العدد 29 - ثقافي
 

جهاد هديب

كما لو أن شعره لا ينفد هو الذي تطالعنا بين فترة وأخرى ترجمة إلى العربية لأحد أعماله أو منتخبات من قصائده ، التي باتت مألوفة لقارىء الشعر بالعربية. إنه الشاعر بابلو نيرودا (1904 – 1973) الحائز على جائزة نوبل للآداب للعام 1971 الذي توفي بعد ذلك بعامين إثر الانقلاب على حكم رفيقه المنتخب القائد التشيلي سلفادور الليندي من قِبَل الجنرال الطاغية بينوشيه وبدعم وعزم أكيدين من الإدارة الأميركية آنذاك.

مؤخراً صدرت ترجمة جديدة في العربية لواحد من أشهر دواوينه ،حملت توقيع الشاعر طاهر رياض وبتقديم للروائي اللبناني إلياس خوري، وهو ديوان: مائة سوناتة حب.

في هذا الديوان يسمي نيرودا الأشياء بغير أسمائها. لا تصير مجازية فحسب بل تبدو الأشياء العادية وقد تفجرت منها شعرية، من ذلك النوع الذي يجعلها عصية على التوصيف أو التحديد:

ماتييلدا، اسم نبتة، أو صخرة، أو نبيذ،

اسم أشياء تبدأ في الأرض ولا تنتهي،

كلمة ذاك الذي لنموه تفتَّح أول فجر،

وفي صيفه انفجر ضوء الليمونات.

يلاحظ خوري في تقديمه الكتاب أن الشعر لدى نيرودا في كتابه هذا إنما هو الذي تقوله الرغبة لا ذكرى الرغبة. وحقا لا يجد قارىء الكتاب ما هو أكثر إنصافا للشعر في « مائة سوناتة حب» من هذا التوصيف الأكثر شفافية.

الشعر كله في ماتيلدا الزوجة التي تجمع كل التوصيفات الأخرى للمرأة المعشوقة؛ الغالبية والنبيلة كما لو أنها امرأة أسطورة وحلم. ماتيلدا حاضرة روحا وجسدا في التضاعيف وما بين السطور وفي صراحة القول وبلاغته:

أخضرَ كان الصمت، نديا كان الضوء،

شهر حزيران ارتعش كفراشة،

وأنتِ، يا ماتيلدا، تعبرين الظهيرة،

تعبرين أقاليم الجنوب، ببحرها وحجارتها.

إنما على الرغم من ارتباط بابلو نيرودا بغير امرأة تبعاً لسيرته الشعرية الذاتية، إلا أن ماتيلدا القصائد تبدو إمرأة موصوفة أو مغسولة بحسٍّ غريزي آثم وطهراني معا، إنها المنزهة عن العادي والمألوف، وفي الوقت نفسه هي الأقرب إلى نوع من البداهة والتلقائية في شفافيتهما الإنسانية العميقة:

تقصيت لمحةً منكِ بين الأخريات جميعا،

في نهر النساء المتموج الدافق،

في الجدائل، في العيون المغضية خفرا،

في الخطوة الرشيقة التي تزلق، مبحرةً في الزبد.

ويخطر لي بغتة أنّ بإمكاني وصف أظافرك –

المستطيلة، بنات أخت الكرز - :

ثم ها هو شعرك يعبر، ويخطر لي

أنني أراكِ في صورة نار عظيمة تشتعل في الماء.

الحب في هذه السونيتات المائة ليس نابعاً من الرغبة فحسب بل إنه مخلوط بعسل وله رائحة اقتراب الذكر من الأنثى؛ تلك الرائحة التي يحسب قارىء الكتاب أنها صنيع أخلاط من القرفة والنعناع الطازج والزنجبيل والبهار وسواها من الأخّاذ من الروائح البرية إنما بمزاج خاص ومختلف:

والآن أنتِ لي. أريحي حلمكِ في حلمي.

الآن على الحبّ والألم والعمل أنْ تهجع جميعا.

الليل يدير عجلاته اللامرئية،

وأنتِ إلى جانبي نقية كالكهرمان الغافي.

لا أحد غيركِ، يا حبيبتي، سيرقد في حلمي. سوف تمضين،

معا سوف نمضي فوق مياه الزمان.

لا أحد غيركِ سوف يرتحل عبر الظلال معي،

وحدكِ أنتِ، يانعة أبداً؛ مشمسة أبداً؛ مقمرة أبداً.

لعل من المهم هنا الإشارة إلى أنّ الخيارات اللغوية والانتقاءات في الترجمة تنِّم عن ذوق رفيع يكشف ليس فحسب عن ملكات المترجم بل عن وجه الشاعر طاهر رياض وأناقته اللغوية الملحوظة في هذه الترجمة.

صدرت « مائة سوناتة حب « في 130 صفحة من القطع المتوسط عن دار كنعان للدراسات والنشر والخدمات الإعلامية في دمشق.

“مائة سوناتة حب”.. الرغبة تمتزج بالعسل
 
05-Jun-2008
 
العدد 29