العدد 30 - أردني | ||||||||||||||
محمد شما قبيل الاحتلال الأميركي للعراق، سافر علاء عبد الرؤوف توفيق خضر، إلى بغداد مبتعثاً من ديوان الخدمة المدنية، لإكمال دراسة الدكتوراه في الاقتصاد في جامعة المستنصرية. ولكن الاحتلال حمل لعلاء، 38 عاماً، مفاجأة غير سارة حين وجد نفسه قابعاً في أحد السجون العراقية، وكل ما يعرفه عنه أهله أنه يحمل رقم 157910 في سجنه. والدة علاء، لا تستطيع تحديد سبب اعتقال ابنها الذي مضى على اعتقاله أكثر من خمس سنوات. ووالده حاول الاتصال مراراً بوزارة الخارجية، والصليب الأحمر لمتابعة ملفه من دون نتيجة، فسافر إلى العراق لرؤيته، ليجد نفسه معتقلاً هناك "تم اعتقالي بدون سبب، لكنني في النهاية عدت إلى الأردن خائباً." يقول الوالد المكلوم لـ«السّجل». علاء ليس المعتقل الأردني الوحيد في العراق، فهنالك عدد يراوح بين العشرات والمئات، وفقاً لمصادر مختلفة، يرزحون في سجون عراقية يحملون أرقاماً تعطيهم إياها إدارة السجون هناك. تعود قضية المعتقلين الأردنيين في العراق إلى عمر احتلال الأميركي للجار الشرقي للأردن في شهر نيسان/أبريل من العام 2003. معظم المعتقلين الأردنيين معتقلون لأسباب مجهولة، لكن كثيرا منهم مشتبه بارتباطه بتنظيم القاعدة، أو بشخص الأردني محمد فضيل الخلايلة الملقب بـ«أبو مصعب الرزقاوي»، الذي كان متورطاً بسلسلة أعمال إرهابية سواء في العراق أو في بلده الأردن قبل مقتله العام 2006. المعتقل الأردني المفرج عنه أحمد الجعبري، يقول إن العديد من العراقيين ينظرون للمعتقلين الأردنيين في السجون العراقية على أنهم "زرقاويون"، نسبة لأبي مصعب الزرقاوي. وهو يرى أن "القوات الأميركية تنظر لجميع الأردنيين على أنهم قادمون من بلد الزرقاوي، وعلى هذا الأساس تعتقلهم". المعتقل أمجد عدنان الشلبي، يواصل سجنه للعام الخامس على التوالي، هو الذي ذهب إلى جامعة المستنصرية لدراسة تخصص التكنوبيولوجي، حيث أعُتقل بتاريخ 26/1/2004 بدون أي تهمة. تقول والدته مديرة المدرسة ماجدة البيطار لـ"السّجل"، إن ابنها أمجد لم يتحزب ولم تكن له أية نشاطات سياسية أو عقائدية لكي يعتقل كل هذه السنوات. أمجد الشلبي، 27 عاماً، يحمل الرقم 157906 في سجن كروبور، وقد أفُرج عنه قبل أقل من عام، بحسب ذويه، لكنه ما لبث أن اعتقل مجدداً ليعود سيرته الأولى سجيناً في العراق، قبل أن يتمكن أهله من الاتصال به. وقد أخبر ذوو أكثر من معتقل في العراق «السّجل»، أن الإفراج عن السجين لا يعني أنه سوف يكون في الأردن عما قريب، فقد يعاد اعتقاله ثانية قبل وضع ترتيبات سفره إلى الأردن. "هذه وثيقة تثبت أن علاء كان طالباً في جامعة المستنصرية، وهذه وثيقة تثبت أنه سافر على نفقة الحكومة وهذه وثيقة.." لا يكف والد علاء عن تعداد وإحصاء الوثائق التي تؤكد أن ابنه لا علاقة له بأي تهمة تستدعي اعتقاله، مستعرضاً وثائق أكاديمية لابنه تؤكد التزامه في مسيرته التعليمية وفي كفاءته في التحصيل العلمي. بوكا، أبو غريب، وكروبور2، وسوسا، وأم قصر، سجونٌ عراقية يديرها جيش الاحتلال الأميركي، يقبع فيها مواطنون أردنيون، تحت مسمى "سجناء الاشتباه". عدد هؤلاء السجناء غير معروف بالتحديد، ففي حين يقدره ميسرة ملص، "منسق ملف الأسرى في العراق" في لجنة الحريات النقابية بنحو 23، فإن لجنة الحريات النيابية في الدورة الماضية من مجلس النواب أكدت أن أعدادهم تتجاوز بضعة مئات، لكن "لجنة أهالي المعتقلين الأردنيين في العراق" تشير إلى أن ما تملكه من وثائق عن المعتقلين تؤكد أنهم 30 معتقلاً بين تاجر وطالب. أما المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر/ بعثة العراق، هشام حسن، فيؤكد أن البعثة "لا تمتلك معلومات تفصيلية عن عدد المعتقلين الأردنيين في السجون العراقية، بسبب رفض الجهات العراقية التعاون مع اللجنة،" لذا فإن دور الصليب الأحمر "لا يتعدى نقل الرسائل من المعتقلين إلى أهاليهم أو العكس عبر إدارات السجون العراقية." ومن هذه الطريق تستمد ماجدة البيطار، والدة المعتقل أمجد شلبي، أخباره ومن خلالها تعرف كيف يقضي وقته داخل المعتقل. وحول آلية نقل الرسائل بين المعتقلين الأردنيين وذويهم، أوضح حسن أن ذلك يتم من خلال بعثة الصليب الأحمر في بغداد، مشيراً إلى أن إدارة سجن معين في العراق تتصل بالبعثة المذكورة، وتخبرها بأن سجيناً يود إرسال رسالة إلى ذويه، ولكنها لا تخبرها باسمه، بل بالرقم الذي يحمله داخل السجن، حيث أن السجين يتحول إلى رقم. بعثة الصليب الأحمر في الأردن تتسلم الرسالة من بعثة العراق، ثم يبدأ البحث عن ذوي السجين لكي يتسلموا رسالة ابنهم، والذين قد يرسلون رداً على رسالة أبنهم بالطريقة نفسها. لهذا السبب تحديداً يظل الصليب الأحمر جاهلاً بأعداد المعتقلين من جنسية ما، على الرغم من قيامه بنقل الرسائل بينهم وبين ذويهم. يضيف حسن أن المعلومات المتوافرة لدى اللجنة حول عدد وواقع المعتقلين الأردنيين مقتصرة على السجون التابعة للقوات الأميركية، والبريطانية، التي تسمح لبعثة الصليب الأحمر بزيارة المعتقلين. وقد أفاد حسن بأن الحكومة العراقية أصدرت قبل حوالي شهر قراراً بالعفو العام عن جميع المعتقلين في السجون التابعة لها، وشكلت لجاناً خاصة لدراسة حالة كل معتقل على حدة. لكنه نفى علمه بما إذا كان المعتقلون الأردنيون سيستفيدون من هذا العفو أم لا، كون بعثة الصليب الأحمر "لا تعلم إن كان هناك أردنيون بين المعتقلين في السجون العراقية،" لكنه ذكر أن وزارة العدل العراقية سمحت مؤخراً لممثلي البعثة بزيارة السجون التابعة لها، وقال إن "البعثة بانتظار موافقة باقي الجهات الحكومية العراقية". الحكومة متهمة بـ"تجاهل" ملف الأردنيين المعتقلين في العراق، كما يقول أكثر من ناشط حقوقي في البلاد. فالناشط الحقوقي فتحي أبو نصار، رئيس لجنة الحريات النقابية، يعلن استغرابه من أن «الخارجية الأردنية تجهل حتى الآن الرقم المحدد للمعتقلين الأردنيين في العراق». ويؤكد هاني الدحلة، رئيس المنطمة العربية لحقوق الإنسان، أن «جهود الخارجية بسيطة جداً، ولا تتعدى تكليف السفير بالسؤال عن أحوال المعتقلين فقط.» ناصر جودة، وزير الدولة لشؤون الإعلام والاتصال، فضل في مؤتمر صحفي عقده مؤخراً في مقر نقابة الصحفيين، عدم الحديث عن قضية المعتقلين من باب "عدم الخوض في التفاصيل، كي لا يؤثر ذلك سلباً على الملف،" مؤكدا أن الحكومة تقوم، من خلال أجهزتها المختلفة، بمتابعة ملف المعتقلين "بالتداول غير المعلن وبأطر دبلوماسية"، وكان جودة حريصاً في تصريحاته على ربط ملف المعتقلين في العراق بالمعتقلين في بلدان أخرى. وكانت الحكومة قد دعت أكثر من مرة العائلات الأردنية التي اعتقل أحد أبنائها بمد الخارجية بالمعلومات لكي تتابع قضيتهم عبر وزارة الخارجية والسفارة الأردنية في بغداد. رئيس لجنة الحريات النيابية في المجلس الحالي، فخري اسكندر، يقول إن الملف الآن "محل متابعة"، وأن ملف المعتقلين الأردنيين في العراق وسورية وسجون أخرى في العالم يشكل "محور اهتمام لجنة الحريات" معتبراً أن اهتمامه بقضية المعتقلين في العراق واحدة من اهتماماته الشخصية، فهو جار لذوي المعتقل علاء خضر في مدينة الفحيص. في أثناء الزيارة التي قام بها للأردن أخيراً نائب رئيس الوزراء العراقي، طارق الهاشمي، رفع عشرة نواب مذكرة إلى رئيس المجلس، عبد الهادي المجالي، دعوا فيها إلى عدم إرسال سفير أردني إلى العاصمة العراقية، إلا بعد الإفراج عن جميع المعتقلين الأردنيين في العراق. |
|
|||||||||||||