العدد 29 - أردني
 

سليمان البزور

لا سياحة للمجموعات من دون دليل سياحي، فهو المرشد إلى مناطق الجذب السياحي العارف بأسرارها وبتاريخها والشارح لأهميتها. لكن هذا ليس كل شيء عن الدليل السياحي، إذ كثيراً ما يتحول البعض منهم في بلادنا من مرشد إلى ما يشبه "السمسار"، أو الشريك الصغير لأصحاب المحلات التجارية أو المطاعم، فيستفيدون منها بقيادة المجموعات السياحية إليها، بحسب أصحاب محلات التذكار، والتحف والبازارات، والمطاعم والمقاصف.

نشأت مهنة الدليل السياحي في منتصف ستينيات القرن الماضي، حيث كان الادلاء ينشطون في الضفة الغربية بشكل اكبر، وقد بلغ مجموع الأدلاء الذين تم ترخيصهم للعمل وفقاً لنظام أدلاء السياحة ومراقبتهم رقم 48 لسنة 1966، 215 دليلاً، منهم 202 دليلا في الضفة الغربية والبقية في الضفة الشرقية من الأردن.

تشير أرقام وزارة السياحة للعام 2007، أن عدد الأدلاء السياحيين في المملكة بلغ 686 دليلاً سياحياً.

في وسط مدينة مادبا، وهي إحدى أبرز مناطق الجذب السياحي، يعيش أصحاب قرابة 35 متجراً ومعرضاً للتحف الشرقية والبازارات السياحية وضعاً لا يحسدون عليه. بعضهم وصف حالته بأنه على مشارف الإفلاس، وهو ما يعزونه إلى تدني المردود المادي واختلال المعادلة بين توازن الكلفة والإنفاق وبين المردود. كثير من هؤلاء يحملون أدلاء سياحيين الجزء الأكبر من المسؤولية لما آلت إليه أوضاعهم.

مروان فرح المنصور، صاحب بازار للتحف الشرقية في شارع السياحة/مادبا يشتكي:"أدلاء سياحيون يتعاملون، تحديداً، مع محلات تجارية ضخمة متخصصة بكل ما هو موجود في معارضنا، أقيمت أخيراً، تحديداً في منطقة صياغة/جبل نيبو". ويضيف المنصور إن الأدلاء باتوا يتعاملون مع هذه المتاجر الضخمة بناء على اتفاق ضمني للحصول على نسبة من البيع." يشرح منصور حجم المعاناة التي يواجهها وأصحاب المحلات المجاورة: "إذا لم نرضخ لشروط الأدلاء السياحيين وإعطائهم نسبة تصل أحيانا إلى 40 بالمئة من قيمة المبيعات، فإنهم يبعدون السائح عن متاجرنا، ونحن غير قادرين على تحمل الكلفة والنسبة الخاصة بهم. هنالك أرباح خيالية لأدلاء فقد تصل نسبتهم في بعض الأيام 1000 دولار إن لم يكن أكثر".

وديع معايعة، صاحب بازار، يقول للسّجل :"لم تكن هنالك في الماضي أعداد كبيرة من السياح في مادبا، وأن الوضع كان بسيطا، ولكن الآن، مع تزايد أعداد السياح والزوار إلى المنطقة، بدأنا نطالب الأدلاء السياحيين بضرورة إحضار السياح إلى متاجرنا، لكنهم يرفضون لأن النسبة التي نعطيها لهم لم تعد تعجبهم، وهم يتذرعون بأنهم لا يملكون الوقت الكافي للزيارة وإحضار الأفواج السياحية إلى متاجرنا." يضيف المعايعة: "لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فبعض الأدلاء باتوا يروجون لمناطق في مرج الحمام وناعور، وما أن يأتي السائح إلى مادبا حتى يكون قد فرغ من التسوق وجاء إلى المنطقة فقط لالتقاط الصور التذكارية".

يحدد نظام أدلاء السياح الأردنيين رقم 34 لعام 1998 في المادة 3 شروط مزاولة المهنة بالتمتع بالجنسية الأردنية، وبلوغ العشرين من العمر، وخلو سجله من الأحكام الجنائية أو الجنح المخلة بالشرف والأخلاق العامة. وعن المؤهل العلمي اشترطت المادة الحصول على الدرجة الجامعية الأولى أو ما يعادلها، أو دبلوم في خدمات أدلاء السياحة من كلية معتمدة كحد أدنى.

نصت الفقرة 6 من المادة ذاتها على أنه "لا يجوز له مزاولة أي وظيفة أو مهنة أخرى بما في ذلك التجارة والسمسرة".

ونصت المادة 9: "على الدليل أن لا يقصر في أداء واجباته أو خدماته وأن لا يخل بالتزاماته تجاه السياح أو أصحاب المهن السياحية الأخرى وعليه بشكل خاص الالتزام بما يلي: عدم استغلال مهنته لأغراض غير أخلاقية أو تجارية، والإعلان عن نفسه بصورة تخالف الحقيقة أو تنطوي على التغرير بالزوار والسياح، عدم اشتراط طلب العمولة أو المكافأة من أصحاب المهن السياحية والتجارية وغيرها، وعدم طلب الإكراميات من الأفواج السياحية والزوار."

على أرض الواقع يختلف الأمر، فبعض الأدلاء يخالفون القوانين الناظمة وأخلاقيات المهنة، ما دفع مجموعة من أصحاب محلات التحف التذكارية في مادبا للتقدم بعريضة احتجاجية على تعامل أدلاء سياحيين معهم، إلى وزارة السياحة، قالوا فيها إنهم أصبحوا يعانون من مشكلة خطيرة تهدد محلاتهم ومصادر رزقهم، ويحددون السبب في ذلك "قيام الادلاء السياحيين بمنع السياح من الشراء من محلاتنا في وسط المدينة والتوجه بهم إلى منطقة صياغة/جبل نيبو للشراء من هناك".

"فوبيا" جديدة طفت على السطح أخيرا هي الخشية من الأدلاء السياحيين، فصاحبة معرض مختص ببيع التذكارات الفسيفسائية فضلت عدم ذكر اسمها تخوفاً من انتقام الادلاء فهي تقول "للسّجل": "الدليل يطالب بنسبة مرتفعة قد تصل إلى50 بالمئة وبالتالي ينخفض هامش الربح لدينا ونكون وقتها مضطرين لرفع الأسعار، ما يجعل السائح يشعر بأن الأسعار باهظة ما يثير انطباعاً بأن الأسعار في منطقتنا مرتفعة فيحدث إحجام عن الشراء".

توافقها الرأي ليلي الرواحنة، صاحبة محل للتحف الشرقية، التي تبدي غضبها الشديد على الادلاء: " نعاني الأمرّين مع الأدلاء السياحيين، فمن جهة ارتفعت النسبة التي يتقاضونها تبعاً لارتفاع الأسعار مؤخراً، وأصبحوا يطالبون بنحو 40 بالمئة من حجم المبيعات، ومن جهة أخرى يعطون انطباعاً سيئاً عن متاجرنا ويقولون للسياح إن كل شيء في متاجرنا مقلد ومستورد من الصين والهند، ويطلبون منهم التوجه إلى محلات معروفة سلفاً لهم وكل هذا لأننا لا نرضخ لهم"، مدة تجوال السائح في مادبا ضمن المجموعات السياحية، بحسب أرقام وزارة السياحة ومركز زوار مادبا لا تتعدى ساعة، و تضم مادبا عدداً من المرافق السياحية تتوزع على 83 فندقاً، 24 مكتباً سياحياً، 116 مطعما سياحيا، 103 متاجر للتحف الشرقية، بحسب أرقام وزارة السياحة للعام 2007.

في السياق ذاته، يقول صاحب أحد المتاجر، يوسف صوالحة: "علينا الاعتراف بأن متاجرنا صغيرة المساحة بالكاد تتسع لستة أو ثمانية سياح، وهنالك أماكن أوسع وأكبر افتتحت في منطقة صياغة،

لا نريد أن نقارن نسبة وحجم ربحنا بهم، لكننا أيضا نريد أن نعيش، وعلى الأدلاء أن يفهموا ذلك." يستذكر صوالحة موقفاً تعرض له قبل مدة اذ دخل إلى محله أحد السياح واشترى قطعة ثمنها 30 ديناراً، وبعدما انتهى طلب الدليل نسبته فأعطاه خمسة دنانير، إلا أن تلك النسبة لم تعجبه فطلب المزيد مما اضطره لإعطائه مبلغاً مماثلا. ويواصل صوالحة: "أحد الأدلاء حصل قبل أيام على نحو 6 آلاف دولار كنسبة من أحد المتاجر الضخمة عن شراء السياح لمنتجات حريرية."

يقترح صوالحة حلا للمشكلة "بإلغاء قانون الأدلاء السياحيين وتحويلهم إلى موظفين في وزارة السياحة برواتب ثابتة، وتحديد صلاحيتهم والحد من دورهم مع السائح".

الدليل السياحي معاوية قطيش يرى أن العمولة التي يتقاضاها الدليل هي "عرف عالمي معمول به في دول العالم كافة، ونحن لسنا مشتركين في الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، فتترتب علينا أعباء ماليه كبيرة.ً"، ينفي قطيش الأرقام التي أشار إليها تجار التي يتقاضاها الادلاء كنسبة عمولة: "لا تتجاوز نسبة عمولتنا 10-15 بالمئة، ونحن نخضع في الجولات لرغبات السياح وهم الذين يختارون مكاناً ما ولا يحبذون آخر، ومن ثم فإن السائح يحتاج خلال جولته وتسوقه إلى مرافق لا تتوافر لدى أصحاب محلات شارع السياحة كالحمامات وغيرها."، وهنا يعترف قطيش بتقاضي نسبة عمولة وهو خلافاً، لنص المادة 9 من قانون الادلاء السياحيين لعام 1998.

يطرح قطيش فكرة لتطوير أوضاع البازارات: "يجب إنشاء سوق حرفي كامل تتوافر فيه المرافق العامة وكل ما يحتاجه السائح، عندها سيتجول السائح بكل أريحية في أماكن التسوق، وهو ما يجده في المتاجر الضخمة التي يتجول فيها ويعثر على ما يريد".

على أن نسبة إنفاق الدليل للالتحاق بالمهنة لا تتطلب تكلفة مرتفعة، ووفقاً لنظام جمعية أدلاء السياح رقم 65 لسنة 1998 نصت المادة 25: "تستوفي الجمعية من العضو الرسوم التالية: رسم الانتساب لأول مرة وقدره ثمانون ديناراً، رسم الاشتراك السنوي وقدره أربعون ديناراً ويتم دفعه خلال شهر كانون الثاني من كل سنة".

مدير مركز زوار مادبا حسين الشوابكة يقول: "قدمنا بالتعاون مع الوكالة الأميركية للتنمية الدوليةusaid الدعم للعديد من المحلات التجارية في مادبا، ولم يكن عليهم سوى تحمل نسبة 20 بالمئة من التكلفة الحقيقية، وتمثل الدعم في تطوير وتنسيق الواجهات والآرمات والأبواب، وأشركناهم في دورات محاسبة وطرق التعامل مع السياح".

يحمل الشوابكة أصحاب المحلات جزءاً من المسؤولية: "التجار يغلقون محلاتهم في أوقات مبكرة؛ في السابعة أو الثامنة مساءً، رغم أن هناك بعض السياح القادمين بشكل فردي يبيتون في مادبا ويتجولون في المدينة في ساعات الغروب والمساء، وحين يجدون المحلات التجارية مغلقة فإنهم لن يشترون بالتأكيد".

"السّجل"، اتصلت بهناء أبو رمان، من قسم الأدلاء السياحيين في وزارة السياحة لتقف على رأي الوزارة في هذا الشأن، فردت بأنها غير مخولة بالتصريح، وحين سألتها السّجل عن العريضة، التي كان قدمها أصحاب محلات التحف التذكارية للوزارة، أجابت بأن ذلك من حق التجار فقط وليس أي طرف آخر.

رئيس جمعية الادلاء السياحيين، بشير الحناوي، يقول للسّجل:"العمولة بحد ذاتها ليست قانونية، لكنها عرف عالمي، بيد أننا لا نحبذ التعامل مع العمولة بطريقة الفرض، أو العرض." ويشرح الحناوي: "بعض الأدلاء يفرضون العمولة، كما أن بعض التجار يقفون أمام متاجرهم، ويبدأون بمفاوضة الادلاء على العمولة، وكلتا الطريقتين مرفوضتان".

ويدافع عن الادلاء السياحيين : "الدليل السياحي غير مشترك في الضمان الاجتماعي أو التأمين الصحي، وهو أشبه بعامل المياومة، لذا فهو يعتمد في عمله على نشاط الموسم السياحي، وقد يعمل يوما ويتوقف عشرة عن العمل".

العمولة الأنسب بحسب الحناوي، التي ترضي الطرفين هي أن تكون بين 20-25 بالمئة. يزور مادبا من 1000 إلى 1500 شخص يومياً بحسب مركز زوار مادبا، وخلال الربع الأول من العام 2008 زارها نحو 106 آلاف سائح.

ما يجري في مادبا ليس حالة استثنائية، يحدث ما يشبهه في مناطق أخرى. جرش، البتراء، والعقبة وغيرها.

ومادبا بذلك هي حالة نموذجية لما يجري في المناطق السياحية كافة.

الدليل السياحي مرشد أم سمسار؟
 
05-Jun-2008
 
العدد 29