي لمدارس أخرى 1500 دينار سنوياً.
** مدارس الأونروا
يوجـد في الأردن أكبــر عدد مــن المـــدارس الابتدائيـــة والإعداديــة التي تديـــرها الأونـــروا للاجئيـــن الفلسطينييــن، وقد بلغ عددها (190) مدرسة، ويبلغ عدد الطلبة في هذه المدارس أكثر من مائة وتسعة وثلاثين ألف طالب وطالبة. |
|
|||||||||||||