العدد 29 - كتاب | ||||||||||||||
لاحقاً واستطراداً لملاحظات انتقادية ذكرناها في مقال العدد السابق حول ممارسات غير سوية ومضاربات خطرة في العديد من عمليات التداول في بورصة عمان، والتي نجمت عن تقديرنا عن ثغرات ونواقص وأخطاء في قانون الأوراق المالية رقم (76)، وأنظمة وتعليمات البورصة الملحقة به، فإنه من الانصاف القول أيضاً بأن جانباً مهماً من التشوهات والتجاوزات التي حدثت وما تزال تحدث في البورصة، نجمت أيضاً عن قصور وعدم ملاءمة في بعض مواد قانون الشركات رقم (22) لسنة 1997، وفي أنظمة وتعليمات صادرة بموجبه عن وزارة الصناعة والتجارة، كما في التطبيق، الى جانب مسؤولية واضحة يتحملها البنك المركزي الأردني باعتباره الوحدة الرقابية والتنظيمية لمسار البنوك التي تتخذ قانوناً شكل الشركات المساهمة، والتي تؤثر سلباً أو ايجاباً على نوعية وطبيعة التداول بالأوراق المالية. وكان من ابرز التراجعات أو الصدمات النص في الفقرة (أ) من المادة (113) من قانون الشركات على أن تتم زيادة رأسمال الشركة المساهمة عن طريق طرح «أسهم الزيادة للاكتتاب من قبل المساهمين أو غيرهم، وهو ما بات يعرف بمصطلح «الاكتتاب الخاص»، الذي اصبح هو القاعدة المتبعة في الزيادة بديلاً عن طرح أسهمها للاكتتاب العام الذي من شأنه بخلاف «الاكتتاب الخاص» ضخ دماء جديدة من المساهمين أو توسيع قاعدتهم في الشركات، وهو الشرط الضروري للوصول الى درجة أكثر تقدماً ونضوجاً في عمليات التداول التنافسية، وكان القانون المؤقت رقم (1) لسنة 1989 أكثر تقدماً وتوازناً عندما جعل طرح الأسهم بالاكتتاب العام على الجمهور هو الأساس فيما كان الاكتتاب الخاص هو الاستثناء المقيد بأكثر من شرط بما في ذلك شرط موافقة وزير الصناعة عليه بعد الدراسة والتقييم. المفارقة ان اضافة عبارة «او غيرهم»، في عجز الفقرة الجديدة كانت اقرب الى ذر الرماد في العيون إذ لم يؤخذ بها إطلاقاً عند قيام عشرات الشركات بزيارة رأس المال لتكون النتيجة تعمق تمركز ملكية الأسهم في محافظ كبار المساهمين وبالتالي امكانية تحكمهم في اتجاهات اسعارها والمضاربة بها. قانون الشركات الأخير، لم يأت بأي جديد متقدم ملموس فيما يتعلق بشروط المؤسسين للشركات المساهمة، وامكانية تخفيض الحد الأعلى لمساهمتهم عن (75بالمئة)، كما لم يتعرض لضرورة توفر مواصفات وكفاءات علمية وإدارية فيمن يشغل عضوية مجلس الإدارة، ولم يتقدم كثيرا في عملية مراقبة ومتابعة ومساءلة نشاط الشركات المساهمة وإداراتها وحالات تعثرها وتصفيتها. وساهمت وزارة الصناعة (مراقبة الشركات) امام توسع غير مسبوق في تأسيس شر كات مساهمة جديدة ومن (161) شركة في 2003 الى (245) شركة في 2007، معظمها في القطاع العقاري والخدمي والمالي، فيما كان بعضها قد خرج من رحم شركات قائمة، أو أنها متحولة من شركات عادية، بل وجرى اجازة شركات مساهمة من مساهم واحد فقط!!، وليس من الصعب علمياً وعملياً توقع تعثر لاحق لأكثر من شركة منها. التداعيات لتوجيه ونهج السماح للمتمولين غير الأردنيين أفراداً ومؤسسات، أو حتى لشريك واحد بتملك غالبية أسهم الشركات والسيطرة عليها، وكما حدث في أكثر من بنك رئيس وشركة محورية، اتسمت بالسلبيات بأكثر مما حققته من ايجابيات مدعاة آنية ومستقبلية. وخلافاً لأعراف مصرفية وبديهيات اقتصادية لا تحبذ ولا تقر صرف قروض وضع تسهيلات مصرفية بهدف التمكين من شراء اسهم او المتاجرة بها فان البنك المركزي الاردني لم يعترض على توسع البنوك الكبيرة في منح القروض بشكل عام، ولشراء الأسهم والمتاجرة بها بشكل خاص، والتي قفزت قيمتها من (23) مليون دينار في 2003 الى (428) مليون دينار في نهاية 2007، مرشحة للزيادة، فيما يمكن ان يكون الرقم أو الوضع الحقيقي أكثر بكثير من خلال منح هكذا قروض تحت عناوين أهداف أخرى، وكان هذا مدخلا لنمو متقدم غير واقعي من ارقام ومعدلات اداء البورصة، وفي ارتفاع تضخمي في اسعار الاسهم التي اطلق عليها في السوق «اسهم المضاربة» بل امتد الاختلال والنمو غير الطبيعي ايضا الى الاسهم المسماة بالقيادية الخاصة لبعض البنوك والشركات الكبرى، وليقفز مضاعف السهم العام (P/E) إلى (30) مرة. كما حدث في السابق فان النمو غير الطبيعي في نشاط البورصة، والارتفاعات المتسارعة في أسعارها بما لا يتوازى مع واقع وحقائق الوضع الاقتصادي سيتبعه ردة فعل او حركة تصحيحية معاكسة تكون تداعياتها أكثر خطورة وأصعب في المعالجة. العديد من المحللين يتلمسون اشكالية توزع المسؤوليات والمهام في تنظيم نشاط الشركات وتداول أسهمها بين وزارة الصناعة وهيئة الأوراق المالية والبنك المركـــزي، ويلاحظــــون تناقضــــات في اكثر من مسألة في التوجيهات والقرارات والمعالجات في غياب التنسيق والتعاون والتكامل المرغوب فيما بينها. ومن ثم نرى ان من الأهمية بمكان المبادرة الى تنظيم ورشة عمل مشتركة للجهات الثلاث بحضور ومساهمة أطراف وفعاليات وخبرات مستقلة بهدف تجنب التضارب والتعارض للوصول الى خطوط وقواعد عمل مشتركة أفضل في التصدي لفقاعات مفتعلة قبل انفجارها العشوائي. |
|
|||||||||||||