العدد 30 - بورتريه
 

خالد أبو الخير

المرايا المحدبة لا تعكس صورنا كما نحن، أو كما نحب أن نكون.. وأحياناً المنصب!.

باحث وشاعر وناقد وإعلامي وأكاديمي ووزير ورئيس ديوان ملكي، وما زال شأنه عرضة لاختلاف الركبان.

لسبب ما ظل، بحسب ما يرى أكاديميون عملوا معه، "ظل يراوح في المسافة بين النظرية والتطبيق، يعوزه الحسم". و"على قلق كأن الريح تحته".

يصفه أحد الموظفين الذين عملوا معه بأنه:" إنسان دمث، لطيف المعشر ، متحدث يجيد صناعة الكلام، لكن العبرة في التنفيذ".

ولد خالد الكركي في العام 1946 من عائلة متواضعة في قرية العدنانية الملقاة على أكتاف مؤاب. عرف في مقتبل صباه الفقر وقسوة الحياة، ولطالما تذكر سنوات "الصبر والرضا" وذهب عميقاً في التذكار.

مدرسته الأولى كانت مسجد القرية، وربما لو لم تفتتح مدرسة ابتدائية هناك مطلع الخمسينيات، لآل إلى مصير تتنازعه التكهنات.

تلقى تعليمه الثانوي في مدرسة الكرك، ليشد الرحال بعدها إلى عمان دارسا في الجامعة الأردنية حديثة التأسيس مطلع الستينيات، ومنها تخرج حائزا درجة البكالوريوس في اللغة العربية.

يدين لوالده عبد العزيز بحثه على إكمال تعليمه والوقوف وراء تفوقه.

تعرف على المتنبي مبكراً وغدا نموذجه الذي لا تخطئه أذن، ولا شك أن "غربة صالح في ثمود" تداركته.

تجواله في مرابع طفولته قاده كثيرا إلى أضرحة الشهداء في مؤتة الواقعة على مرمى ثلاثة كيلومترات من العدنانية، غير أن الشهداء الذين استيقظوا في ما كتبه لاحقا، ظلوا يتجولون بسكون لعقود في رؤاه.

لم ينتم إلى حزب ولا يعتريه الندم لأنه لم يفعل.

بعد أن حاز الماجستير في التخصص ذاته من الجامعة الأردنية 1977 سافر الى انجلترا وحصل على الدكتوراه في الفلسفة من كامبردج 1980.

عمل في مواقع عدة بعيد عودته إلى ارض الوطن، معلماً، محرر مجلة دراسات بعمادة البحث العلمي في الجامعة الأردنية، ومساعد عميد كلية الآداب للشؤون الثقافية والإدارية، رئيس تحرير المجلة الثقافية، رئيس رابطة الكتاب الأردنيين. إلى أن اختير وزيرا للثقافة في حكومة مضر بدران التي تشكلت إثر عودة الحياة النيابية في العام 1989. وعاد الى الحقيبة نفسها في حكومة طاهر المصري التي تلت مضافاً إليها حقيبة الاعلام.

جاء في العام 1992 رئيسا للديوان الملكي، واستمر في عمله مستشارا في الديوان بعد ذلك ، في وقت كانت فيه عملية السلام مع إسرائيل آخذة بالتسارع.

يذكر زميل رافقه في رحلة عمله في الديوان أن "همه الرئيس كان ان يوفق بين أحاديثه المعروفة المعارضة للتطبيع ومتطلبات وظيفته، وحاول جهده أن يتحاشى الكاميرات عندما يتواجد مسؤولون إسرائيليون.. دون طائل".

وكان يعتقد في أوساط النخب السياسية أنه من كتب خطاب «مدن الملح» الذي ألقاه الملك الراحل الحسين آنذاك.

عندما شكّل الأمير المرحوم زيد بن شاكر حكومته الثالثة في العام 1995 وقع الاختيار على الكركي نائبا للرئيس ووزيرا للاعلام، وللمفارقة فقط، دخل الكركي المعروف بأحاديثه عن الديمقراطية المساندة بالضرورة لحرية الإعلام في سجال مع الصحافة الأسبوعية، وأقدم على إغلاق صحيفتين هما «البلاد وحوادث الساعة»، رغم أن القانون لا يعطيه الحق بذلك، بحسب ما يستذكر أحد الناشرين. ونشرت صحيفة «شيحان» آنذاك مقالة حملت عنوان «خالد الدركي» في اطار الحملة الصحفية ضده.ولم تلبث الصحيفتان أن عادتا للصدور بموجب أمر قضائي من محكمة العدل العليا.

يعقب أكاديمي في الجامعة الأردنية بقوله «إن الكركي في جوهره ليس ديمقراطيا كما نتمنى».

شغل في السنوات الأخيرة مناصب عدة منها تعيينه رئيساً لمجلس إدارة المؤسسة الصحفية الأردنية «الرأي»، ثم عضواً في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية - مؤسسة آل البيت. ونائب رئيس مجلس أمناء مؤسسة آل البيت للفكر الإسلامي، ورئيس جامعه جرش.

ابتداء من شهر أيار/مايو 2007عين الكركي رئيسا للجامعة الأردنية.

يصفه مقرب منه بأنه: «عاطفي جداً وخدوم، يساعد بقدر استطاعته».

ويضيف:«لديه برنامج ومنهج ينفذه بشكل جيد، ويريد للجامعة أن تكون مركزاً للديمقراطية المسؤولة ومنارة إشعاع ثقافي، وعليه ضغوطات من مراكز قوى لا يحفل بها».

بالمقابل يجادل طلبة وموظفون في الجامعة بأن الكركي «أزاح كفاءات من الصفين الأول والثاني عن مواقعهم وجاء بأشخاص من خارجها لم تثبت كفاءتهم. أعلى من شأن الثقافة والاهتمام بالخطابة على حساب الموضوعات العلمية، ومن ذلك اقامة منتديات شعرية على المسطح الأخضر».

ويشرحون أن الكركي «وعد بفضائية واذاعة وصحيفة يومية للجامعة، وحرم جامعي آخر دون أن تتم ترجمة الوعد على الأرض رغم مضي زهاء عام عليه.كما وعد بأن يصبح الماجستير سنة وما زال الوعد في بال الغيب. تحدث عن إلغاء كلية العلوم الاجتماعية والإنسانية ودمج اقسامها بكليات أخرى».

فيما يقول ناشطون سياسيون من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان «إن الكركي عطّل انتخابات مجلس الطلبة وأبقى على التعيين على وعد إلغاء النصف المعين وإجراء انتخابات ديمقراطية»، وما زال الطلبة بانتظار تحقيق هذا الوعد في الفصل الأول من العام الجامعي المقبل.

يأخذ عليه أكاديميون أنه «لم يقدم حتى الآن رؤية لإصلاح الجامعة. التي لم تشهد أيضاً أي نشاط مهم عدا النشاطات الادبية التقليدية. فضلا عن انه لم ينهض بالتنمية السياسية على اعتبار ان الجامعات موئل لها، كما منع مندوبي التلفزيونات الاجنبية من دخولها ، علما بأن الجامعات في كل الدنيا تفتح أبوابها للإعلام».

يتهمه خصومه "بأنه شخصية خلافية، وبعدم القدرة على اتخاذ قرار والافتقاد لترجمة الأقوال إلى أفعال، وباهتمامه بنشر أخباره الشخصية في الصحف".

أختاره اتحاد الناشرين الأردنيين شخصية العام الفكرية لعام 2008 في معرض عمان الدولي للكتاب في دورته الثانية عشرة في تموز المقبل.

.. حين يخوض الكركي بعيداً عن معترك السياسة والعمل، متحللا من قيافته الرسمية، مرسلا بصره وراء الدروب المعفرة بالغبار والشجن في العدنانية وما حولها، يستل قلمه ليكتب. لكن تلوح في أول السطر غصة ما لم يقله بعد.

خالد الكركي :على قلق كأن الريح تحته!
 
12-Jun-2008
 
العدد 30