العدد 29 - أردني
 

حسين أبو رمّان

حقّق الأردن إنجازات مهمة في ميدان الاكتشافات الأثرية وتهيئة البنية التحتية للسياحة بأنواعها الثقافية والدينية والطبيعية والعلاجية، وبات يشهد أنماطاً جديدة من السياحة مثل السياحة البيئية وسياحة المؤتمرات.

الأردن الذي يتمتع بمقومات سياحية متميزة، ويحتضن واحدة من عجائب الدنيا السبع الجديدة، لديه عناصر جذب سياحية إضافية هي الأمن والاستقرار، واعتدال وتنوع المناخ، لذا فالتطلع للارتقاء بسياحته إلى مصاف الدول المتقدمة سياحياً، طموح مشروع وواقعي.

عززت السياحة في السنوات الأخيرة مكانتها في الاقتصاد الوطني، فقد قفز الدخل الوطني من السياحة لأول مرة إلى 1.6 مليار دولار، حسب إحصاءات وزارة السياحة والآثار لسنة 2007. بهذا تكون حصة السياحة من الناتج المحلي الإجمالي قد بلغت 14.4 بالمئة، وهو ثاني أكبر دخل للأردن بعد الفوسفات، حسب تصريح لوزيرة السياحة والآثار مها الخطيب.

يبلغ عدد العمالة المباشرة في قطاع السياحة 34,455 لعام 2007، بزيادة قدرها 10.9 بالمئة عن العام 2006. وتشهد العمالة السياحية تطوراً مهماً بالإحلال المتسارع للعمالة المحلية التي باتت تشكل 70 بالمئة مقابل 30 بالمئة للعمالة الوافدة.

بلغ عدد السياح العام الماضي مليون سائح، بينما كان هذا رقماً مستهدفاً للعام 2010. ذلك يبين حجم الإمكانات الكامنة للسياحة في الأردن، والتي تتطلب وضوحاً أكثر في أولويات الإستراتيجية الوطنية للسياحة، وطموحاً أكبر في تحديد أهداف النمو، و تأمين مستلزماته. السياحة تثبت أنها قطاع مفتوح على المستقبل، وقادر على أن يسهم بقوة في إيجاد حلول لمعضلات التنمية ولمشاكل الفقر والبطالة إذا ما أحسن استثمارها.

شكلت السياحة الدولية( الأجنبية) تاريخياً المكون الرئيسي للسياحة في الأردن. لكن هؤلاء السياح يأتون في الغالب عبر مجموعات سياحية، وبسبب مظاهر الضعف في البنية السياحية، لا يمكثون طويلاً في الأردن، ولا ينفقون سوى النزر اليسير فيه.

في العقد الأخير ، تم اكتشاف فرص كامنة لسياحة خليجية على جانب كبير من الأهمية، سواء بأعداد السائحين، أو بحجم الإنفاق. هذه السياحة قابلة للاستدامة، فهؤلاء الزوار الأشقاء، ينشدون الطقس المعتدل صيفاً، و تطمئنهم حالة الأمن والاستقرار التي تتمتع بها البلاد، وتشابه القيم والأعراف الاجتماعية.

بإضافة زيارات عرب 48، والسياحة العلاجية التي هي سياحة عربية أساساً، فإن هذا يضع السياحة الإقليمية أو العربية في موقع متميز ومتقدم ، ما يتطلب إيلاءها كل الاهتمام اللازم.

للسياحة الثقافية الدولية مكانتها في الأردن، بالنظر إلى حجم وتنوع الموروث الحضاري الذي تمثله الآثار الأردنية. تضاف إليها المكانة الجديدة للبتراء التي ستجعل منها هدفاً لعشرات ملايين السياح. لكن مشكلة الأردن مع السياحة الدولية، هي أن مردودها الاقتصادي ما زال متواضعاً، بسبب المعدل المنخفض لعدد أيام المبيت للسائح، ولضعف الخدمات والمنتجات المحلية التي تعرض على السائحين.

يبلغ معدل مدة إقامة السائح في الأردن 4.4 ليلة للسنوات 2002-2007، حسب أرقام وزارة السياحة، وهي مدة قصيرة مقارنة بمصر التي سجّلت ضعف هذا الرقم منذ أواسط التسعينيات، وتبلغ حالياً أكثر من 11 ليلة، في كل من مصر وتونس، فيما تبلغ 14 يوماً في قبرص. القسم الأكبر من المناطق السياحية في الأردن وبخاصة المناطق الشمالية والشرقية يفتقر للبنية اللازمة للإقامة أو المبيت. ويشكل هذا أحد عوائق إطالة أمد إقامة السائح.

فالسياحة كما يقول الأكاديمي في الجامعة الأردنية والخبير السياحي حابس سماوي «ليست باصاً وفندقاً خمس نجوم ومطعماً. بل هي كيف تجعل السائح ينفق ما في جيبه من مال بمحض إرادته وبرغبته الشخصية وهو مبسوط».

«ليس المهم زيادة أعداد السياح لتكون سياحة البلد بخير. فالسياحة تكون ناجحة أيضاً بمقدار ما تخلق مصالح مشتركة للمجتمعات المحلية»، يضيف سماوي الذي يرى أن قيمة أي موقع سياحي هي أن يقود إلى تشجيع الأهالي على إقامة مشاريع صغيرة لخدمة السياح، وخلق فرص عمل لأبناء المنطقة. بهذا المعنى، ينبغي أن يصبح كل موقع سياحي مشروعاً اقتصادياً، يؤكد سماوي.

وبسبب غياب مثل هذه الأنشطة الاقتصادية في العديد من المواقع السياحية، فإن أهل تلك المناطق لا يستفيدون من السياحة، ولا يعني تطوير السياحة شيئاً بالنسبة لهم. ومنها أم قيس وأم الرصاص التي تعدّ من جيوب الفقر التي تزيد نسبة الفقر فيها عن 25 بالمئة.

الدليل السياحي يلعب دوراً أساسياً في السياحة القائمة على المجموعات السياحية والتي يتوقف نجاحها في جانب رئيسي منها على نجاح الدليل في أداء عمله. هذه الخصوصية تجعل الدليل السياحي صاحب قرار بشأن أين يذهب أفراد مجموعته، وأين يأكلون، ومن أين يشترون هداياهم.

هناك تقاليد في هذا القطاع تجعل الأدلاء يحصلون على عمولة تزيد على 20 بالمئة من قيمة مشتريات أو نفقات أفراد مجموعتهم في المحال التجاري أو المطاعم. لكن المشكلة هي حين يتصرف هؤلاء الأدلاء على نحو يجعلهم يوجهون مجوعتهم نحو كبار المحال، أو نحو محال بعينها طمعاً بعمولات أكبر، ما يلحق ضرراً بأصحاب المصالح والمشاريع الصغيرة الذين يشكون من ارتفاع العمولات المطلوبة منهم، أو من تجاهل محالهم، وهم في العادة أكبر عدداً، وأكثر حاجة للدعم ليتمكنوا من النمو والاستمرار.

الخبير سماوي يلفت الانتباه إلى أنه «يصعب نشوء سياحة مستدامة دون تنمية السياحة الداخلية التي يتوقف عليها تحقيق نقلة نوعية في السياحة الخارجية. وحينما تنشط السياحة الداخلية تعمل على التقليل من الموسمية السياحية وخاصة في أوقات الأزمات».

إن وجود مقومات سياحة داخلية ناشطة، لا تفرضه فقط احتياجات تطوير السياحة الخارجية، بل ينبغي أن ينظر إليه باعتباره من حقوق المواطنين الأساسية. ولعدم الاهتمام الكافي بهذا النوع من السياحة، مع موجة ارتفاع الأسعار، فإن أعداداً متزايدة من المواطنين، يقصدون أقطاراً مجاورة، يشجعهم على ذلك الانخفاض النسبي لأسعار العروض سياحية إليها.

هناك ضرورة وطنية لأن تصبح السياحة الداخلية هدفاً رئيسياً ثابتاً في إستراتيجية السياحة الوطنية، بما يتطلبه ذلك من توفير خدمات ومقومات سياحية تلائم ذوق المواطن وتشبع رغباته، وتناسب مستويات معيشته. الأصل في السياحة الداخلية أن تكون متاحة لكل فئات المواطنين من ذوي الدخول المتدنية أو المرتفعة. وبما أن الوضع ليس كذلك، تضطر أعداد كبيرة من المواطنين أن «تتفسح» على جنبات الطرق. او السفر نحو سورية او شرم الشيخ.

تعدد المواسم السياحية على مدار العام بسبب التنوع المناخي والمزاوجة بين السياحة الدولية والسياحة الإقليمية، يعد من أبرز خصائص السياحة الأردنية التي ينبغي استثمارها: الموسم الأول يبدأ من منتصف شباط ورواده أوروبيون وأميركان وآسيويين. الموسم الثاني موسم صيفي ذروته في تموز/يوليو، وآب/أغسطس، ورواده عرب وأردنيون مغتربون. الموسم الثالث خريفي رواده أوروبيون وآسيويون.

«ينظر القائمون على السياحة غالباً إلى الجانب الاقتصادي المباشر بما له صلة بالمردود المالي للنشاط السياحي، لذلك هناك تركيز فقط على المؤشرات العامة التي تتحدث عن زيادة عدد السياح أو زيادة مداخيل السياحة ومساهمتها في الناتج المحلي الإجمالي. لكنهم لا يعيرون اهتماماً مماثلاً للآثار الاجتماعية للسياحة».

ليس هناك سياحة بدون تأثيرات اجتماعية. وبشكل عام فإن السياحة الثقافية ليست مقلقة بسبب نوعية السائحين وأعمارهم، والأمر نفسه ينطبق على سياحة العائلات العربية. مع ذلك ينبغي أن يبقى المشهد تحت الفحص والدرس. في هذا الإطار يجب إبعاد الأطفال دون سن العمل عن النشاط السياحي.

ذكر أكاديمي أردني تعرّف إلى سفير بريطاني سابق في أثينا نقلاً عن الأخير، أن السفيرين البريطاني والألماني في العاصمة اليونانية كانا يلتقيان في نهاية الأسبوع ويستعرضان المشاكل التي تسبب بها سياح شبان من بلديهما، كانا يضطران لمتابعتها مع الأمن اليوناني.

العلاقة بين السياحة والبيئة ما زالت ملتبسة في أعين المواطنين. كثير من المصطافين يتركون الأماكن التي استراحوا فيها دون تنظيف. الخطر الأكبر أن تفضي التنمية والاستثمارات السياحية إلى "البطش" بالبيئة. دول أوروبية عانت من ذلك حين تحولت شواطئها إلى غابة من الباطون. والأردن شهد حوارات ثرية بين ممثلي منظمات البيئة و "دبي كابتال" حول إنشاء استراحة سياحية في دبين. كان قاسمها المشترك هو حماية البيئة.

بسبب نمو السياحة البيئية، لا بد من احترام التوازن بين متطلبات كل من السياحة والبيئة، بما يكفل عدم الإضرار بالبيئة التي أصبحت هي نفسها مورداً متنامياً للسياحة، فهذا يجب أن يكون خطاً أحمر.

الأردن حين يتطلع إلى تحقيق قفزات نوعية في صناعة السياحة لديه ، فهو لا يفعل أكثر من التفكير بلغة العصر الذي تمثل السياحة فيه أنشط الصناعات العالمية، إذ تسبق صناعة السيارات، ولا يضاهيها سوى الاتصالات فقط. بلغ الدخل السياحي العالمي 733 بليون دولار العام الماضي. وتحتل فرنسا المرتبة الأولى عالمياً بعدد السياح الذين يزورونها، إذ يبلغ عددهم 80 مليون سائح مقابل 57 مليون لإسبانيا حسب أرقام عام 2007، يليها الولايات المتحدة، فإيطاليا.

رافد أساسي للنمو وأداة تسويق لصورة الأردن الحضارية: السياحة العربية ثروة تستحق تنميتها لا تبديدها
 
05-Jun-2008
 
العدد 29