العدد 29 - أردني | ||||||||||||||
نهاد الجريري بليون ومئة ألف دولار، كانت مكاسب ولاية واشنطن الأميركية فقط من ريع الخدمات التي قدمتها الولاية للمصطافين في متنزهاتها ومحمياتها الطبيعية، بحسب تقرير نشرته الولاية عام 2003. هذه النشاطات، مثل تسلق الجبال واستكشاف الوديان والتخييم، قد تبدو من المسلمات فحيثما كانت هناك وديان وجبال، كان هناك تسلق واكتشافات. وربما ظل الأمر مستمرا مثلما كان منذ الأزل، لو لم تظهر حاجة لتنظيم العلاقة بين الإنسان/السائح وبين الطبيعة حتى لا يتم تدميرها أو التعدي عليها. هذا باختصار، هو مفهوم السياحة البيئية. يعرف الصندوق العالمي للبيئة السياحة البيئية بأنها "السفر إلى مناطق طبيعية لم يلحق بها التلوث ولم يتعرض توازنها الطبيعي إلى خلل، وذلك للاستمتاع بمناظرها ونباتاتها وحيواناتها البرية، وحضاراتها في الماضي والحاضر." من هذا التعريف تتضح أهمية وجود بيئات محمية وخدمات تنظم النشاطات البشرية داخل هذه البيئات بما يضمن الاستمتاع بها من ناحية والحفاظ عليها من ناحية أخرى. السياحة البيئية على هذا النحو بدأت متأخرة نسبيا في الأردن، وربما كانت بداياتها مع إعلان المحميات الطبيعية في ضانا والموجب والشومري وغيرها. باتر وردم الصحفي الأردني المتخصص في الشأن البيئي يعتبر أن المحميات هي "أنجح نماذج السياحة البيئية التي حققت التكامل بين الاثنين،" فمن ناحية تم الحفاظ على التنوع الحيوي في هذه المناطق، ومن ناحية أخرى تم تنظيم التفاعل البشري معها بما يضمن مردودا على الدخل القومي والمحلي، من خلال انخراط المجتمع المحلي في أعمال الضيافة والإنتاج الموجه للسياح. التقرير السنوي للجمعية الملكية لحماية الطبيعية لعام 2006، حدد إيرادات المحميات الأردنية بنحو 3 ملايين دينار – وإن كان هذا المردود تأثر كثيرا بسبب حرب لبنان في صيف ذلك العام. من بين المحميات الأردنية وعددها 6، تبرز محمية ضانا باعتبارها مشروعا رياديا، على مستوى المنطقة والعالم وليس على المستوى المحلي فحسب. حابس سماوي الأستاذ في الجامعة الأردنية والمتخصص في شؤون السياحة، يعتبر أن نجاح هذا المشروع يكمن في الفوائد الاقتصادية التي وفرها المشروع للسكان المحليين من خلال مشاركتهم في أعمال الضيافة، ومن خلال إقامة صناعات خفيفة حرفية ومنزلية مثل صناعة الحلي وتجفيف الفواكه والمربيات. سماوي يشدد أيضا على أهمية تحديد نقاط الدخول للمحمية وهي 3 أساسية هي: تنظيم عملية الدخول، وعملية الخروج، وتحديد الممرات السياحية، ما يحول دون العشوائية التي تهدد في كثير من الأحيان التنوع الحيوي في مثل هذه البيئات. تقع محمية ضانا في محافظة الطفيلة، وتمتد على مساحة 310 كم2، من مرتفعات الشراة حتى وادي عربة. أعلنت محمية طبيعية في 1989. الامتداد الجغرافي للمحمية في أقاليم مطرية مختلفة ساهم في إثراء التنوع الحيوي فيها؛ الأنواع النباتية بلغت 687 نوعا، منها 3 سجلت لأول مرة في تاريخ العلم في 1996، واختير اسم ضانا ليكون ضمن الاسم العلمي لهذه الأنواع الثلاثة، علما بأن ضانا هو الاسم العلمي لنباتات طبية في الدرجة الأولى. وفي ضانا ما بين 200 و 300 نوع من الحيوانات اللافقارية، ونوعان من البرمائيات، و39 من الزواحف – منها 4 مهددة بالانقراض. أما الثدييات، فقد تم تسجيل 37 نوعا – منها 12 مهددة بالانقراض مثل الذئب، والنمر، والوشق، والقط البري، والثعلب الأفغاني، والقط الصحراوي، والثعلب الفينيقي، والثعلب الرملي، والضبع المخطط، والبدن، والوبر الصخري، والغزال الصخري. قصة النجاح هذه قادت مؤخرا إلى تكرار التجربة في غابات الشمال (إربد، جرش، عجلون). يوسف زريقات المدير السابق لمحمية دبين يقر بأن السياحة البيئية ظلت غائبة عن خطط الجهات المعنية طول السنوات الماضية، بالرغم من أن هذه السياحة هي التي تستقطب السائح المحلي والعربي تحديدا، فيما يهتم السائح الأجنبي بالمواقع الأثرية والدينية أكثر من أي شيء آخر. ضمن هذه التوجهات، قال مصدر في وزارة السياحة أنه "مع نهاية شهر حزيران/يونيو الجاري سيتم إطلاق مشروع ‘الأردن أجمل صيف‘ ضمن حملة لترويج السياحة في الشمال بمشاركة المجتمع المحلي." وضمن هذه الشراكة، يشير المصدر، إلى مشروع عبلين-عبّين في عجلون، إذ تم تقديم منحة لسكان المنطقة لترميم منازلهم بما يمكنهم من استقبال السياح، وخاصة العائلات الخليجية، وفق نظام المبيت-الإفطار Bed & Breakfast. في المنطقة أيضا تم التأسيس لمشروع "بيت الصابون"، ومشاريع صغيرة أخرى تقوم على تجفيف الفاكهة وصنع المربيات. ويرى زريقات أن "السائح سواء العربي أو الأجنبي بات راغبا في الحصول على منتجات أصيلة من صلب المنطقة، حتى لو توفرت مثيلاتها المستوردة في الأسواق." وصلت السياحة البيئية منحنى هاما منذ عامين تقريبا مع الإعلان عن مشروع متنزه دبين في جرش الذي تقوم بتنفيذه شركة دبي كابيتال برأسمال 100 مليون دينار. الصيغة الأولية للمشروع تتضمن استغلال 450 دونما من غابات دبين لإقامة فندقين بسعة 500 غرفة وشاليهات ومركز للمؤتمرات، بالإضافة إلى مرافق مختلفة تخدم أنشطة خدمية وترفيهية مساندة، مثل الأندية الصحية والعلاجية. ضمن هذا التصور ظهر جدل حول مدى مواءمة المشروع الاستثماري مع البيئة المحيطة الغنية بتنوعها الحيوي النادر في أغلب الأحيان. أحمد الكوفحي المدير التنفيذي في جمعية البيئة الأردنية يعتبر أن المشروع بصيغته هذه «يضر كثيرا بالبيئة المحلية بما لا يمكن إصلاحه.» الكوفحي يشير تحديدا إلى عشرات الأشجار الصنوبرية النادرة المهددة بالانقراض، والتي يبلغ عمرها آلاف السنين. علاوة على أن هذه الغابات تمثل 88بالمئة من الغابات التي لا تتجاوز 1بالمئة من مساحة المملكة. ويقول إن «زراعة أي عدد بديل من الأشجار لن يعوض عن تلك التي ستُفقد نتيجة البناء.» في مرحلة لاحقة، تم تقليص المشروع ليغطي 220 دونما فقط، ونقل موقع البناء إلى الاستراحة التي تملكها مؤسسة الضمان الاجتماعي. لكن هذا لم يكن كافيا ليهدىء مخاوف البيئيين. يقول الكوفحي إن «الاستراحة وحدها لن تستوعب هذه المساحة، كما أنه لا بد من الأخذ في الاعتبار الطرقات التي سيتم شقها، وعليه فليس منطقيا أن هذا المشروع لن يؤثر إلا على 40 شجرة من أشجار الغابة.» محمد ليحو رئيس جمعية البيئة الأردنية فرع جرش يؤيد المشروع قائلا إن «دبي كابيتال اتخذت موقفا رائعا من الوضع البيئي في المنطقة.» ويشير إلى أنه تم نقل البناء إلى مناطق تعتبر «مدمرة بيئيا»، كما سيصار إلى بناء الشاليهات بين الأشجار للتقليل من إمكانية قطعها. ويعتبر ليحو أن المشروع سيسهم في رفد التنمية في منطقة جرش من حيث تنشيطها سياحيا واقتصاديا بما يوفر المئات من فرص العمل لأبناء المنطقة. الجدل الذي أثاره مشروع دبين نتج عنه كذلك أمر حميد. باتر وردم يشير إلى «ظهور ما صار يعرف بخطة استخدام الأراضي التي تصنف الأراضي إلى بيئات محمية وأخرى قابلة للتأهيل لتصبح محمية وأخرى مختلطة يمكن استثمارها صناعيا وتجاريا.» مثل هذه الخطة ستحول دون التعدي على الأراضي الحرجية وتضع حدا لكثير من الجدل حول الاستثمار في مناطق بيئية حتى قبل أن يبدأ. |
|
|||||||||||||