العدد 29 - ثقافي | ||||||||||||||
مراجعة: نادية نادر* مثلما يستخدم المسلمون الشريعة لتأكيد هويتهم بطريقة سلطوية، فإن الغربيين يستخدمون القانون الإسلامي، للمجادلة في حاجة المسلمين للاندماج في المواثيق القانونية الغربية. سامي زبيدة لا يقوم بأي من هذين الأمرين. في هذا الكتاب، القانون والسلطة في العالم الإسلامي، يرى زبيدة أن تعبير الشريعة يستخدم في صورة مغلوطة. وهو يعارض القناعة المحافظة القائلة إن "باب الاجتهاد مغلق"، ويجادل بأن القانون الإسلامي ليس واحدياً، وأنه لم يتوقف عن التطور. وبدلاً من ذلك، يفترض زبيدة أن القانون الإسلامي المعاصر تطور عبر الخطاب الثقافي للعلماء "المتقين"، ثم من خلال "السيطرة" على المؤسسات السياسية. وبذلك فإن كتابه يخاطب الإسلام ماضياً وحاضراً من خلال التطور القانوني. غير أن زبيدة يمضي عكس اتجاه الاعتقاد الشعبي بالإشارة إلى أن القانون الإسلامي، قد خضع، تاريخيا، للمساومة من قبل الدولة وأنه يبقى مجرد مفهوم نظري فيما يتعلق بالقانون العام. كما أن التوتر بين المتدينين والعلمانيين ليس أمرا جديداً على العالم الإسلامي، ولكن زبيدة يمضي بعيداً ليجادل بأن الصراع بين "الأفراد الورعين" و"الدولة الفاسدة" كان أكثر خصائص التاريخ القانوني الإسلامي وضوحا. وأكثر من ذلك، فأنه يفترض أن العلاقة بين القانون والسلطة "المشرعين والحكام" يحدد الجهد الإنساني الذي لا ينتهي لإدراك الإرادة الإلهية. فمثلا، تحت رعاية البلاط في العصر العباسي الأول كان الخلفاء يسمحون بالعمل العلني لمدرسة فكرية فلسفية دينية بارزة، هي المعتزلة، في تحد للمدارس الحرفية التي كان أتباعها يصرون على قصر الأحكام القانونية على حدود "النص". وقد انتصرت الدولة في حربها حول الدين، كما يجادل زبيدة، على الرغم من المقاومة الضارية للعلماء، الذين كانوا يعانون أحيانا نتيجة لهذه المقاومة. وعموما، فبعد "محنة" إبن حنبل الشهيرة، وجلد أبي حنيفة (الذي رفض منصبا قضائيا قدمه له الخليفة)، حقق العلماء بعض الاستقلالية الذاتية. القسم الثاني من الكتاب يعالج الإصلاح العثماني وما يدعوه زبيده "تأميم" القانون الإسلامي، مولياً الانتباه لآثارها على مصر وإيران الحديثتين. ويجادل زبيدة بأن كثيرا من المقاومة الإسلامية المعاصرة للإصلاح القانوني، هو رد فعل رجعي على التطوير العثماني (وفي ما بعد العلماني مثل جمال عبد الناصر في مصر ورضا شاه في إيران)، فالمؤسسات الأصولية مثل الأزهر في مصر تسخط على الإصلاحيين لأنها بدلت العلماء وحافظت على استقلال ذاتي محدود تجاه الدولة. والمقارنة بين المثالين الإيراني والمصري ذكية في صورة خاصة لأنها تقدم شرحا مستفيضا للمقاومة السنية والشيعية. ويقيم زبيدة توازيا بين مصر وتركيا، ولكنه يشير إلى أن الاحتمال الأكبر هو أن مصر سوف تتبع المسار الإيراني. القانون والسلطة في العالم الإسلامي يجادل في النهاية بأن "عودة الشريعة" هو افتراض تبسيطي وغير محدد بأن القانون الإسلامي بقي موجودا على مدى التاريخ الإسلامي. ومع أن جداله مقنع، فإن زبيدة يحتاج إلى نقاش متماسك حول وضع المرأة داخل القانون الإسلامي، فقد كانت المرأة المسلمة هي الأكثر تأثرا بالتغييرات القانونية ،التي يندر لكتاب من هذا النوع أن يتجاهله، فعلينا أن نعالج ديناميات الجنوسة لفهم بنيات السلطة المجتمعية. يكتب زبيدة القليل جداً عن الإصلاحات العثمانية لقوانين الأسرة من دون أن ينجح في ربطها بالجدل الشامل حول القانون الإسلامي والسلطة، فهو لا يزيد على أن يستخدم الاستياء الراهن للمرأة المصرية المسلمة، لربط ذلك مع التفاؤل بأن العلمانية سوف تتغلب على انبعاث إسلامي واضح. ومع أن الأمر ليس سهلا على الدوام، فإن زبيدة ينجح في الربط بين السياسات الإسلامية في القرون الوسطى والحديثة المبكرة والحديثة على مدى الكتاب. كما أنه لا يفشل مطلقا في دراسة الشخصيات الدينية البارزة ومنظري النظرية القانونية دراسة مستفيضة. ويجري الكتاب متابعة مميزة لأثر الشيعة والمتصوفة على تطور القانون الإسلامي. غير أن انتصارات مثل هذه تخبو في ضوء السرد المتقطع لزبيدة، فالكتاب يحتاج تقييما تتابعيا لتطور القانون الإسلامي. ينصح بقراءة الكتاب الفئات الدنيا من الطبقات التي شملها المسح في الشرق الأوسط، وكذلك خريجو مادة القانون الإسلامي المتميزين. (ويجب ملاحظة أن معظم مصادر الكتاب ثانوية، وهو أمر غير مفهوم في ضوء مثل هذا المسح الواسع.) ومع أن تقييمات خاصة للتاريخ الإسلامي الحديث والوسيط متاحة لغير المختصين والخبراء ذوي العلاقة، فإن زبيدة يترك أكثر أسئلته أهمية من دون إجابة: كيف ولماذا يجب تشكيل صورة القانون الإسلامي في المستقبل؟. *قسم التاريخ بجامعة كاليفورنيا، سانت باربرا * بالتعاون مع: المجلة الدولية لدراسات الشرق الأوسط International Journal of Middle East Studies |
|
|||||||||||||