العدد 29 - أردني
 

خليل الخطيب

يعتقد كثير من المواطنين أن التبادل السياحي بين الأردن وإسرائيل لا يفيد السياحة الأردنية، بل يسبب لها الضرر، لأن إسرائيل تستأثر بالمزايا السياحية تاركة الأردن على الهامش من خلال ترويج الأردن سياحيا في برامجها الخاصة.

هذا الاعتقاد ليس بلا سبب، ولا ينطلق دائما من موقف عدائي مسبق من مبدأ التعاون مع إسرائيل، بل يستند إلى مسيرة عمرها 14 عاما من التبادل السياحي بين الجانبين، الذي نصت عليه اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية الموقعة في وادي عربة العام 1994.

ينص البند 17 من المعاهدة على "تعزير التعاون فيما بينهما في حقل السياحة"، و"يتفق الطرفان على التفاوض بأسرع وقت ممكن والوصول خلال فترة لا تزيد على 3 أشهر من تاريخ تبادل الوثائق وتصديق هذه المعاهدة وذلك من أجل تعزيز السياحة المتبادلة والسياحة من الدول الأخرى."

لم تمض الأشهر الثلاثة حتى كان الجانبان قد وقعا ما يعرف بـ"اتفاقية النقل والموانئ" التي حددت جميع أوجه التعاون في مجال النقل البري، الجوي، المعابر، الجسور والتبادل السياحي.

تنص الاتفاقية على أن "يتم تنظيم تشغيل الحافلات السياحية بين البلدين من خلال وكالات السفر وشركات النقل السياحي المسجلة والمرخصة في كلا البلدين." وتتابع الاتفاقية "ويكون تشغيل الحافلات بين البلدين على أساس نظام النقل من نقطة إلى نقطة، ولا يسمح للحافلات بالقيام بجولات سياحية خارج خط سيرها المحدد، أو القيام بجولات سياحية إلى أماكن ابعد من نقطة الوصول المقصودة."

النصوص السابقة تكاد تنطق بالهاجس الأمني الذي يهيمن على علاقات التبادل السياحي، ما جعل عملية التبادل السياحي تخضع بصورة شبه مطلقة، للرقابة الأمنية، وبخاصة حين تناقش التفاصيل، فالاتفاقية تنص في تفاصيلها على أن "تكون محطة الوصول/المغادرة في بلد المقصد إما فندقا أو محطة معتمدة للحافلات السياحية، ويتم تحديد خطوط سير الرحلات السياحية وإعادة النظر فيها بصورة مشتركة حسبما تقتضيه الضرورة وذلك من قبل سلطتي النقل المختصتين لدى الطرفين. ولا يسمح لأي سائح بالترجل و/أو النزول من الحافلات على طول امتداد خط سير الرحلة في البلد الآخر."

مع ذلك فتحت هذه الاتفاقية المجال، في البداية على الأقل، أمام موجة متبادلة من الزائرين على طرفي الحدود، وهي موجة "كانت إلى حد ما عشوائية، وغير ملتزمة بمعايير اتفاقية النقل التي برز فيها الجانب الأمني على حساب الجوانب الاقتصادية،" كما قال مهند حدادين، صاحب مكتب للسياحة والسفر.

لكن اندلاع الانتفاضة الفلسطينية في العام 2000 أحدث أثره على التبادل السياحي، والسياحة الإسرائيلية إلى الأردن في صورة خاصة، فقد تشكل لدى السياح الإسرائيليين شعور بالخطر، أزال عنهم الشعور النسبي بالأمان الذي كان قائما قبل الانتفاضة." كما أكد أكثر من صاحب مكتب للسياحة في عمان.

السياحة من الأردن باتجاه إسرائيل تأثرت هي الأخرى بالانتفاضة، بحسب مذكور الكباريتي، أحد وكلاء السياحة الذي عمل بين الأردن وإسرائيل. يقول الكباريتي إنه "قبل الانتفاضة الثانية، كان عدد الزيارات أكبر من الجانبين، حيث كانت إسرائيل تتساهل في منح تأشيرات الدخول، فدخل مئات من الأردنيين لزيارة أقاربهم في أراضي 48، وجزء منهم بقي هناك فترة، حيث وجد عملاً. كذلك أعطت إسرائيل عشرات تأشيرات الدخول كل عام للدخول لما تسميه الحالات الإنسانية."

أما السياحة الترفيهية، حيث يسافر بعض الأردنيين إلى إسرائيل بقصد السهر، وزيارة الأماكن الترفيهية الأخرى، فإن ذلك يقتصر على عدد من رجال الأعمال المرتبطين بعلاقات عمل مع جهات إسرائيلية، كما يؤكد الكباريتي، وعدد من وكلاء السياحة الذين عملوا في مجال السياحة بين الأردن وإسرائيل.

قبل الانتفاضة الثانية بحسب الكباريتي، كان كثير من الإسرائيليين مهتمين بزيارة الأردن، وكانت أكثر المناطق جذباً لهم هي البتراء، ووادي الموجب، والمحميات الطبيعية الأخرى. أما بعد ذلك، فيجمع كل من الكباريتي وحدادين، وعصام حماد، ومجدي أبو عجوة وآخرين من وكلاء السفر الذين استطلعتهم "السّجل"، على أن «إسرائيل بدأت بوضع عراقيل وتعقيدات أمام طالبي تأشيرات الدخول، إلى درجة انقطاع هذه العملية من الجانب الأردني، وذلك رغم وجود بعض من يرغبون بزيارة إسرائيل من الأردنيين، فيما بقيت إجراءات دخول الإسرائيليين إلى الأردن سهلة، لا تعقيد فيها."

يرى الكباريتي أن السياحة الإسرائيلية باتجاه الأردن «غير مفيدة، غالباً، لأن السياح الإسرائيليين والأوروبيين القادمين من إسرائيل، يأتون وفق برامج ينظمها وكلاء سياحيون إسرائيليون يهتمون بأن يقضي السائح الغربي في إسرائيل معظم مدة رحلته، فينظمون لهم زيارة ليوم واحد إلى الأردن، لا ينفق خلالها السائح سوى ضريبة الدخول إلى الموقع السياحي».

يوافقه في ذلك، عصام حماد الذي يؤكد أنه "رغم أن الأسعار في الأردن أقل منها في الدول المجاورة، فإن طريقة تنظيم الرحلات لا تتيح للسياح الأوروبيين الوقت للتجول والتسوق، أما السياح الإسرائيليون، فإنهم يحضرون زجاجات الماء والطعام معهم».

ويذهب مجدي أبو عجوة ابعد من ذلك، فيشير إلى أن «معظم الشركات السياحية الأردنية لا تفضل التعامل مع الإسرائيليين، لأن تجربة الشركات التي بادرت للتعاون معهم لم تكن مشجعة، إذ إنهم يتحايلون على حقوق الشركات الأردنية».

من جهة أخرى، يلفت أبو عجوة إلى أن "العامل النفسي ما زال يشكل حاجزاً قوياً أمام التعامل معهم." ويتابع أن "الأوروبيين الذين يحضرون لزيارة البتراء ليوم واحد، يتوهمون أنهم يزورون موقعاً إسرائيلياً، وبخاصة أن الإدلاء الذين معهم إسرائيليون."

ويعود الكباريتي الى قضية الزيارة ليوم واحد، فيحذر "إذا أردنا تحقيق فائدة فلا بد من وقف السماح بزيارة اليوم الواحد فوراً".

ويلفت الكباريتي الانتباه إلى نوع آخر من السياحة الإسرائيلية باتجاه الأردن، فيشير إلى أن الإسرائيليين أبدوا اهتماماً كبيراً بمواقع المحميات الطبيعية، وبخاصة محمية الموجب، مشيرا إلى أنهم يحضرون معهم أدواتهم ومعداتهم، وخرائطهم وكل لوازم البحث العلمي. ويعلق: "هؤلاء لا يأتون للسياحة والترفيه، وإنما للدراسة والبحث، وبالتالي فان نفقاتهم تكون قليلة ومحدودة."

أوروبيون يزورون البتراء ويتوهمونها إسرائيلية:ا لسياحة الإسرائيلية بدأت عشوائية وانتهت أمنية
 
05-Jun-2008
 
العدد 29