العدد 29 - زووم
 

خالد أبو الخير

كثيراً ما كنت ارتاد مقهى السنترال في وسط العاصمة عمان.

أذكر أنني كنت آتي باكراً. مع العصافير تقريباً،

أجلس على شرفة المقهى الواسعة.

أتأمل الفجر يشق طريقه من جهة البنك العربي.

احتسي ما تيسر من القهوة،

والعصافير

العابرة متعبة وأشعة شمس الخريف.

في ذلك الوقت الذي يكتسي بشحوب لا مرئي ينسل العمال الى أعمالهم، طافحين بالبِشر والأمل والعزم في مواجهة خياراتهم البائسة. وشيئاً فشيئاً. تبدأ المدينة تستيقظ من سباتها: أصوات باعة الكعك الصباحي، وصرير أبواب المحال التي تُفتح، وأجراس تقرع لقطعان بلا سبيل.

في مثل ذلك التوقيت كان يأتي، بلحيته الكثة وملابسه الرثة والمرتبة في آن، متأبطاً صحيفةً. يتخذ مقعده على الشرفة نافضاً الغبار عن الطاولة بضربات سريعة ومركزة.

يضع رجلاً على رجل، وينهمك في القراءة.

لم أره قط يطلب فنجان قهوة. ولم أره قط يهتم بأكثر من صحيفته التي بدت عتيقة وأوراقه التي يخرجها في مناسبات قليلة ويستغرق في قراءتها والكتابة فيها مرات.

ومرات

خُيل إليّ، إن ما يكتبه أدباً، أروع بكثير مما يكتبه أولئك المتأنقون، المخنوقون بربطات العنق ومتطلبات حياة. ووددت دائماً أن أقرأ ما يكتبه.

ذات مرة أظنها وحيدة. سقطت من يده ورقة وهو يغادر. تقدمت والتقطها وقبل أن أشرع بقراءة ما فيها. مجهزاً ذريعة مناسبة في حال عاد أدراجه. فوجئت به يرمقني بنظرة شزرة. اعتذرت له وادعيت انني كنت بصدد اعادتها له.

تناولها دون أن ينبس ببنت شفة.

وبدت ملامحه قاسية إلى درجة يكاد ينزف منها القرف.

مضت سنوات مذ عدت الى المقهى ذاته. لاحظت ان الشرفة العتيدة اختفت، ليصار إلى استغلالها في عمل تجاري مبهم. فكرت به، وانتظرت ساعات دون أمل.

حين حاسبت النادل ومضي نازلاً الدرجات لمحت فجأة صحيفة، بدت عتيقة.

عتيقة جداً.

لا شرفة للمتعبين في “السنترال”
 
05-Jun-2008
 
العدد 29