العدد 29 - أردني | ||||||||||||||
خليل الخطيب عند بداية ممرات المشاة في محمية ضانا التي يجتازها الزائر سيراً على الأقدام، يطالع الزائر لوحة إرشادية تقول: "اقتصد في الماء وحافظ على النظافة، وتجنب قطف الأزهار وجمع الحجارة أو المستحثات، والتزم الممرات المخصصة للمشاة، ودعك من استعمال الراديو، أو الأدوات الصاخبة.. تعال معنا إلى عالم غني بالسكينة والهدوء.. أهلاً بك في ضانا». محمية ضانا الطبيعية، هي واحدة من ست محميات تم إنشاؤها في الأردن، منذ العام 1975 حتى الآن. وتشكل هذه المحميات؛ البرية منها والمائية والطبيعية المواقع الأساسية للسياحة البيئية في الأردن. جمعية حماية الطبيعة التي تأسست العام 1966 أجرت دراسات مسحية للبيئة الأردنية، فأعدت خطة بعيدة المدى لإنشاء عشرين محمية، أنجز منها حتى الآن ست، وأربع منها قيد الإنجاز. ما هي السياحة البيئية أستاذ الدراسات السياحية في الجامعة الأردنية، حابس سماوي، يبيّن أن السياحة البيئية هي "أن يتمتع الإنسان بمعطيات الطبيعة، كما هي في واقعها، بمناظرها الجميلة، وهوائها النقي، وأن يعاين محتوياتها من غطاء نباتي وكائنات حية برية وبحرية، دون أن يؤثر في هذا المحتوى الحيوي ما أمكن." ويلفت سماوي إلى أن هذا النوع من السياحة يحتاج إلى خدمات تتناسب مع متطلباته، مثل: توفير الاستراحات، والحراسة والمراقبة حتى لا يعتدي الزوار على محتويات البيئة، والتوعية..الخ. ولا يخفي سماوي عدم رضاه عن مستوى الخدمات المقدمة محلياً في مجالات السياحة المختلفة بشكل عام، وفي مجال السياحة البيئية بشكل خاص. "كنت في الماضي أفخر بالخدمات التي تقدمها استراحة الأزرق، أما الآن، فإن الوضع محزن حقاً. لقد أديرت هذه الاستراحة بطريقة بعيدة عن التفكير السياحي." يقول سماوي. لكنه يستدرك قائلا إن هنالك حالات ناجحة في بعض المواقع السياحية البيئية، ويشير إلى أنه جاء بطلاب من البحرين لزيارة محمية ضانا أكثر من مرة، وكان انطباعهم رائعاً، "قال بعضهم أنتم مقصرون في الدعاية لجمال بلدكم." وهو يؤكد أن هنالك غيابا شبه تام للخدمات في بعض المواقع السياحية البيئية، "اذهب إلى محمية عجلون مثلاً، ماذا تجد من خدمات؟" شروط ومحددات نبيل الور، مدير التسويق في جمعية الحياة البرية في الأردن، يوضح أن السياحة البيئية لها شروط ومحددات، وذلك لحساسية هذه المناطق لأي تأثيرات خارجية من جهة، ولأن هذه المناطق تحتاج لمتطلبات معينة فيمن سيزورها، من جهة أخرى، فمثلاً زيارة المحميات التي تحتوي مناطق صخرية مثل محمية ضانا "تحتاج إلى حذاء خاص بالتسلق،" كما أن من غير المسموح في هذه المحميات دخول من تقل أعمارهم عن ستة عشر عاماً، لما يتطلبه ذلك من جهد. ويؤكد الور أن أدوات السلامة، والإنارة هي المتطلب الأساسي، أما أهم المحاذير فهي كل ما قد يؤثر على بيئة هذه المناطق، مثل: الصيد أو قطف الأزهار أو الاعتداء على الكائنات الحية. ويؤكد: "لدينا مفتشون يتابعون هذه الأمور بدقة، ويتعاملون مع أي مخالفات بسرعة وفعالية." ويقدّر الور عدد الزوار الذين يقصدون المحميات الطبيعية بمختلف أنواعها بنحو 30 إلى 40 ألف زائر سنوياً، 60 بالمئة منهم من الأوروبيين، والباقون أردنيون في الغالب. "أما العرب، فنادراً ما يزورونها." بحسبه. لكن الور يرى أننا "في الحقيقة لا نروج للسياحة في المحميات على نطاق واسع، بالعكس، نحن نسعى لضبط الأعداد التي تزور هذه المناطق بسبب حساسيتها الشديدة للتأثيرات الخارجية." ويتابع: "المحميات الطبيعية تحقق نوعا من التنمية المستدامة لأهالي مناطقها من خلال تشغيلهم، وربطهم بأرضهم ليحافظوا عليها ويحموها، ولذلك فإنها غير ربحية الهدف، ولا تحقق إلا ما يغطي نفقاتها التشغيلية، وما يزيد على ذلك يذهب للدراسات والأبحاث، وتطوير الخدمات». عبدالله عليان، من وزارة السياحة، يخالف الور في قضية الجدوى الاقتصادية للمحميات الطبيعية، فهو يرى أن بطاقات الدخول للمحميات الطبيعية هي الأعلى ثمناً من بين بطاقات الدخول للمواقع السياحية، كما أن زيارة المحميات الطبيعية المخدومة جيداً تتضمن المبيت، وخلال المبيت، فإن السائح ينفق أكثر، ومن هنا، "فإنها مجدية اقتصادياً، وفي المستقبل ستكون أكثر جدوى." معن الصمادي، مدير المحميات الطبيعية في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة يؤكد أن المحميات الطبيعية ليست استثمارا اقتصاديا قصير الأجل، "إنها استثمار استراتيجي في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، وهي استثمار يزداد جدوى كلما ازداد تقادمه مع المحافظة على سويته، ويكفي أنه يشكل رئة طبيعية لأي بلد يحميها من خطر التلوث، والتصحر." بلغ دخل الأردن من القطاع السياحي في العام الماضي نحو 1.2 بليون دينار بحسب أرقام وزارة السياحة، ولكن أي جهة في الوزارة أو في جمعية حماية الطبيعة لم تؤكد لنا حجم مساهمة سياحة البيئة فيها، لكن من الواضح أن سياحة الاصطياف والتنزه تعتمد محلياً، على ما تبقى من غطاء غابي في مختلف مناطق المملكة، حيث يجد فيها المواطن الأردني متنفساً له ولأسرته لقضاء عطلة نهاية الأسبوع، فيتجدد نشاطه ويعود إلى عمله بحالة معنوية أفضل بحسب الصمادي. المحميات الطبيعية، محاولة للحفاظ على ما تبقى من غطاء نباتي، وبيئات جبلية، وصحراوية جميلة، لتبقى متنفساً يحمي البلاد من التلوث، ويحافظ على حق الأجيال القادمة في العيش ضمن بيئة نظيفة، لكن يبقى السؤال معلقاً: هل سننجح فعلاً، في المحافظة على هذه المحميات لتصبح الدجاجة التي تبيض ذهباً أم أن المصير الذي آلت إليه محمية الأزرق المائية التي جفت مياهها، وساءت خدماتها سيكون مآل أخواتها من المحميات في الأردن؟ |
|
|||||||||||||