العدد 5 - أردني | ||||||||||||||
احتفاظه برئاسة المجلس النيابي الخامسة على التوالي لم يكن مفاجئا. إذ نجح في الهيمنة المتواصلة على هذا المنصب لثماني دورات بفضل تداخل مصالح، تشبيكات نيابية-حكومية وصفقات تبادلية على مر العقد الماضي. رجل سياسة محترف بخلفية أمنية تقليدية ولج عالم الأعمال وأبدع فيه. أغدق على النواب فنال ثقتهم ونسج كتلا نيابية أوصلت مغمورين يتحدثون باسمه إلى كراسي الوزارة. في المجلس الثالث عشر سن عبد الهادي المجالي قانونا يسمح لممثل الأمة بالجمع بين راتب التقاعد ومعاش الينابية الذي ارتفع إلى 1500 دينار بخلاف الامتيازات الجمركية وعلاوات السفر. ينتمي المجالي إلى «عشيرة سياسية» من الكرك أنجبت رئيسي حكومة، قائد جيش برتبة مشير وعشرات الوزراء والمسؤولين. شقيقه عبد السلام المجالي قاد الوفد الأردني-الفلسطيني إلى مفاوضات مدريد للسلام عام 1991. وحين استلم رئاسة الحكومة بعد ثلاث سنوات أبرم معاهدة سلام مع إسرائيل. يحمل «الجنرال» عبد الهادي فكراً سياسياً تقليدياً. خاض غمار الحزبوية خلال العقد الماضي، فصنع حزب «العهد» الوسطي المقرب من السلطة ثم تكتل «الوطني الدستوري». انضوى تحت لواء «الدستوري» سبعة أحزاب وسطية حديثة التشكيل. كما في العسكرية كذلك في الحزبوية حافظ «الجنرال» على صورته كرجل دولة ومدافع قوي عن النظام السياسي وعن الدولة الأردنية، محذرا باستمرار من تحديات خارجية وداخلية ينبغي عدم الاستهانة بها . بدأ حياته العملية في القوات المسلحة الأردنية بعد أن نال شهادة جامعية في الهندسة. ثم عين مديراً للأمن العام في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، قبل أن ينتقل إلى العمل المدني. في ذلك الزمن اقتحمت الشرطة ورجال البادية مهاجع طلبة جامعة اليرموك عام 1986 متسببة بأزمة أخلاقية وأمنية. يتفق مؤيدو ومنتقدو «أبي سهل» أو «الباشا» بأنه يمتلك موهبة قيادية وفكراً سياسياً تحليلياً. نجح منذ البدء في طرح نفسه محاوراً ثاقب الفكر هادىء الطبع لا يرتفع صوته أثناء جدال، وإن كان يصعب عليه الابتسام فابتسامته عزيزة عليه. وهو يفضل التحاور مع من يختلفون معه في الرؤى والأيديولوجية. قبل ذلك، لم يعرف عن المجالي خلال خدمته في الجيش ثم على رأس المؤسسة الأمنية انشغاله بالسياسة. بل كان يحسب ضمن المتشددين على رأس الأمن العام لا سيما خلال أحداث جامعة اليرموك وكذلك خلال أحداث “معان” عام 1989. لكنه ما إن خلع البزّة العسكرية حتى جدّد شبابه بالاندفاع صوب العمل العام، ومن البوّابة الشعبية. تزامن ذلك مع ولوج البلاد مرحلة تحول ديمقراطي واستئناف الحياة النيابية والحزبية. هذا الطور منحه حضوراً اجتماعياً دينماميكياً في بيئة جديدة. في مجالسه يشدّد العسكري-الحزبي-المشرّع على تعظيم قيمة العمل، نقد الثقافة القائمة على انتظار رعاية شاملة كاملة من الدولة. في هذا الفكر يصنف المجالي ضمن صف الإصلاحيين المنادين بتطوير القطاع العام، رفع كفاءة الموظفين وربط ترقياتهم بمستوى أدائهم . في طرحه السياسي يتمسك المجالي بالهوية الوطنية وبأن «كل الأردنيين أردنيون» على غرار شعار انتخابي لأحد المرشحين . غير أنه لا ينجح دائماً في طمأنة الكتلة الأردنية من أصل فلسطيني حيال حقوق المواطنة، في بلد لمّا يحسم بعد جدلية ازدواجية الهوية . ويظل الجمع والمواءمة بين محددات الهوية وحقوق المواطنة التي تتجاوز الأعراق حلقة مفقودة في طروحات غالبية الوطنيين. يؤمن المجالي بأهمية تشكيل تيار وسطي كبير يوازن بين الكتلة الإسلامية وبين التيارات العقائدية القومية واليسارية . يلومه خصومه بأنه يندفع في هذا الاتجاه كمن يصدر «قراراً إدارياً» ويسعى لتنفيذه دون المرور بالقواعد ودمج التنظيمات على أسس سليمة. له حضور عربي مذ ترأس الاتحاد البرلماني العربي كما لايتمتع بشبكة علاقات مع شخصيات ومؤسسات عربية فضلا عن استثمارات «مجالية» في الخارج، وبالذات في بعض دول المغرب العربي . كثير من السياسيين يصنفون المجالي ضمن خانة المحافظين وحتى التقليديين. على أن هذه التصنيفات ليست دائماً مطابقة لواقع الحال إضافة للحدود الرجراجة غير الحاسمة بين هذه الخنادق. فليس ثمّة فوارق سياسية وأيديولوجية تذكر بين كثير من المحافظين والوسطيين . فالاعتدال يجمعهم وكذلك الولاء للدولة ومراعاة خصوصيات المجتمع. ويحسب له أنه رغم ما يتمتع به من أنفة فقد اعتذر للجسم الصحافي عن إساءات لحقت بصحفيين من طرف نواب. سعى المجالي للتجسير بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، دون أن يتاح له دائماً تحقيق هذا الهدف بالصورة التي يتمنى شخصيا.ً فقد تعرض المجلس السابق تحت قيادته للنقد من طرف الرأي العام ووسائل الإعلام وأخيراً من سيد البلاد كما جاء في خطاب العرش . وإذ يبدو أن أبا سهل راكم إنجازات في المواقع السابقة من العسكرية إلى تمثيل الشعب، فإن مقربين منه يتحدثون عن طموح متوقد لدى الباشا، وأمل في الوصول إلى الدوار الرابع- قبلة الصف الأول من السياسيين ومعقد تطلعاتهم. |
|
|||||||||||||