العدد 29 - كتاب
 

يستذكر كثيرون هزيمة الخامس من حزيران كي ينسوها، وكمن يتذكر ديناً معدوماً.بدلاً من ذلك تنتصب في الذاكرة صور محمود عباس، وخالد مشعل، وأولمرت على خلفية من المباني الاستيطانية المتناسلة، والفاخرة في بيت المقدس.

لا أحد سواء في الوعي او اللاوعي، يريد التخلي عن وطن محتل. غير أن السياسات القاصرة شوهت الصورة : عبثت بالأولويات وبددت التضحيات. فباتت مناسبة مفصلية مثل: الخامس من حزيران، مجرد شبح يطوف هائماً بلا قوام في الذاكرة، بينما تتقدم عليها في الأهمية مسائل مثل: حكومة هنية، وحكومة فياض، والتهديد باقتحام معبر رفح باتجاه مصر، بدل الضغط لفتح المعابر في غزة مع الضفة الغربية، ومؤتمر استثمار، ونفوذ إيراني، ومؤتمر عام لفتح، واعتداء على مسيحيين من أبناء غزة، واتفاق في مكة وآخر في صنعاء بين حماس وفتح وما لا يحصى من متفرعات.

القضية الفلسطينية، التي كانت عربية لم تعد كذلك. ولم تصبح في الوقت نفسه قضية وطنية ذاتية يقرر أصحابها مصيرها.باتت القضية مادة وورقة، للنفوذ والتنافس بين المشروعين الأميركي، والإيراني على المنطقة. بسبب هذا التنافس تتعرض القضية لأبلغ الأضرار، تنخفض مكانتها ولا تتقدم. أميركا تريد الإجهاز على حماس، وحماس تريد محو التاريخ الفلسطيني وتأديب وتربية الشعب على نهجها القويم، وبناء إمارة مدعومة من الظهير الإيراني.

ومحمود عباس يخوض مفاوضات هي مجرد حوار ومداولات لا شكلاً من أشكال الصراع، والدليل أنه يعتصم في مكتبه، وينجح نجاحاً باهراً في تمويت الحركة الشعبية المدنية وإطفاء كل صوت احتجاجي مناوىء للاحتلال، مكتفياً باستقبال القناصل وإدمان السفر حول العالم، بدل أن يتفقد أحوال شعبه في الخليل، وجنين، ونابلس، و..رام الله التي يتخذ منها مكتباً لا غير.

أما القدس، فيتم التداول باسمها فقط، ولا يسعى عباس حتى للصلاة في مسجدها «حتى لا يثير مشاكل فهو لا يحب المشاكل.. يحب المفاوضات فقط حباً جماً يمتلك عليه كل جوارحه، ولا ينازعه فيه حب آخر، فإذا لم يجد من يفاوضه أغلق باب مكتبه عليه، وانهمك في التفاوض مع ذات نفسه».

بين نهج بيروقراطي ثقيل، ودبلوماسية تقليدية خاوية لهذا الرجل، وبين نهج انتحاري واستدخال أطراف إقليمية وتمكينها من مد النفوذ والارتهان لوصايتها، وبناء نموذج «عصري» لحكم طالبان في غزة كما تفعل حماس.. بين هذا وذاك لا يعود غريباً أن تتغول المشاريع الاستيطانية، وأن يستمر اجتياح قطاع غزة واختطاف العشرات في الضفة الغربية، فيبدو كل يوم خامساً جديداً من حزيران، ويتراجع ذلك الخامس الذي تقادم عليه العهد منذ واحد وأربعين عاماً، الذي تحل ذكراه هذه الأيام. الناس تشيح بأنظارها عن المناسية، فالحاضر والمستقبل أدعى للاهتمام والنقمة.

محمود الريماوي: إنسوا الخامس من حزيران!
 
05-Jun-2008
 
العدد 29