العدد 29 - بورتريه | ||||||||||||||
خالد أبو الخير
إشكالي رغم هدوئه الظاهر، يمتلك رؤية للبلديات، لم ينل منه اتهامه بقضية «الكابسات» التي دبرها «أعداؤه بليل» بحسب ما يرى. يتحدر عبد الرزاق طبيشات من البارحة، تلك القرية الزراعية الملقاة على أكتاف إربد، وما زال يحمل طينة أولئك المزارعين الذين أشهروا مناجلهم لحصاد. والده الشيخ بديوي. كانت مضافته الوحيدة في المنطقة في سنوات الثلاثينيات، يؤمها كبار رجال العشيرة، والغرباء الذين يمرون بالمدينة، والمحتاجون. «مضافة أبي كانت مدرستي الاولى، فقد علمني الاختلاط بالناس الذين كنت أساعد في خدمتهم الكثير». يقول طبيشات المولود العام 1939. أما مدرسته الثانية فكانت في كتاب الشيخ مطيع، الذي قدم من غربي النهر معلما للقرآن والكتابة. تأسست أول مدرسة نظامية في البارحة الواقعة في أيامنا هذه في قلب إربد العام 1949، بعد كفاح مرير لأبناء القرية ووالده في سبيل العلم. غير أن مدير المدرسة رفض تسجيل طبيشات وعشرين ولداً آخرين بدعوى أنهم كبار في السن. ما اضطرهم لتزوير شهادات ميلادهم، والالتحاق بالصف الرابع الابتدائي مباشرة. تعرف على الحياة الحزبية في مدرسة إربد الثانوية التي التحق بها العام 1952، وبطريق الصدفة انتمى للإخوان المسلمين. على خلفية حادثة لا تخلو من طرافة: دعانا طلاب بعثيون الى اجتماع في مكتب المحامي المرحوم عبدالكريم خريس في إربد، وحين ذهبت فوجئت بأن قسما من الطلاب الحاضرين يدخنون، ما اثار استغرابي أنا الفتى القادم من بيئة مغرقة في محافظتها والدخان فيها بالنسبة للفتيان من المحرمات. وعندما جاء المحامي ألقى خطاباً تحدث فيه عن الديمقراطية والقومية واستخدم مصطلحات شائكة بالنسبة لي، فالتفت إلى طالب كان جالساً بجواري قائلاً: شو هل ورطة؟ فأجاب فورا: «هذا حزب هدام يحارب الاسلام، فتعال معي الى مكان آخر لأريك الفرق». أخذني إلى دار الإخوان المسلمين، وكان الأستاذ رشدي مريش يتحدث، فاعجبت بكلامه الذي كان مفهوما لي، وانتسبت للإخوان». علاقته مع الاخوان المسلمين استمرت في اثناء دراسته في اسطنبول عام 1957، ولم يؤثر عليه الانتقال من بيئة محافظة الى اخرى منفتحة في عاصمة دولة علمانية نظراً لدور الاخوان «كانوا ضابينا». فور انهائه لدراسته للطب العام 1963 عاد إلى الأردن وعمل في الخدمات الطبية الملكية، لكن مشواره مع الجيش لم يستمر فلم يلبث بعد عامين أن افتتح عيادة خاصة في إربد. تزوج في العام 1964، زواجا تقليديا وله من الأبناء ثماني بنات، وولدان أكبرهم «محمد». بقي يعمل في عيادته حتى العام 1979 حيث ترشح لرئاسة البلدية وحاز المنصب. كثيرون يذكرون لطبيشات ما أنجزه لإربد التي استمر برئاسة بلديتها ثلاث دورات متتالية، ولا يخل الأمر من عداوات ضده للسبب نفسه. اختاره طاهر المصري العام 1991 وزيرا للبلديات في حكومته. غداة استقالة حكومة المصري عاد وزيرا في حكومة المرحوم الشريف زيد بن شاكر. من مقعد الوزير انتقل إلى مقعد النائب حين فاز في انتخابات 1993، لكن مقامه في النيابة لم يطل، فقد جاء وزيرا للبلديات في حكومة عبد الكريم الكباريتي العام 1996، ثم وزيراً للحقيبة نفسها في حكومة علي ابو الراغب العام 2003 ليقود مشروع دمج البلديات المثير للجدل. أوكل رئيس الوزراء علي أبو الراغب إلى الوزير عبد الرحيم العكور تنفيذ مشروع الدمج،بعد تفاقم مشاكل البلديات ومراوحتها في أوضاع مأساوية، ووصول مديونتها الى 62 مليون دينار.وصادف أن صرح العكور للصحف بأن تنفيذ المشروع يحتاج الى 12 سنة. التقى طبيشات لاحقاً الملك عبد الله الثاني، وأكد أن «مشروع الدمج يمكن تطبيقه خلال شهرين». فجاء في اليوم التالي وزيراً في حكومة أبي الراغب، رغم أنه كان نائبا في البرلمان، والحكومة كانت ترفع شعار الفصل بين النيابة والوزارة. دافع طبيشات عن قانون الدمج، ومبدأ تعيين نصف أعضاء البلدية والنصف الآخر عن طريق الانتخاب. ما أثار جدلاً واسعاً وجر اتهامات للحكومة بالسيطرة على البلديات. وهو يرى أن «مصلحة البلديات في قانون الدمج، وفي التعيين لفترة معينة حتى تستقر أمورها»، لكنه يشير الى أن «وزراء أتوا بعده لم يكونوا من ذوي الخبرة، أساءوا للبلديات وقاوموا موضوع اصلاحها، ما أعاد البلديات في أيامنا هذه الى الوراء». إثر استقالة حكومة ابوالراغب جاء عضوا في مجلس الأعيان، لكن لم يجدد له. علاقته مع رئيس الوزراء السابق عبد الرؤوف الروابدة متميزة، وتربطهما صلة نسب، فابن الراوبدة عصام متزوج ابنته. تعرفا على بعضهما البعض حين كانا طالبين في ثانوية إربد وانتميا الى الاخوان المسلمين، وبعد التخرج قويت العلاقة بينهما ومن ثم امتدت. هدوءه الظاهر كسره مرة حين ثار ثورة «مضرية» في مجلس النواب ضد النائب محمود الخرابشة الذي اتهم صهره عصام بقضية فساد، ووصل الأمر الى حد التراشق «بكاسات الماء» وتبادل الشتائم. يقر طبيشات بأنه رغم الصلة القوية بينه وبين الروابدة الا انه يختلف معه سياسياً، كما افترقا في أدائهما النيابي «أبو عصام له خطه السياسي الذي يختلف مع رؤيتي». لكنه يعتبر أن الروابدة « ذو مقدرات ادارية خارقة». اتهمته حكومة معروف البخيت بالفساد، وأحالت ملف القضية التي اشتهرت بـ «الكابسات» الى مجلس النواب الذي قرر منع محاكمة وزير البلديات الأسبق باعتبار أنه لم يقم دليل على أنه ارتكب الجرم». بحسب قرار لجنة التحقيق النيابة الخاصة في القضية. يؤكد طبيشات براءته من التهمة، ويغمز من قناة مراكز قوى أرادت تصفية حسابات معه، ويعيب على مراكز حقوق انسان، انها لم تدافع عنه. أسس الى جانب زملاء له في البرلمان «أمجد المجالي وحازم المؤمني « حزب الجبهة الأردنية الموحدة» خلال هذا العام. يرى بعض الأكاديميين أن طبيشات والمجالي والمومني «يريدون العودة إلى الأضواء من بوابة الحزبية بعد أن انحسرت عنهم، والحزب برأيهم ولد ميتاً كونه لم يقدم جديداً». يجادل طبيشات بأنهم «أرادوا حزبا جديدا يجمع العناصر ويوحد جهد من يؤمنون بالثوابت الأردنية: الدستور، الميثاق الوطني، الولاء المطلق للعائلة الهاشمية، الديمقراطية، تحقيق العدالة ومكافحة الفساد». طبيشات الآن متفرغ للحزب، يرأس المجلس الوطني فيه، ويمضي أحلى ساعاته في القراءة ومع أولاده وأحفاده «.. أخيرا وجدت وقتا أمضيه معهم». من بين مناصبه المتعددة يلحظ أن أقربها إلى قلبه منصب رئيس البلدية، وربما يتطرف في تذكره، إلى ليالي الحصاد والأهازيج والبيادر وما تبقى من ضوء قناديل الزيت في بيوت غابت إلى الأبد.. |
|
|||||||||||||