العدد 29 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري يعود أول توثيق للحياة في العقبة إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد؛ فيها أقدم كنيسة في العالم: أقدم من المهد في القدس والميلاد في بيت لحم. ذكرت في الإنجيل عندما بنى النبي سليمان أسطولاً (في تل خليفة) أبحر به إلى عوفر في الصومال اليوم، وعاد حاملاً 420 قطعة ذهبية. أطلق المسلمون على مينائها اسم "بوابة فلسطين"، وظلوا يعرفونها باسم آيلا إلى أن أطلق عليها السلطان المملوكي قنصوة الغوري اسم العقبة في القرن 14 الميلادي. يضم خليجها 10 أنواع من المرجان وأكثر من 1000 نوع من الأسماك، والدلافين، والحيتان، والسلاحف البحرية. تتميز مياهها بالصفاء بسبب خلوها من التيارات المائية العنيفة وبالدفء على مدار العام الأمر الذي يجعلها بيئة بحرية متميزة وخصبة ووجهة لمحبي رياضات الغوص والإبحار. السياحة والمجتمع هذه العوامل من شأنها أن تجعل العقبة بيئة سياحية من طراز فريد على مستوى العالم. أستاذ الجغرافيا في الجامعة الأردنية، حابس سماوي، المتابع للشأن السياحي، يعتبر أنه حتى تصل العقبة إلى هذه المرحلة يجب أن تكون سياحية خالصة. ويشرح: "العقبة مدينة صناعية، وتجارية، وسكنية، بل هي أكبر مدينة في الجنوب من حيث السكان؛ إذ يصل عددهم 10 آلاف نسمة"، وذلك يعطل التطور السياحي فيها "فليس بالإمكان أن تصل إلى ما وصلته شرم الشيخ القريبة التي تعد منتجعا سياحيا صرفاً يخلو من أي سكان." ويستشهد سماوي في ذلك بتجربة شرم الشيخ، والغردقة "فالغردقة بدأت قبل شرم الشيخ لكنها تراجعت بسبب وجود السكان فيها." ويلفت سماوي إلى ضرورة الأخذ بالأثر الاجتماعي المتبادل بين السياح والسكان المحليين، "فمجتمع العقبة محافظ له خصوصيته." هذه الخصوصية، بحسب سماوي، قد تثير مضايقات من الجانبين. لكن المسؤولين في مديرية السياحة في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة يعتبرون أن العامل السكاني يشكل عامل جذب سياحي، فالعقبة ليست حكراً على فئة من الناس، بل هي مكان للالتقاء بالسكان والتعرف على طبيعة الحياة في الأردن، وهو أمر نعتمد عليه في التسويق والترويج للعقبة بوصفها مدينة تنبض بالحياة، وليست مجرد فنادق ومنتجعات. كما أن طبيعة سكان العقبة تختلف عن سكان أي منطقة أخرى في الأردن، فهم نشأوا مع السياح وتعودوا على وجودهم من دون أي مشاكل. ولكن ومن باب قطع الشك باليقين، تقوم السلطة ببرامج لتوعية الأهالي والطلاب بالعملية السياحية في المدينة. وللسنة الثالثة على التوالي تقوم السلطة بتنظيم جولات لطلاب المدارس على الفنادق والمشاريع السياحية حتى يطلعوا على كيفية العمل فيها. وفي نهاية الجولة تدعو السلطة الأهالي والطلاب إلى يوم مفتوح في فندق 5 نجوم يحضره مديرو الفنادق، ويتم فيه استعراض قصص النجاح بالإضافة إلى غداء تفاعلي بين جوانب العملية السياحية كلها. كما قامت السلطة على مدى العامين الماضيين بتقديم منح دراسية لأبناء المنطقة لدراسة السياحة في الجامعات الأوروبية والأميركية. ومن الموفدين فتيات عقباويات يدرسن السياحة في قبرص، بحسب مسؤول في السلطة. أم مروى، تقيم في العقبة بحكم عمل زوجها، تستغرب ما يثار عن ضرورة مراعاة خصوصية المجتمع العقباوي وتقول "إحنا متعودين ع السياح، كمان إحنا جزء كبير من شغلنا وعيشتنا بسببهم." الإنفاق السياحي لا تتوافر إلى الآن أرقام دقيقة عن حجم مساهمة السياحة في اقتصاد العقبة. لكن رقما تقريباً أولياً –من خلال إحصاءات سلطة إقليم العقبة- يشير إلى أن الدخل في العام الفائت ناهز 33.5 مليون دينار، إذ زار العقبة أكثر من 432 ألف سائح، جاءت الجنسيات الأوروبية في مقدمة هؤلاء بعدد إجمالي وصل 9311، تليها الجنسيات العربية بعدد 32738 سائحاً. الدخل من السياحة يأتي من خلال مبيت السياح ومن حجم الإنفاق الذي يضخونه في السوق المحلية. تقرير أعدته السلطة منتصف 2006 أشار إلى أن الزوار من أوروبا الشرقية أمضوا أطول فترة في العقبة بمعدل 7 أيام، فيما راوح مبيت السياح المحليين ما بين 2-3 أيام. أما عن حجم الإنفاق، فجاء حملة الجنسية السعودية في المرتبة الأولى بحجم إنفاق يومي وصل 96 ديناراً، تليها الأميركية بمعدل 94 ديناراً، ثم الهنغاريين 35 ديناراً، وألمانيا وإسبانيا بحوالي 88 ديناراً. إنفاق السياح المحليين وصل 47 ديناراً في اليوم الواحد. يشكل التسوق جزءاً هاماً من إنفاق السائح الأجنبي والمحلي في العقبة وإن اختلف الاثنان في نمط الشراء. الدراسة نفسها أظهرت أن 65بالمئة من إنفاق السياحة المحلية يذهب لشراء المكسرات والطعام والشراب، فيما 47بالمئة ينفقون على الملابس، والأحذية، والألعاب، 6بالمئة ينفقون على قطع غيار السيارات. أما سياح أوروبا الغربية فينفقون 41بالمئة على شراء التحف التذكارية، 26بالمئة يشترون المكسرات، والطعام، والشراب، و 8بالمئة يشترون حلي الذهب. و74بالمئة من السياح السعوديين ينفقون على شراء المكسرات، والطعام، والشراب نظراً لأن معظمهم يقضي إقامته في شقق مستأجرة وليس في فنادق؛ في الوقت نفسه 50بالمئة منهم ينفقون على شراء الملابس والأحذية والألعاب. السياحة المحلية كثيراً ما تثار مسألة أن العقبة أغلى من أن يستمتع بها السائح الأردني. إلا أن مواطنين يشكون أكثر من عدم توافر مكان للمبيت بخاصة في أوقات الذروة التي تتمثل في العطل الطويلة والأعياد. أبو هيثم، وهو من سكان العقبة بحكم عمله هناك، كثيراً ما يستضيف زوارا من عمّان يقول: "في هذه الفترات، لا تتوافر أي غرفة في أي فندق من أي تصنيف أو شقة سكنية من أي نوع، ما يضطر الزوار إلى المبيت في خيام أو حتى في الشوارع. ويضيف أبو هيثم أن بإمكان زائر العقبة أن يستمتع بالمدينة بقدر ما يملك من مال: فهنالك الغالي وهناك الرخيص. ويشرح: "20 ديناراً تكفي أجرة مواصلات من عمّان إلى العقبة، شاملة الغداء، والعشاء، والفطور زائد نصف كيلو مكسرات". ويضيف: "وجبة الغداء في العقبة متاحة بدينار وربع الدينار فقط، يستطيع الزائر أن يتناول الغداء وأن يستمتع بمياه العقبة على شاطئ الغندور مثلاً". وادي القمر سُمي وادي رم بوادي القمر لتشابه تضاريسه مع سطح القمر. يتبع إلى سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. أعلن محمية طبيعية العام 1998. بلغ عدد زوار الوادي العام 2007 حوالي 134 ألف سائح فيما وصل عدد الزوار في الثلث الأول من العام الجاري حوالي 81 ألف. إحصاءات السلطة تشير إلى أن معظم زوار المحمية هم من الجنسيات الأوروبية، إذ يشكل هؤلاء ما نسبتته 67بالمئة من مجمل الزوار، فيما بلغ إجمالي الإنفاق السياحي فيها خلال العام الماضي حوالي مليوني دينار. الأميركيون، والخليجيون بحسب الإحصاءات نفسها هم الأكثر إنفاقاً في المحمية بمعدل 27 ديناراً يومياً للشخص الواحد. توفر المحمية بيئة نادرة للسائح الدولي. فتنظم رحلات المشي، والتخييم، وتسلق الكثبان الرملية، بالإضافة إلى تنظيم جولات على مواقع أثرية مهمة تعود إلى أيام قوم عاد وثمود. كما تعد المحمية نموذجاً للشراكة مع المجتمع المحلي. خليل العبدللات، مدير المحمية، يقول: "97 بالمئة من موظفي المحمية هم من أبناء المنطقة." ويضيف: "من أولويات المحمية العمل على تحسين المستوى المعيشي والاقتصادي والاجتماعي والثقافي لأبناء المنطقة، من خلال عقد الدورات التدريبية وتوفير الإنترنت، والحاسوب، والدعم اللازم للجمعيات المحلية العاملة في المجال السياحي بتوفير محلات لها داخل مركز المحمية." وبكلمات الدليل السياحي، علي القطاونة، "يظل وادي رم طبيعة بكرا" ويضيف "أكثر ما يثير فضول زوار رم هو عدم وجود أضواء سوى النجوم." هذه الطبيعة استحوذت في الآونة الأخيرة على اهتمام عربي لافت. ينقل أحد زوار رم أنه شاهد على أطراف المحمية "بيتاً" للشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، حاكم دبي. ويصف أن "الفيلا مؤلفة من طابق واحد بني من صخر المنطقة الضارب إلى الرمادي، تتقدمه بحيرة اصطناعية صارت أشبه بالواحة تتوافد عليها الطيور من كل حدب وصوب." |
|
|||||||||||||