العدد 29 - أردني | ||||||||||||||
سليمان البزور يصر فراس الزعبي 35 عاماً، على الذهاب إلى دمشق ومصايفها كلما سنحت له الفرصة أثناء العطل والإجازات السنوية، رافضا الذهاب إلى أي من المرافق السياحية الأردنية. وهو يعزو ذلك إلى ارتفاع الأسعار وتدني مستوى الخدمات. يشرح الزعبي للسجل: "جربنا مطولاً السياحة في الأردن، ولم نعد قادرين على تحمل كلفها العالية، كما أن الخدمات المقدمة في تلك المرافق تقتصر على المبيت، ولا توجد أنشطة وفعاليات سوى التسكع في الشوارع وعلى الأرصفة". ويقارن الزعبي بين دمشق والمصايف السورية وبين المناطق السياحية الأردنية : "في دمشق هنالك برامج متواصلة وفعاليات ثقافية وفنية وترويحية، أما في الأردن، ولنأخذ العقبة مثالاً، وهي التي يتم الترويج الأردني لها باستمرار، لا تجد سوى الشاطئ الشعبي وشاطئ الفنادق". يرى الخبير الاقتصادي يوسف منصور أن السياحة الداخلية أهم من السياحة الخارجية. ويشرح منصور: "السياحة الداخلية لا ترتبط بظرف أو وضع أمني أو سياسي، كما أن أثر هذه السياحة الاقتصادي أكبر، لأن احتياجات السائح المحلي أقل، وهي لا تتطلب اللجوء إلى الأسواق الخارجية". يستذكر منصور مدى تأثر السياحة الخارجية القادمة للأردن بالأوضاع المحيطة: "في العام 1996جرى إطلاق النار على نحو 50 سائحاً في أسوان في مصر، فتأثرت السياحة في الأردن بشكل ملحوظ". ويختزل منصور المشهد في المعادلة: "عندما تفشل في سياحة الداخل فهذا يعني أن السياحة في الخارج ذات تنافسية عالية." ويعرف منصور التنافسية بأنها "الجودة الأعلى المصحوبة بالسعر الموازي أو السعر الأقل". على أن منصور يحمل الحكومة جزءا من المسؤولية: "طالبنا الحكومات مرارا بإنشاء خط سكة قطار يصل بين أقصى الشمال وبين الجنوب؛ عندها سيتنقل المواطن بين المناطق بكل أريحية وبتكلفة أقل من تنقله في سيارته الخاصة، إضافة إلى اختصار الوقت". على أن منصور يرى أن نمط الرحلات الترفيهية البسيطة الذي ازداد مؤخراً بلجوء المواطنين إلى الطبيعة التي لا تحتاج إلى رسوم دخول، هو نمط قديم كان يسود قبل عشرات السنين، وهو يستمر الآن نظراً لارتفاع الأسعار وغياب شبكة مواصلات ذات كفاءة عاليه. ويرى منصور أن ذوي الدخل المرتفع يقومون بالسياحة الداخلية ولكن ضمن حدود: "بعضهم يذهب إلى مزرعته الخاصة، وبعضهم يلجأ إلى المنتجعات ليوم أو يومين". يرى الخبير السياحي حابس سماوي أن إنجاح السياحة الداخلية يتطلب خلق مصالح مشتركة في المجتمع المحلي، ويقر سماوي "نحن لا ننظر إلى السياحة المحلية ونهمل السياحة الداخلية، وما يهمنا هو السائح الأجنبي." وهو يعزو تراجع السياحة الداخلية وتوجه المواطنين إلى الخارج إلى الأسعار التي لا تتناسب وقدرة المواطنين، كما أن الخدمات المقدمة مختلفة كليا. في السياق ذاته، يشتكي محمد عبد الرحيم، 42 عاماً، من ارتفاع أسعار المرافق السياحية الأردنية: «لو افترضنا أنني وعائلتي، المكونة من زوجتي وثلاثة أبناء وطفل، أردنا زيارة حمامات ماعين، ونحن نقيم في الزرقاء فستكلفنا تلك الرحلة التي لا تستغرق أكثر من ساعات بسيطة، ما لا يقل عن 80 ديناراً، فتذاكر الدخول إلى تلك الحمامات وحدها تبلغ 10 دنانير للفرد، وإذا ما تحدثنا عن الجلوس فقط دون تناول أطعمة أو أية طلبات أخرى، فضلا عن تكلفة الذهاب بالمواصلات الشاقة أو بالسيارة، فإن التكلفة ستكون مرتفعة جداً، فما الذي يجبرنا على تحمل مثل هذه التكاليف إذا أردنا أن نرفه عن أنفسنا قليلاً؟» أستاذ علم الاجتماع في جامعة فيلادلفيا، سالم ساري يرى أن المستجدات العالمية كارتفاع الأسعار والضغوط تؤدي بالمجتمعات إلى تغيير أنماط حياتها. ويقول:»اعتاد الأردنيون منذ القدم على زيارة المتنزهات والأماكن العامة التي تنتشر فيها الأشجار، إلا أن هذا شهد تزايداً ملحوظاً في السنوات الأخيرة نتيجة لارتفاع الأسعار، وهذا ما ساهم في تغير العلاقات الاجتماعية». يختلف تعريف السياحة الداخلية من دولة لأخرى، ففي الولايات المتحدة الأميركية تصنف السياحة الداخلية تبعاً للمسافة التي يقطعها الفرد، فإذا وصلت 100 كم أو أكثر، بعيداً عن مقر إقامته فإنه يصنف سائحاً داخلياً. أما لدى بلجيكا والمملكة المتحدة، فإن السائح الداخلي يعرف بأنه الشخص الذي يقضى أربع ليالٍ أو أكثر بعيداً عن سكنه، لغير أغراض العمل. ويرى محمد، الموظف في مستودع أدوية، أن هذا الواقع فرض عليه وعلى عائلته البحث عن بدائل، فكانت الطرقات التي ينمو عليها بعض الحشائش والأشجار الحرجية مقصداً لهم، «أصبحنا نذهب كل جمعة إلى منطقة دبين وغيرها من المناطق ذات المسحة الخضراء، نتناول وجبة الغداء ومعنا احتياجاتنا من المنزل، لنوفر على أنفسنا فتقتصر التكاليف على بنزين السيارة». في واقع الأمر، هنالك عزوف عن السياحة الداخلية وغياب للاهتمام الرسمي بتنشيطها، يتضح ذلك من حصة مكاتب السياحة الداخلية من مجمل المكاتب السياحية، إذ يبلغ عدد مكاتب السياحة والسفر في الأردن زهاء 480 مكتباً، من بينها 20 مكتباً تختص بالسياحة الداخلية. «عمر عواد ما بيعيدها»، بهذه العبارة اختزل ناصر عبد الله عبد الرحمن 44 عاماً رحلته الأخيرة إلى مدينة العقبة: «أردنا زوجتي وأنا بالإضافة إلى أبنائي الخمسة والبنتين الذهاب في رحلة إلى العقبة إبان إجازة عيد العمال الأخيرة. أردنا المكوث لمدة ثلاثة أيام وليلتين، توجهنا في حافلة لإحدى الشركات الخاصة فبلغت قيمة التذكرة للراكب الواحد 8 دنانير، وعندما وصلنا إلى هناك بالتأكيد لم نكن قادرين على استئجار غرف في الفنادق، فالفنادق ذات النجوم الثلاثة أو الاثنتين تتقاضى في الليلة زهاء 50 ديناراً، وتشتمل على وجبات غذاء لا تغني أو تسمن من جوع، لذلك أخذنا شقة مفروشة بأجرة بلغت 30 ديناراً لليوم، ومع مصاريف الأولاد والتنزه والطعام وبعض المشتريات كنا قد دفعنا نحو 300 دينار، وهذا بالنسبة لنا مبلغ كبير». يقول عبد الرحمن إنه بعدما تحدث مع زملائه في العمل عما جرى، «طرحوا علي حلاً أن اذهب في المرات المقبلة مع زوجتي فقط، لتوفير مصاريف الأولاد، فرفضت، لأن من غير المعقول أن استمتع وزوجتي في السياحة ويبقى الأولاد في المنزل». ترهق تكلفة دخول العديد من المرافق السياحية في الأردن كاهل المواطن، وبحسب أرقام وزارة السياحة فإن رسوم دخول المواقع الأثرية والسياحية كالتالي: «متنزه شاطئ أمانة عمان/ البحر الميت 6 دنانير، منتجع ماعين السياحي 10 دنانير، محمية عجلون 2 دينار، محمية ضانا 2 دينار، يضاف إليها رسم ضريبة مبيعات بنسبة 16 بالمئة». بحسب مسح نفقات ودخل الأسرة الأردنية لعام 2006، الذي أجرته دائرة الإحصاءات العامة، تبين وجود فجوة تصل إلى حوالي 1331 دينارا سنويا بين متوسط الإنفاق وبين دخل الأسرة. كما بلغ متوسط دخل الأسرة الأردنية السنوي 6220 دينارا، في حين يعيش 14.8 بالمئة من الأردنيين تحت خط الفقر.
** "غرفة السياحة" مشروع حق يراد به باطل؟
يبدي عدد من أصحاب الوكالات السياحية الأردنية قلقهم، من فكرة إنشاء غرفة سياحة أردنية، على غرار غرفة الصناعة والتجارة، لاعتقادهم بأن هذه الخطوة ستكون لمصلحة بعض المتنفذين من العاملين في القطاع السياحي على حساب بقية الوكالات. مهند حدادين، أحد أصحاب الوكالات السياحية القلقين من هذه الفكرة التي يبدو أنها في طريقها إلى التنفيذ، يرى أنها تهدف إلى الاستيلاء على أموال جمعية وكلاء السياحة، وإلغاء الجمعية، وجمعية الفنادق، ومن ثم رفع رسوم تسجيل الوكالات التي تبلغ حالياً 160 ديناراً تقريباً، ورفع الكفالات التي تتراوح بين 25 ألف و100 ألف دينار. العديد من أصحاب الوكالات التجارية يؤيدون حدادين فيما ذهب إليه، ومن بين هؤلاء مذكور الكباريتي الذي يرى أن الهدف الرئيس من هذه الخطوة هو رفع الكفالات على مكاتب السياحة بحيث تصبح هذه المكاتب عاجزة عن الاستمرار في سوق العمل، وبالتالي تغلق ليتم احتكار السوق من قبل عدد قليل من المتنفذين في القطاع السياحي. ويؤكد الكباريتي أن هذه الخطوة، إن تحققت، فسوف تدفع المئات من العاملين في هذا القطاع نحو سوق البطالة، وسوف تخرب الكثير من البيوت والمصالح. وفي سبيل الدفاع عن مصالح أصحاب الوكالات السياحية، يشدد الكباريتي على ضرورة "عقد اجتماع للهيئة العامة لاتخاذ قرار بهذا الشأن، لأنه ليس من حق أربعة أو خمسة أشخاص أن ينفردوا مع الحكومة في اتخاذ قرار خطير كهذا." «السّجل» حاورت حيدر زيادات، رئيس جمعية وكلاء السياحة السابق، حيث أن الرئيس الحالي محمد الإمام خارج المملكة، وحيث تعذر الاتصال مع ميشيل نزال، الذي يعتبره بعض أصحاب الوكالات عرّاب مشروع غرفة السياحة المقترح. زيادات أكد لـ«السّجل» أنه شارك في صوغ مشروع قانون غرفة السياحة. ويتابع زيادات موضحاً: "الهدف من المشروع، هو جمع الفعاليات السياحية تحت مظلة واحدة تدافع عن حقوقها، وتزيد من مستوى التنسيق بينها." لكنه ينبه إلى أن "انتخابات غرفة السياحة، وما ستفرزه من مجلس إدارة سوف يكون محكوما بإرادة أعضاء الهيئة العامة، ولن يستطيع أحد أن يفرض على الهيئة العامة إدارة لا تريدها، فلماذا القلق؟!" ومن جهة أخرى، يشدد زيادات على أن أموال الجمعيات القائمة هي حق لأعضاء هذه الجمعيات، ويمكن لكل جمعية أن توزع أموالها على أعضائها قبل أن تنضم لغرفة السياحة. إن قراءة في رأي طرفي النزاع، تعيد إلى الأذهان العديد من القصص التي بدأت بدعوى توحيد أو تنظيم أو تطوير قطاع ما، وانتهت إلى وضع هذا القطاع أو ذاك على طبق من ذهب بين أيدي حفنة من المحتكرين. يذكر أن قطاع الوكالات السياحية الأردنية، يضم 400 وكالة، تعمل في تنظيم البرامج السياحية الداخلية والخارجية، ويعمل فيها نحو 2000 موظف داخلي، بالإضافة إلى أن هذه الوكالات تشغل عشرات الأدلاء السياحيين والحافلات السياحية. |
|
|||||||||||||